منتديات قصيمي نت - ضرورة تغيير مهام ووظائف الشرطة من حراسية الى خدمية

تحذير :

هذا الموضوع من النوع الدسم لا يصلح لآكلة الساندوتش ...

لم أتوقع ولا أظن أكثر المتفائلين كانوا يتوقعون ان يصدر - بهذه السرعة - قرار وزارة الداخلية القاضي بتعميم أسلوب الشرطة المجتمعية على مختلف أحياء مناطق ومحافظات المملكة .. فهذا الاسلوب يعد أسلوباً حديثاً أو هو بالأحرى جديد على منطقتنا العربية عدى الجزائر فهي الاستثناء في هذا رغم تلك التجربة المتواضعة التي لم يكتب لها النجاح..
على أية حال فان مما لاشك فيه ان المسئولين بوزارة الداخلية أدركوا بحسهم الأمني ان الأجهزة الأمنية مهما بلغت قدرتها وإمكاناتها، لايمكن تحقيق استراتيجياتها دون تعاون المواطن وإشراكه في معادلة تحقيق الأمن ، وبان من أفضل الأساليب لتحقيق ذلك هو بناء علاقة وطيدة بين أفراد المجتمع والأجهزة الأمنية من خلال اعتماد أسلوب الشرطة المجتمعية فالتطورات الأمنية والتغيرات الاجتماعية التي شهدها ولازال يشهدها المجتمع السعودي حقيقة تفرض ضرورة التفاعل الايجابي بين كافة الأجهزة الأمنية وبينها وبين الجمهور الذي تقوم هذه الأجهزة على خدمته للحد من تفاقم معدلات الجريمة في هذا المجتمع .
فالحاجة إلى إحداث هذا التغيير في مهام ووظائف الشرطة كان أمرا حتميا لمواكبة تلك التطورات وحفظ الأمن والاستقرار في المجتمع من خلال إشراك المواطن في هذه المسؤولية .. وعلى رأي الباحث الأمريكي العجوز سليط اللسان موللر دائما يتهكم على النظريين - العلماء الغير تطبيقيين – بوصفه لهم تارة بعلماء مكاتب وتارة بباحثي القراطيس ، أما هو فجاوز التسعين من العمر ولازال هو وزوجته الله لايضرهم يجريان البحوث الميدانية ، ماعلينا ، المهم هو معرفة ما يقوله هذا (الموللر) في إطار ضرورة تغيير مهام ووظائف الشرطة..فماذا كان يقول ؟
باختصار شديد ..كان يقول : لو تتبعنا تطور مهام وواجبات وأعمال الشرطة عبر العالم منذ حوالى 3500سنة قبل الميلاد أي منذ ظهور أول شرطة عرفتها البشرية وذلك في منطقة وادي الرافدين وإلى القرن الواحد والعشرين لوجدنا ان مهام الشرطة لم تتطور كثيرا ، بينما نجد في المقابل المجتمعات ذاتها قد تطورت بسرعة ؛ فمن المجتمعات الرعوية إلى المجتمعات الزراعية إلى المجتمعات الصناعية إلى المجتمعات الخدماتية او مجتمع مابعد الصناعة إلى المجتمعات الاستهلاكية مجتمع الرفاه . على فكره مجتمعاتنا العربية خليط من كل ذلك !!!!!
إذن وبحسب (مولر) فان مهام ووظائف الشرطة لم تستطع مواكبة التطورات الجوهرية التي حدثت في المجتمعات البشرية عبر العصور فالوظيفة الرئيسة للشرطة لاتزال هي هي منذ آلاف السنين وهي تتمثل في الوظيفة الحراسية ..
ومن هنا فان (مولر) طالب بضرورة تغيير مهام ووظائف الشرطة بحيث تكون من مهام الشرطة التدخل الوقائي ، وهذا يكون من خلال إحداث مايسمى بـ"الشرطة المجتمعية" أو حسب التسمية الأمريكية لها "الشرطة الموجهة لحل المشكلات " وبوجوب ان تشمل مهام هذه الشرطة محاولة حل النزاعات الاجتماعية قبل استفحالهاوبروزها على السطح،والتفاعل مع المواطنين وسكان الأحياء من خلال محاولة معرفة مشاكلهم وهمومهم ومحاولة مساعدتهم على حلها حتى لاتتطور إلى نزاعات وأفعال إجرامية .. كانت هذه باختصار شديد من أخيكم زايد الشوق أهم ألأفكار التي كان يطالب (مولر) بتطبيقها - وكم كان (مولر) محقا في هذا الأمر وكم من المرات كتب أخيكم زايد الشوق منبها إلى ضرورة تكوين شرطة مجتمعية إلى ان أصابني اليأس وكان أخر موضوع كتبته قبل الإعلان الرسمي عن الشرطة المجتمعية منذو حوالى أربع سنوات الأمر الذي جعلني من اكثر الناس فرحة وسعادة عند إعلان وزارة الداخلية عن نظام الشرطة المجتمعية ولـكن ... ومـا أدراك مـابعـد لكـن ...
بقدر ما سعدت كغيري بذلك القرار بقدر ما حزنت وأنا اسمع بان هناك دراسة لتخصيص مكافئات مادية للمتعاونين !!! هنا توقفت كثيراً وحزنت أكثر .. ويا فرحة ماتمت .. من أولتها مكافئات للمتعاونين " عجبا " طيب سموهم شيء أخر غير المتعاونين هذي تفوح منها رائحـة "وصمة stigma " وللفائدة ؛ فالكلمة "stigma " فرنسـية ذاع صيتها بعد ان استخدمها طيب الذكر القاضي الفرنسي (ليميرت) في نظريته " الوصم الاجتماعي" وعلى غير مايعتقد الكثيرين وحتى بعض المختصين هي ليست اجتماعية بل ذات أصول " استخباراتية " وتـعني النقطة السوداء في الصفحة البيضاء ، ومن أراد الاستزادة والاستفادة فعليه الذهاب إلى اقرب مكتب لمكافحة المخدرات في السعودية وليس في فرنسا .
على أية حال ، تلك السعادة المفاجئة التي غمرت البعض - وأخيكم واحد من اؤلئك البعض الذين أسعدهم الإعلان عن إقرار وإصدار نظام الشرطة المجتمعية..أقول تلك السعادة ياللخساره لم تدم طويلا .. لكن هكذا دائما عمر السعادة ثواني مالبثت حتى انقلبت إلى حزن ولا تستغربوا حينما أقول انقلبت إلى حزن او مأتم فتلك الدراسـة قد وأدت الفرحـة في مهدها وهذا لايهم كثيراً فالأهم ان هذه الدراسـة في حال تم تطبيقها – لا قدر الله – في حال تطبيقها سوف تأد المولود الجديد في مهده .. وهو ماكنت ولا زلت أخشاه...
إذ أن الشرطة المجتمعية أسلوب يقوم أولا على القناعة من طرف المواطن بأهمية دوره في الحفاظ على الأمن هذه أول خطوة واخطر خطوة فمن خلالها يكون النجاح او يكون فشل العملية برمتها "الوقاية السلبية" ، ويقوم على الثقة بين المواطن ورجل الأمن وهنا تقع المسؤولية بالكامل على رجل الأمن في بناء هذه الثقة وتنمية الحس الأمني لدى المواطن واستشعاره مسؤوليته في حفظ الأمن .. هذا الحس والشعور بالمسؤولية او كسب الثقة لايتأتى إلا من خلال تقرب رجل الأمن وتفاعله اليومي والمباشر مع المواطن في الشارع وفي الحي وفي المسجد والمدرسة وفي المناسبات الاجتماعية... لا من خلال المكافئات المادية للمتعاونين ... وصدقوني فانه متى كان هناك مكافئات مادية فقولوا على أسلوب الشرطة المجتمعية السلام ... بل لا ينبغي تسمية هذا الاسلوب لدينا بالشرطة المجتمعية والأجدر تسميته بالشرطة الاستخباراتية لأنه سوف يكرس النظرة الاستخبارية التي لازال ينظر بها بعض المواطنين للبعض ممن يتعاون مع رجال الأمن حتى وان كان منطلقه في ذلك هو الشعور بالواجب الوطني والإحساس بالمسؤولية تجاه مجتمعه إلا انه مع ذلك يخشى تلك النظرة وتلك الوصمة المتمثلة في نعته بالمتعاون أو الدبوس ..ومعها يفقد ثقة محيطه الاجتماعي و بذلك يصبح متعاون غير مفيد..
فحتى لاتتعثر خطوة الانطلاقة هذه وهي خطوة من الأهمية بمكان ألا تتعثر بل يجب ألا تتعثر .. وحتى لانفقد ثقة المواطن وهي جدا غالية ..
فان علينا الاستفادة من تجارب الآخرين ممن سبقونا في هذا الميدان خصوصا الفرنسيين فالاتجاه الفرنسي يمتاز عن سواه بمبادئه التي يقوم عليها وأهدافه التي يسعى إليها وهو الأنسب للتطبيق في مجتمعنا ، وندع جانبا الاتجاه الأمريكي البراغماتي الهادف قبل كل شي إلى زيادة فعالية الشرطة ورفع كفاءة الأداء لديها بأية وسيلة كانت ، حتى لو كان ذلك عن طريق تجنيد متعاونين..فالغاية هنا تبرر الوسيلة...
كما يجب ان نعي منذو البداية بان الشرطة المجتمعية ذات أهداف ثقافية واجتماعية وإنسانية واقتصادية أكثر من كونها بوليسية ...فهل نستفيد بهذا الأسلوب في التقرب من المواطن الأمن ورفع مستوى الوعي والثقافة الأمنية لدى أفراد مجتمعنا ؟؟ هذا كل ما أتمنى ..وأملي بالله ثم بالقائمين على الأمن تحقيق ذلك ..

همــسة :

في إشارة إلى الاتجاه الفرنسي ، انظر إلى قول احد الباحثين الفرنسيين حيث يقول : " أصبح لدينا الآن مايعرف بـ المواطن الزبون ، ومن ثم فان على أجهزة الشرطة ان تغير من أسلوب تعاملها مع المواطن وذلك بالتقرب منه أكثر ( وتسويق ) ( خدماتها ) له ، مثلها في ذلك مثل أي مرفـق خدمة عمومي آخر ".

دقق جيدا أخي الكريم في تلك العبارات : ( تسويق ، زبون ، خدمات... ) .
إنها باختصار تشير إلى وجود سلعة " خدمة أمنية " ، وطالما لديك سلعة فأنت في حاجة إلى تسويقها ، والتسويق يحتاج إلى مهارة عرض لتغري الزبون حتى لو لم يشتري يتفرج – المهم تغريه على الاقتراب - ، ولان الزبون على حق دائما فلابد ان تكون هذه السلعة "الخدمة" محل رضاه ولن تكون هذه محل رضاه دائما إلا من خلال جودتها الدائمة . بهذا فقط يكسب صاحب السلعة ثقـة الزبون .

خلال الاعلان عن اقرار الشرطة المجتمعية كانت وزيرة الداخلية الفرنسية في زيارة للمملكة ولا أخفيكم بان هذه الزيارة بعثت الأمل في نفس أخيكم بان المسؤلين سوف يأخذو بالاتجاه الفرنسي ...

تقبلوا جميعا ارق وأعذب تحايا أخيكم زايد الشوق إليكم ...