منتديات قصيمي نت

منتديات قصيمي نت (http://www.qassimy.com/vb/index.php)
-   قسم القصص والروايات (http://www.qassimy.com/vb/forumdisplay.php?f=71)
-   -   && نماذج قصصية في أدب الأطفال && (http://www.qassimy.com/vb/showthread.php?t=65742)

حسن خليل 28-09-06 09:14 PM

القصة الثانية والخمسون

ليلى والذئب

بقلم الكاتبة: هنادي زحلوط

قال وهو يضمه ويداعبه "سأحكي لك اليوم حكاية ( ليلى والذئب ) !"

أجاب الطفل وهو يتوغل في أحشائه " لماذا دوما" ( ليلى والذئب ) ؟

" لأنني أحب ليلى , والناس يتحدثون دوما" عمّن يحبونهم , أحبها , أحبها , أحب رداءها الأحمر وبشرتها الحنطية وشرها الغزير , وأحبها لأنها تدافع عن نفسها وعن جدتها عندما يهاجمها الذئب , وأنت ألا تحبها ؟!"

" أنا أحب حلواها اللذيذة !"

ضحك وهو يتناول القصة الممزقة ويحكيها شاردا" حتى يلفظ " وهاجمها الذئب يريد نهش لحمها بأسنانه الكبيرة ! "

يلتفت ليرى وقع المشهد على الطفل فيراه قد أغمض عينيه عنه ونام ربما ككل الناس المتعبين الذين لا يريدون إكمال الحكاية !

في المساء التالي , سأله الطفل " هل مازلت تحبها ؟! "

" نعم , لماذا تسأل ؟! "

" لأنني سمعتك اليوم تقول لصديقك بأنك ستذهب غدا" إلى العاصمة لتراها , يقولون أن العاصمة كبيرة جدا" , فكيف ستجدها ؟! "

ابتسم وهو يجيب بثقة " إنني أعرف أين أخفوها , وسأذهب إلى بابها كي أعتصم أمامه أنا وكل الذين يحبونها "

" وماذا يعني " أن تعتصم " ؟ هل ترفع صوتك عاليا" وتقول لها أحبك , أحبك ؟! "

" كلا , لأنها أصيبت بالطرش لكثرة ما سمعت هذه الكلمة "

"اذن كيف ستقول لها أحبك ؟! "

" سأصمت .. سأصمت !" !

استيقظ في الصباح الباكر , كان هذا اليوم " عيدا" وطنيا" " , ذهب ممسكا" بيد صديقته , وقفا في الساحة تحت الشمس في رتل مستقيم , وقفا طويلا" , وفجأة " وقعت على الأرض وراح الدم يندفع غزيرا" من أنفها وسال على ردائها
" ليلى ,ليلى " لم تسمعه , كان ضجيج الموكب القادم يطغى على صراخه , ركض صوب المديرة وراح يشدها من يدها , فدفعته عنها وضربته بالمقص الذي لم يفارق يدها دون أن ترفع عينيها عن المحافظ الذي يتقدم " مع صحبه " لتعطيه المقص كي يقطع الشريط الأحمر الذي تدلى على باب المدرسة الجديدة بقطر دما" وسط التصفيق والهتاف بحياة الثورة المتجددة !

عندما عاد مضمدا" الى البيت , وجد أباه يرسم ويلون , اندفع صوبه يعانقه ويقبله

" بابا , ما هذه اللوحة ؟ "

" انها لليلى كما رأيتها اليوم "

شرد الطفل وهو يرى فتاة" أحاط بها صيادون مدججون بالسلاح واقتلعوا عينيها ولفوها بالشوك وربطوا يديها وقدميها بالسلاسل الثقيلة وسدوا فمها بالتراب , وسال الدم من جروح جسدها الكثيرة ليغطي عريها !

استيقظ في وسط الليل على قرع الباب , أتى الصيادون تسبقهم جلبة أحذيتهم الثقيلة

" أين أنت يا كلب ؟! "

جروه من فراشه وفتشوا غرفته حتى وجدوا اللوحة فصرخوا " تريد تشويه سمعتها ؟ تريد تشويه سمعتها أليس كذلك ؟!" وراحوا يركلونه ...

" بابا.. بابا " صرخ بطفله قبل أن يغيب " ابحث عن ليلى .. وحدها ليلى تعرف مكاني.. ووحدها ليلى تستطيع أن تعيدني مرة " أخرى .."

ركض الطفل وراءهم باكيا" " ليلى .. ليلى أين أنت ؟! ".. دون أن يسمع سوى عواء الذئب

حسن خليل 28-09-06 09:18 PM

القصة الثالثة والخمسون

الحصان المسحور
(حكاية قديمة)


بقلم الكاتب: ميخائيل عيد

يحكى أنه عاش في إحدى مدن الشرق رجل ثريٌّ مولع بالخيولِ ولعاً لا حدود له... كان الناس يعرضون عليه خيولهم فإذا أعجبه حصان اشتراه وألحقه بما عنده... وذات يوم جاءه من أخبره بوجود حصان لا مثيل لجماله في إحدى القرى النائية. ذهب الغني وأحد خدمه إلى تلك القرية... أدهشه جمال الحصان فاشتراه وعاد به.

رُبط الحصان في حديقة المنزل إلى شجرة باسقة...

جلس الثري إلى مائدة أُعدت لـه قربه وراح يتأمله...

حين لم يبق أحد من الخدم حوله رأى الحصان يصغر ويصغر ثم رآه يدخل في مزراب صغير تنسكب منه المياه في بركة صافية... كاد صوابه يطير فصاح بأعلى صوته:

- الحصان، الحصان!

أسرع الخدم إليه وسأله أحدهم:

- ماذا جرى للحصان يا سيدي؟

قال الغني:


- لقد صغر وصغر ثم دخل في المزراب هناك...

قال الخادم وهو يشير إلى الحصان:

- المعذرة يا سيدي، الحصان موجود حيث ربطناه.

صاح الثريُّ:

- لقد رأيته بعينيَّ!

قال الخادم:

- وها أنت ذا تراه بعينيك في مكانه... يبدو أنك متعب يا سيدي...
صاح الثريُّ:

-لستُ متعباً، وقد رأيته وأنا بكامل قواي، هيا انصرفوا...

ذهب الخدم إلى أعمالهم وجلس الثري إلى المائدة ونظر إلى الحصان... كانت عينا الحصان واسعتين وجميلتين... ثم ها هو ذا يصغر ويصغر ويدخل في المزراب... دلك الغني عينيه ورش بعض الماء على وجهه... وحين لم يتغير شيء حوله صاح بصوت غريب:

-الحصان، الحصان!

وأسرع الخدم إليه... وتكرر المشهد مراراً... وتكرر الجدال، وخرجت زوجته من القصر ووقفت إلى جانب الخدم محاولة إقناعه بأن ما يقولـه مخالف للمنطق فقال لها:

- أعرف أنه مخالف لكل منطق، لكنني رأيته...

حين قالت له: أنت متعب، وعليك أن ترتاح، ضربها وضرب من وصلت يده إليه من الخدم... وكان على زوجته أن تستدعي الأطباء خوفاً عليه... وقرر الأطباء أنه جُن فأخذوه وهو يقاومهم إلى مشفى المجانين. قيدوا قدميه وربطوا يديه وتركوه على أرض غرفة قذرة.

رآه أحد نزلاء المشفى فحمل كوب ماء إليه وسقاه ثم جلس قربه وواساه ثم سأله عن سبب إحضارهم لـه إلى هذا المكان المخيف فحكى لـه حكاية الحصان فضحك المجنون حتى كاد ينقلب على قفاه ثم قال له:

- أنا، على جنوني، لا أفعل ما فعلت...

سأله الثري:

-كيف؟

قال المجنون:

- ألم تر ما رأيتَ بعينيك، ألم يقتنع عقلك بما رأيت؟

قال الثريُّ:

- أجل....

قال المجنون:

- أتتحمل هذا الأذى كله في سبيل أن تقنع الآخرين بصواب ما رأيتَ، وهو مخالف لمنطقهم... المعذرة، أنتَ أكثر جنوناً مني..

ابتسم المجنون لـه برفق وابتعد عنه وظل الثري في مكانه حتى الصباح..

دخل كبير أطباء المشفى غرفة الثريّ وسلم عليه بإشفاق فسأله الثريُّ مستغرباً:

- من جاء بي إلى هنا يا كبير الأطباء، ولماذا؟

ارتبك كبير الأطباء وغمغم:

- أتوا بك إلى هنا... بسبب، بسبب الحصان..

صاح الثري:

- الحصان، ماذا أصاب الحصان؟

قال كبير الأطباء:

- البارحة كنت تؤكد أنه دخل في المزراب؟

قال الثري:

- هل هذا معقول؟ أأنا أقول هذا؟ أنت تمزح أيُّها الطبيب.

صاح كبير الأطباء مبتهجاً:

- الحمد لله على سلامتك، أيّها السيد... هيا أعيدوه إلى البيت على الفور...

وعاد الثري إلى المنزل... وأعدوا لـه مائدة في الحديقة قرب الحصان والمزراب... وحين ذهب الآخرون نظر إليه الحصان ثم صغر وصغر واختفى في المزراب...

نهض الثري واقترب من المزراب على رؤوس أصابع قدميه ثم همس:


- أخرج، أخرج، لقد رأيتك، وأخاف أن أرفع صوتي فيسمعوني...

حسن خليل 28-09-06 09:19 PM

القصة الرابعة والخمسون


المهرجان


بقلم الكاتب: خير الدين عبيد




في غرفة رامي، وعلى طاولته الصغيرة، كان يوجد عرس بهيج. فقلم القصب يتراقص، والحروف تنطّ على سطح الورقة كالأرانب، بينما تمايلت المحبرة، حتى كاد مدادها يندلق.

فلوحة الخطّ، التي كتبها رامي، نالت المرتبة الأولى، على مستوى المدرسة.

في غمرة هذا الفرح، قال قلم القصب:

- ما رأيكم يا أصدقائي، أن نقيم مهرجاناً خطابياً؟

رحّبت الحروف والمحبرة والورقة بالفكرة واتخذوا كتاب القراءة منصة.

صعد كلٌ من المحبرة والقلم المنصّة، بينما جلست الأحرف فوق السّطور ممثّلة الجمهور.

افتتح قلم القصب المهرجان بقوله:

- أبنائي الحروف، إنّه ليسعدني، أن تنال لوحة رامي، التي كُتِبَت بي، المرتبة الأولى ويسرّني أن أنتهز هذه الفرصة، لأعطي لمحة عن حياتي.

حكى لي جدّي، أنّ أوّل لقاءٍ له، كان مع الخط الكوفي، غير المنقوط، ثمّ تتالت اللّقاءات مع خطّ الثلث، والرقعة، والدّيواني وبعدها صارت أقلام القصب تكتب الأشعار الحالمة، والقصص الممتعة بخط جميل، كخطّ رامي، الذي نحتفل بفوزه.

وقبل أن أنهي حديثي، لا بدّ أن أشير، إلى أنّ الفضل في كلّ ما صنعته، يعود لصديقتي المحبرة الجالسة بجانبي، فشكراً لها وأرجو من اللّه أن يزيد في مدادها.

تأثّرت المحبرة لكلام صديقها، فبكت، ثمّ تنحنحت وقالت:

- بداية، أشكر أخي وصديقي، القلم القصب، على عواطفه النّبيلة كما أشكر حضوركم، الّذي ينمّ عن تعطّشٍ للعلم والمعرفة.

سأدخل في الموضوع مباشرةً، كي لا أطيل؟

قديماً، كنت وردةً جوريّةً، لا تستغربوا يا أحبّائي، لأنّ الخطّاط جاء وقطفني، ثمّ وضعني في وعاء يحتوي حديداً صدئاً، وصمغاً شجرياً ثمّ غليت بالماء، وتحوّلت إلى حبر، وبعدها، صرت أصنع من مواد مختلفة، أهمّها هباب الفحم.

وختاماً، أعدكم أن أضحّي بآخر قطرةٍ من مدادي، كي تنتشر الثقافة بين النّاس.

صفقّت الحروف بحرارة، وتعانقت على سطح الورقة، مشكّلةً لوحةً فنيّةً رائعة.


حسن خليل 28-09-06 09:25 PM

القصة الخامسة والخمسون

أعـــواد القصــب

صاح الديك، فتحت حنان عينيها، وتمطّت كقطّة صغيرة.

كانت الساعة تشير إلى السابعة، إنه موعد إعطاء الدواء لأمّها المريضة.

دخلت حنان غرفة أمّها، فوجدتها مستلقية كعادتها، تئنّ وتتوجّع.

- صباح الخير يا أمي.

- صباح النور

- انهضي قليلاً لتشربي الدواء.

حاولت الأم النهوض، فلم تستطع، ساعدتها حنان، فلم تفلح.

حزنت حنان كثيراً أدارت وجهها صوب النافذة، المطلّة على الحديقة، كي تخفي دموعها فلاحظت أصيص الزنبق ذابلاً.

خرجت إلى الحديقة، وجلست قرب أعواد القصب، كانت تبكي، واضعةً كفيّها الصغيرتين على وجهها.

اهتزّ عود القصب بجانبها، وقال بصوت مبحوح:

- اهدئي يا حلوة، عندي فكرة للترويح عن والدتك.

- ما هي؟.

- اقطعي مني ثمانية عقد، واثقبيني ستة ثقوب في طرف، وثقباً في الطرف المقابل.

- لكنّك ستتألمين!

- لا يهم، فقد كانت أمّك تسقيني كلّما عطشت كأحد أطفالها، لذا يجب أن أساعدها. قطعت حنان القصبة، وثقبتها، ثمّ وضعتها بشكل مائل على فمها، وراحت تنفخ.

وما إن حرّكت أصابعها الرشيقة، حتى خرجت من الثقوب أنغام عذبة شجيّة، امتزجت مع زقزقة العصافير، مشكّلة لحناً ساحراً.

توقفت الموسيقا فجأة، على صوت تصفيق ينبعث من النافذة.

نظرت حنان إلى النافذة، فشاهدت أمّها تصفّق باسمة، وبجوارها تفتّحت زنبقتان حمراوان جميلتان.

حسن خليل 30-09-06 10:53 PM

القصة السادسة والخمسون

الحاكم العادل

بقلم الكاتبة: نجاة حالو

في الدراسة التي أجرتها إحدى المدارس الإعدادية عن مهنة المستقبل لطلابها.. كانت النتيجة:

60% طبيب لأخفف آلام الناس /المهنة الرائجة اقتصادياً/

20% أستاذ مثل مدرّسي فلان لأنه قدوتي ومثلي الأعلى /؟!!/

10% مهندس، وتعددت الاختصاصات /الكل في النهاية موظف دولة/.

9% صيدلي /تاجر يحمل شهادة، عصفوران بحجر/.

واحد فقط قال: أريد أن أكون حاكماً عادلاً..

توقفت لجنة الدراسة عند هذا الواحد!!

بعضهم توقع أنه ابن مسؤول كبير.. وبعضهم الآخر توقع أنه ابن جامع أموال.. أو غاسل أموال.. أو مهرب رحيم يخفف أعباء الناس النفسية بتهريب ما يمتعهم.. ويريحهم من متاعب العقل.

لكن الجميع فوجئ بأن هذا الواحد هو ابن جامع قمامة..! يقوم كل يوم مساءً بتنظيف الشوارع المحيطة بالمدرسة..

وبعد مناقشات طويلة.. ودراسات عديدة حول وضع هذا الطالب ارتأت اللجنة أن تتقصى حاله.. وأحواله بعد أن نسيت الدراسة التي تم تشكيلها لأجلها..

استدعته الإدارة أولاً وانبرت المديرة للسؤال:

- لِمَ تُحب أن تكون حاكماً يا ولدي؟

أجاب الطالب وكان اسمه (منسي): أرجوكِ التصحيح يا سيدتي لا أريد أن أكون حاكماً.. أريد أن أكون حاكماً عادلاً..

- باستغراب: وما الفرق (قالت المديرة)؟.

منسي: الفرق شاسع يا سيدتي.. أي شخص يمكن أن يكون حاكماً لكن لا أحد سيستطيع أن يكون عادلاً.

ارتفعت أصوات اللجنة التي اختلط الأمر عليها وعلت الضحكات المستهزئة.

- هل بإمكان أيّ كان أن يكون حاكماً؟ "قال رئيس اللجنة"

ردد منسي بثقة ويقين.. أجل.. لِمَ الاستغراب؟

- تدخل عضو في اللجنة: يا ولدي لا يستطيع أن يكون حاكماً إلا منْ كان أبوه حاكماً أو كان شخصاً يمتلك مواصفات استثنائية تمكنه من القيام بانقلاب على الحاكم.

ضحك منسي بصفاء وقال بهدوء: كل شخص في هذا الوطن يستطيع امتلاك مواصفات استثنائية...!

-اندفعت المديرة تريد أن تكون موجهة كأم حانية:

- هذا خطأ يا بني.. المميزون نادرون جداً في العالم..

قال منسي وهو يتفرس الوجوه المحيطة به: أنا لم أقل مميزون يا سيدتي.. قلت مَنْ يمتلكون مواصفات استثنائية.

- المديرة: هذه نفس تلك يا بني...

زفر منسي وكأنه أستاذ تعب من الشرح: سيدتي المميز هو مَنْ فاق الجميع بعمل فذ.. والمواصفات الاستثنائية كثير من الناس يدعي امتلاكها ويصدقه الآخرون.. أنتِ مثلاً تمتلكينها (نفخت المديرة صدرها زهواً) تابع منسي: لأنك مديرة في مدرسة فيها أساتذة ومعلمات أكفاء أقدم منك وأكبر سناً.

(احمرّ وجه المديرة ثم أربد)..

تابع منسي: رئيس اللجنة هذا يمتلكها مع أنه أصغر واحد فيها (وقف الرئيس غاضباً)..

تابع منسي: أبو أحمد يمتلكها.. مع أن البلدية خصَّت أبي بشوارع عددها ضعف الشوارع التي خصَّت أبو أحمد بها لتنظيفها، ومع أن أبي موظف قبله بعشرين عاماً على الأقل وهو منضبط في عمله أكثر منه بكثير والأمثلة كثيرة.. أتريدين أن أتابع..

كفى (قالت المديرة).. وأرادت إنهاء المقابلة التي وضح فيها تميز الطالب المنسي /ذي الأعوام الخمسة عشر/ وقدرته على محاورة كبار السن واللعب على الألفاظ، لكن رئيس اللجنة أراد أن يتفوق عليه.

لذا استمهل وهو يسأل: لِمَ تجزم يا منسي أن لا أحد يستطيع أن يكون عادلاً..؟ أنا مثلاً كمدرس وموجه تربوي كنت ولا أزال عادلاً في وضع الدرجات والنقاط..

ضحك منسي بخبث: لهذا أقول لا أحد عادل.. وقبل أن تصل يد رئيس اللجنة إلى الطاولة لتضربها غضباً تابع منسي: إن الكل يعتقد أنه وحده العادل وأن الدنيا بأكملها ظالمة ولا أحد فيها يفهمه..

انبرى أحد المخبرين المدسوسين كعضو في اللجنة مقاطعاً: هل تعتقد أن حاكمنا غير عادل يا ولد..؟؟.

حدق منسيٌّ إليه ملياً قبل أن يجيبه: مَنْ يسأل سؤالاً كهذا هو مَنْ يشكك..؟!

أسقط في يد السائل.. واحمرّ خجلاً..

في اليوم التالي كانت الحادثة قد انتقلت بكل تفاصيلها إلى دار الصحافة مما جعل أحد الصحفيين الباحثين عن عمل يسرع إلى منزل منسي لإجراء حوار صفحي، قال الصحفي: مَنْ زرع في نفسك هذا الأمل يا صديقي.. (وكان يأمل في أن يذكر اسماً مثلاً).

أجاب منسي: أكوام القمامة التي يجمعها أبي..!!

الصحفي (متعجباً).. ماذا؟ كيف؟..

أجاب منسي: أبي يقوم كل يوم بتنظيف قاذورات الناس جميعاً.. يعرف أسرارهم من بقاياهم.. يعرف مَنْ بات جائعاً.. ومَنْ بات متخماً. يعرف في أي البيوت كانت السهرة ماجنةً وأصحابها مسرفين وفي أيها طويت البطون على الكفاف.. يعرف المرتشي.. من المستقيم.. يعرف أن حاكمه /مديره في البلدية سارق ومرتشٍ/.. يعرف المنظم من الفوضوي..

يعرف كل شيء ويعرف معه الصمت، ثم تابع بأسى: لكنه لا يعرف العدل..

إنه في المنزل حاكم متسلط.. غير عادل.. يخص نفسه ببقايا العلب الدسمة.. ويترك لنا الفتات..

أحياناً يخص أمي.. أو أخي الصغير ببعض العطايا.. حسب حاجته ومزاجه ويعتقد أنه عادل.. وأن الآخرين كلهم ظالمون.

إنه بالفعل مظلوم.. فالكل ينظر إلى عمله على أنه أسقط الأعمال مع أنه وبحسبة بسيطة.. لولاه وأمثاله لكانت الأمراض قتلت الجميع.. إنه يخدم الآخرين ويخفف آلامهم أكثر من الطبيب والصيدلي.. ما يحتاجه أبي ليكون كاملاً.. العدل.. فقط العدل.

لم يعد بإمكان الصحفي طرح سؤال آخر.. فسؤاله الوحيد كان جوابه محاضرة كافية وشاملة..

بعد أيام.. كانت الإذاعة على موعد مع منسي لإجراء لقاء إذاعي مطول..

قال المذيع سائلاً بعد مقدمة طويلة شرح فيها للمستمعين ذكاء منسي وسرعة بديهته...

المذيع: يا أخ منسي.. هل تعتقد أن العدل ممكن على الأرض..؟

هرش منسي رأسه بأصابع يده.. وهزه وهو يحاول (تذكر بيت من الشعر قديم.. نسي مؤلفه).

والعدل في الأرض يضحك الجن إن سمعوا به ويستصرخ الأموات.. إن نظروا.

المذيع: هل تعتقد أنك لو صرت حاكماً..!.. تستطيع أن تقيم العدالة..

ضحك منسي بهدوء وهو يجيب: لو قدر لي أن أكون حاكماً.. لغيرت ميزان دائرة الأرض حولي..

- اذا ستفعل..؟

منسي: أجعلك أنت بائع بطاطا.. وأجعل رئيس البلدية صبي حلاق وأجعل رئيس لجنة الدراسة التي أوصلتني إلى هنا قارع طبل.. و..

- المذيع "مقاطعاً" وقد اشتد غيظه: كفى و.. وأنهى البرنامج بموسيقى صاخبة.

اعتذر بعدها للمستمعين عن متابعة الحوار بعطل فني طارئ.!

لم تمضِ أيام.. حتى كان منسي على باب الحاكم مطلوباً للقاء خاص معه.. بعد أن ترك كل ما لديه من أعمال واجتماعات قومية ووطنية لصالح الشعب /كان الله في عونه/ وقرر استقبال منسي.. قال الحاكم وهو يمد يده مصافحاً:

- لقد سمعت عنك كثيراً يا ولدي..

- أجاب منسي دون أن يرفع نظره: الحاكم المقتدر يسمع دبيب النملة في مملكته..

- الحاكم: أنت ولد مميز يا منسي..

- منسي: لست مميزاً يا سيدي.. إني فقط صادق.

- ابتسم الحاكم بإعجاب: وهذه ميزة كبرى يا ابني.

- زفر منسي بقهر مخزون: لكنها لا تعجب أحداً يا سيدي.

- همهم الحاكم متقرباً: تعجبني أنا يا ولدي.. ليت شعبي كله على شاكلتك.

- منسي: هذا ليس في صالحك يا سيدي..

- الحاكم "ضاحكاً وقد ابتلعها": هل تعتقد أن هناك مَنْ يصلح أكثر مني لقيادة هذا الشعب يا منسي..؟

- منسي بصدق ودون أن يرفع رأسه: أجل يا سيدي.

- احمرّ وجه الحاكم.. لكنه تمالك أعصابه وهو يضغط على أسنانه..: مَنْ يا منسي..؟

- رفع منسي وجهه ليلاقي وجه الحاكم الضاغط على شفتيه: الحذاء يا سيدي..!

- ضحك الحاكم بجلجلة.. فقد فطن للمزحة /إنه لم يكن إنساناً عادياً أبداً/.

- قال وهو يضع يده على كتف منسي بلطف متماشياً معه في مزحته: على الرأس أم في القدم يا منسي..؟

-منسي ببديهة حاضرة أبداً: الحذاء المناسب في القدم.. يقيها من التشوهات وعلى الرأس يا سيدي يصلح تشوهات الدماغ.

- فكر الحاكم لحظة ثم سأل وقد وضح إعجابه بمنسي: هل تقبل أن تكون مستشاري يا بني..؟؟

- انتفض منسي..: لا.. لا يا سيدي.. الآن لا..

- الحاكم متعجباً: لِمَ يا منسي؟

- منسي: لأني لن أكون عادلاً بنظر أحد يا سيدي.

- الحاكم:. وبنظر نفسك؟

- منسي: أنا مواطن مقهور يا سيدي وكل مقهور يرى العدل كاملاً بإزالة قهره.. ثم إن كل شخص يعتقد نفسه العادل الوحيد على الأرض..

- الحاكم: لنتخيل أنك صرت الحاكم بدلاً مني ما الذي ستفعله أولاً؟.

- منسي: أولاً.. أقيل رئيس الحكومة وأعين بدلاً عنه أبي لأنه يعرف مشكلات الناس أكثر منه.. وبالتالي سيرسل أبي كل وزرائك وحاشيتك إلى بيوتهم على أحسن تقدير..!

وسيشكل وزارة جديدة كلها من جامعي القمامة لأنهم جميعاً قادرون على القيام بأعمال مفيدة..

وهذا.. على ما أعتقد سيثير نقمة الشعب بأكمله.

- الحاكم: ما دمت تعرف أنه سيثير النقمة لِمَ تقوم به..؟

- منسي: إن الشعب بحاجة إلى تغيير جذري.. حتى ينهي موته يا سيدي بحاجة إلى مَنْ يصفعه..

- الحاكم: لكن الجميع لن يفهم الأمر هكذا.. سيعتقدون، أنك لا تهتم إلا لأقربائك ومعارفك.

- منسي متفرساً في الوجوه التي حوله.. هل تعتقد أن أحداً يفعل غير هذا يا سيدي..؟

- الحاكم ضاحكاً: لن تكون بهذا حاكماً عادلاً يا منسي..

- نظر منسي إلى القصر الفخم وإلى الجدران الممتلئة إلى الأسقف المثقلة.. نقل بصره إلى وجوه المحيطين بالحاكم، إلى بطونهم المنتفخة.. وعيونهم الناعسة.. وإلى ياقاتهم وثيابهم المنشاة.. تفرس في وجه الحاكم هذه المرة دون أن يزيح عينيه عنه... زفر بحزن مسكون في الأضلع: كان حلماً يا سيدي.. أنا لن أكون حتى حاكماً في يوم منسي كاسمي فأبي ليس بالحاكم.. وأنا لا أملك مواصفات استثنائيه.. يا سيدي!

رمح الإسلام 01-10-06 11:50 AM

قصص حلوة

حسن خليل 01-10-06 12:00 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة رمح الإسلام (المشاركة 1331069)
قصص حلوة

أشكركم أخي رمح الاسلام على المرور لهذه القصص والتعليق الجميل عليها.

تقبل احترامي وتقديري.

أخوكم

حسن خليل

حسن خليل 07-10-06 07:01 PM

القصة السابعة والخمسون

لعبة مسلية

بقلم الكاتبة: حنان درويش

في إحدى ليالي الصيف المقمرة، وبينما كان القمر بدراً يسطع، فيغمر نوره الكون... قرّر أفراد الأسرة مجتمعين السهر على سطح الدار، كما اعتادوا أن يفعلوا في مثل هذه الليالي.

طوت خولة البساط المخصّص للجلوس فوق السطح. أخوها أحمد فعل مثلها، وشارك في نقل الوسائد الصغيرة. الأم والأب أعدا العشاء ورتّبا أمور المائدة.. أما الجدّة، فلم يكن بمقدورها أن تحمل سوى طبق القش الذي باشرت بجدل عيدانه، وتنسيق ألوانه.

هرة البيت الأليفة كانت على مقربة من أفراد الأسرة تلهو بكرة صوفية بيضاء.

حالما انتهى الجميع من تناول العشاء... قال أحمد:

- الحمد للَّه.. لقد شبعت.

- هذا غير معقول.. إنّك لا تشبع على الإطلاق.

قالت الجدّة ضاحكة.. فضحك الجميع.

اقترح الأب على والدته وزوجته وولديه أن يقوموا بلعبة مسلية.

- ماذا بوّدكم أن تلعبوا؟...

سألت الأم.

احتار الجميع.. تبادلوا النظرات... ابتسم القمر وهو يسمع كلامهم ثم قال:

- ما رأيكم... لو راح كلّ منكم يشبّهني بشئ يحبّه، ومن يعجبني تشبيهه سأكافئه بهديّة لطيفة..

وافق الكبار والصغار على اقتراح القمر، وكانوا جميعاً فرحين لأنّه يحادثهم ويراهم.

صاحت خولة:

- سأبدأ أنا أوّلا..

أجابها أحمد:

- لا.. لا.. أنا أوّ لاً.

- موافقون.

هتف الجميع

قالت الجدة:

- طبق القش الملوّن الذي أصنعه، سيكبر، ويكتمل ويصبح كاستدارتك أيّها القمر.

قال الأب:

-مقود سيارتي الذي تلامسه يداي كلّ يوم بحبّ وحنان يشبهك أيّها القمر.

قالت الأم:

- كعكة العيد التي تصنعها أصابعي بمهارة، قريبة من شكلك أيها القمر.

قالت خولة:

- وجه لعبتي الجميل مثل وجهك أيها القمر.

قال أحمد:

- إنَّك كالرغيف المقمّر اللذيذ.. هم.. هم.. أيّها القمر.

قفزت الهرة وماءت..

- مياو.. مياو.. ها هي كرتي الصوفيّة البيضاء أمامي، ولا تختلف عنك أيّها القمر.

ابتسم القمر، وقد بدت على وجهه علامات الحبور والسعادة:

- لقد أعجبني كلّ ما قلتموه.. ولذا سأكافئكم جميعاً، بأن أزوركم من وقت لآخر، لنلعب اللعبة نفسها.. ولكن ضعوا في حسبانكم، أن شكلي لن يبقى على حاله.. وإنّما سيتغير عندما أدخل مراحل جديدة.

حسن خليل 07-10-06 07:04 PM

القصة الثامنة والخمسون


الدجاجة الشجاعة


جاءت الدجاجة إلى جارها الديك باكية، شاكية، تخبره بأنّ الحدأة تستغلّ ضعفها كدجاجة وحيدة لاعون لها، وتنقضّ على صيصانها الصغيرة، مختطفة صوصاً كلّ يوم.

انزعج الديك من الحال، وانتصب عرفه غضباً وهو يصيح:

- كوكو.. كوكو.. سآتيكِ غداً في الموعد الذي تُقبل فيه الحدأه لتخطف صوصك.

- وماذا ستفعل؟

- سأوقفها عند حدّها، وأضع نهاية لأعمالها العدوانيّة.. لاتخافي.

ارتاحت الدجاجة لكلام الديك، ولموقفه الإنساني الجميل، وانصرفت تُؤمّل نفسها بالخلاص من الظلم الواقع عليها.

في اليوم التالي.. انتظرت الدجاجة قدوم الديك، لكنّه لم يأتِ بسبب مرض مفاجئ ألمَّ به، فوجدت نفسها وحيدة من جديد في مواجهة الحدأة التي انقضّت على الصيصان لتخطف واحداً منها.

في هذه الأثناء، قرّرت الدجاجة الدفاع عن صغارها بنفسها دون معونة من أحد.. وبعد كرّ وفرّ، وبعد عراك دام وقتاً طويلاً، استطاعت الدجاجة أن تفقأ عيني الحدأة، وتحرمها من نور عينيها، لكنّها في الوقت نفسه سقطت ميّتةً، ونجا الصغار.

حسن خليل 07-10-06 07:06 PM

القصة التاسعة والخمسون

أضمومة ورد


بينما كان المعلّم العجوز الذي أُحيل إلى التقاعد منذ سنين طويلة جالساً وحيداً حزيناً يفكّر في رحلة العمر التي قضاها في سلك التعليم، حيث أعطى خلالها جهده وشبابه ونور عينه لتنشئة الأجيال وتعليمهم، طُرق بابُ داره... هتف من الداخل بصوت ضعيف:

- من؟

- نحن أستاذ.

فتح الباب، وإذا به وجهاً لوجه أمام عدد من الرجال يلقون التحية واحداً واحداً.
قال:

- من أنتم؟.. تفضّلوا

أجاب أحدهم:

- نحن جماعة من تلاميذك القدامى، تذكرناك في هذا اليوم "يوم المعلم العربي"، وجئنا نتفقّد أحوالك، لما لك علينا من فضل كبير.

ابتسم العجوز. رحّب بضيوفه، بينما دمعتان سخيّتان تترقرقان في عينيه.
عرّف الرجالُ بأنفسهم ومهنهم الحالية..

قال الأول:

- أنا محمّد... أعمل طبيب أسنان.

قال الثاني:

- أنا توفيق... أعمل مهندساً

قال الثالث:

- أنا جميل... أعمل تاجراً.

قال الرابع:

- أنا سعيد... أعمل موظّفاً في إحدى الشركات.

انفرجت أسارير المعلّم، وأحسّ أن الدنيا تضحك له من جديد، لأن ما قدّمه لم يضع سدى.

أخذ من بين يدي تلاميذه أضمومة الورد التي أحضروها، فرأى الفل والقرنفل والياسمين والزنابق، كأنّها تغني وتقول:

"كل عام وأنت بخير يا مربيّ الأجيال".


الساعة الآن 01:18 PM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. , Designed & TranZ By Almuhajir