|
صدفة ... ونيف
( ١) لايوجد هنالك شي اسمه " صدفة " بهذه الحياة (٢) حثثت الخطى سريعاً نحو مكان اللقاء فمنذ ان تقاطع طريقي مع طريقه ذات يوم وانا حريص كل الحرص على اللقاء به والحديث معه في موعدنا المحدد من كل أسبوع وان لا افوت على نفسي هذا اللقاء . وجدته جالساً على مقعد في جانب الحديقة ونظره مرفوعة إلى السماء تطارد سحابة تتدحرج في اﻷفق البعيد اقتربت بهدوء وجلست بجانبه ولم اتحدث بشيء خشية ان قاطعه مضت لحظات وهو على هذه الحال وعيناه تتقافز راكضة خلف تلك السحابة فاطلقت العنان لناظري وتركتها تتراكض خلف تلك السحابة كما هو يفعل مضت لحظات أخرى من الزمن . ثم سمعته يلتهم جرعة كبيرة من الهواء ويقذف بها داخل قفصه الصدري التفت الي واﻻبتسامة تعلو محياه كعادته وقال : هل تتوقع أن هذه السحابة تسيرها الصدفة المحضة نحو مستقرها ؟ ، ام انها تتحكم بها قوة الرياح واتجاهاتها والمنخفضات والمرتفعات الجوية ؟ ، وهل الرياح والمنخفضات والمرتفعات الجوية تتحكم بها الصدفة ايضاً ؟ باغتني سؤاله وعلتني الحيرة وأخذت اعصر ذهني بحثاً عن الجواب ، ولاحظ ذلك من انعقاد حاجبي المعلقة على جبيني فقال لي : لا عليك ياصديقي الطيب تجاوز عن هذا السؤال اﻵن .. وصمت فصمت معه . مضت لحظات وانا اقلب اﻻفكار في راسي وانظر إلى طرف حذائي واراقب نملة تجول حوله وتشتمه فخطر في ذهني سؤال وانا اراقبها : ياترى هل تفكر هذه النملة ان تحملني إلى جحرها ؟ قاطعني صوته وهو يتدفق من جديد ويقول : ماذا تتوقع ان يكون أكبر عدو للإنسان ؟. - الخوف ! - امممممم حسناً لو وافقت على اجابتك هل يكون الخوف سبب ام نتيجة ؟ - نتيجة طبعاً - اذا ليس الخوف هو العدو اﻻول فهنالك امر آخر يتقدمه - ما هو اذاً - انه التعلق ياصديقي الطيب الد واشرس اعداء انسان على هذه اﻻرض ! ارتفعت حواجبي المعلقة بجبيني وانا اردد : التعلق كيف ذلك ؟ هل تشرح لي اجابني : نعم انه التعلق مصدر كل شر وبلاء للانسان على وجه هذه البسيطة ، فالتعلق هو الشجرة اﻻم لاي بلاء يصيب الانسان وما ان ينبت ساقها ويشتد ويتجذر داخله حتى تتفرع منه فروع لاتقل في مستوى خطورتها عنه . - وما هي هذه الفروع ؟ - دعني أسألك اولا ماذا تتوقع أن تكون هذه الفروع ؟ - اخذت اهرش جانب راسي وانا افكر ماذا تكون ثم جاوبته : لا أعلم - حسناً عندما يحدث عند انسان تعلق في اي شيء بهذه الحياة فتلقاياً سوف يبرز من جذره فرعين أساسيين وهما موت الضمير والظلم ليكتمل عندها الثالوث المدمر ، فعندما يتعلق انسان باي امر من أمور الحياة المعاشة ( أموال - الجنس اﻻخر - أبناء - عائلة - وجاهة - مناصب - الخ ) ومن أجل أن لايفقد هذا اﻻنسان ما تعلق به فسوف يقاتل من أجل بقائه بحوزته ولو أدى ذلك موت ضميره والذي سوف يؤدي بدوره إلى انتقال للفرع الثاني وهو الظلم ، - ابتداء من نفسه ونهاية بمن يقطن هذا العالم من بشر وشجر وحجر - ، فالإنسان المتعلق هو عبد مملوك لما تعلق به وليس له من الحرية والتي هي ماء الحياة للانسان سوى اسمها وشكلها الظاهري ، ولكنه في الحقيقة فاقد لها ، فمن وقع في فخ التعلق وقبل به مهما كان لونه او طعمه او رائحته فقد حكم على نفسه بالموت ولو بقي قرون على قيد الحياة . - وكأنك تدعو إلى أن نكون دراويش في هذه الحياة يامولانا ؟! انطلفت منه ضحكة مجلجلة واحنى رأسه يتأمل اﻻرض التي أمامه التزمت الصمت وطفقت انا اﻵخر اتأمل أطراف حذائي وابحث عن النملة التي وجدتها ما زالت تدور حول حذائي ، ثم اتخيل نفسي وانا ممدد وملقى على ظهرها وفي أحد قدمي حذائي واﻻخرى عارية بدون حذاء وهي تركض بي سريعاً نحو جحرها . ايقظني صوته من خيالاتي الجامحة مع النمل وهو يقول : هنا يكون المنزلق الخطير ياصديقي الطيب ، فالحياة لم نوجد بها اﻻ لنعمرها ولنقطف ثمار خيراتها الدنيوية وهذا يعني ان نسعى نحو تحقيق اهدافنا واحلامنا لكن بشرط واحد وهو ان يكون هذا اﻻمر دون تعلق بالأهداف واﻻحلام ، فان يبذل الانسان قصارى جهده لتحقيق هدف هو امر محمود جدا بل ومطلوب وقاعدة اساسية لكن الخطورة هي ان ينزلق نحو التعلق بهذا الهدف ويتحول إلى محور وقاعدة ينظر منها إلى كل شيء يحيط به ، فحينها سيكون مجرد عبد لهذا الهدف او الحلم وسوف يولد من رحم هذا التعلق موت الضمير والظلم كما قلت سابقا . - اها اﻵن اتضحت لي الصورة يامولانا ثم نهض من مقعده ونهضت معه وهو يقول : جميل جدا أن اتضحت لك الصورة التي أردت ايصالها ، ولكن هل تتوقع أن يكون لقائي بك اول مرة هو من قبيل الصدفة ؟ فاجأني سؤاله ثم قال لي وهو يلوح بيده مودعاً : فكر بالأمر إلى نلتقي بالأسبوع القادم ... |
رد: صدفة ... ونيف
الأسطر الأخيرة ذكرتني بمقولة للشيخ الطنطاوي رحمة الله عليه
بما معناها يعني لأني لا أتذكّر تفاصيلها جيدًا يقول لا تتعلّق بشيء الكل ذاهب حتى الوطن كل شيء ينتهي إلا علاقتك بربك فهي الدائمة الثابتة فتعلّق بها أتفق تمامًا مع الفكرة على أرض الحياة لا تغرس عليها ما تمتد جذوره فيصعب اقتلاعها نحن لا نظل في نفس المكان ولا بنفس الطموح ولا حتى الأهداف نحن متغيرين لذلك اغرس ما يسهل اقتلاعه حتى تتمكّن من غرسه على أرض أخرى متى لزم الأمر ! عادةً المتعلّقون ومن يصعب عليهم التخلي لايُجيدون قلب الصفحة وتُخيفهم جدًا فكرة تحريك الخطوة ! هذا مالديّ الآن وربما إذا كتب الله لي عودة ومنور يا باشا ^_^ |
رد: صدفة ... ونيف
رحم الله الشيخ الطنطاوي رحمة واسعة جميلة هي أفكاره وطروحاته واسلوبه لاتغرس على أرض الحياة ما يتمتد جذوره فيصعب اقتلاعه.. ما اروعه من مبدأ يقيم عليه اﻻنسان حياته . وصية تكتب بماء الذهب ... ثم اهلا وسهلا بالجميلة الخميلة الميسم النور نورك . طبتِ وطابت ايامك |
رد: صدفة ... ونيف
التعلق طبيعة بشرية كغيرها من الطبائع البشرية لها ميزان محدد إن زاد عن الحد مشكلة، وإن نقص أيضا مشكلة ..
زيادة التعلق = عبودية (كما ذكرت) نقص التعلق = فقدان الرغبة والشغف (أقصد النقص الشديد) لكن عندما يكون التعلق موزون تتوازن الحياة وتسير بشكلها السليم والمطلوب .. .. أما موضوع الصُدف فهو مثير ويدعو للتأمل لكن لا نقول إلا سبحان من قدِّرها .. |
رد: صدفة ... ونيف
اقتباس:
نعم فمبدأ التوازن هو المفتاح بهذه المساءلة وهو صمام اﻻمان التي تقوم عليه الحياة السوية كما تطرقت له مداخلتك الأثرية . :::: اما الحديث عن - الصدفة - فهو يحتاج الى مساحة كبيرة تطوف بها سفن الكلام في كل البحار . انما مختصره باعتقادي ( القابل للخطأ او الصواب ) هو اننا عندما نتأمل بقول الله عز وجل ( انا كل شيء خلقناه بقدر ) يتناقض مع مبدأ الصدف وعالمها الفضافض المستقر بالوعي الجمعي فجميع ما يلتقي بهم اﻻنسان في هذه الحياة من أحدث او أشخاص هم حملة رسائل له وسواء من التقى بهم كان لهم ضرر عليه أو فائدة له ، هم في النهاية يحملون رسائل تؤدي في النهاية إلى نتائج تنعكس بالفائدة عليه وهؤلاء الرسل ( اﻻحداث - ألاشخاص ) انعكاس لما استقر بداخل ذلك اﻻنسان من قناعات " إيجابية او سلبية " فأن كانت القناعات إيجابية فعليه التمسك بها أكثر وان كانت سلبية فعليه استبدالها او سوف تكرر مشاهدتها بحياته . تحية تليق بروحك النبيلة . |
رد: صدفة ... ونيف
حي هالشوف يا وحي القلم ، منور
والله المشهد والمحادثة ،التأمل ، التساؤلات التي جاءت في الحوار مثير للأهتمام والتفكير العمقيق وفيها أكثر من نقطة أو محور ( الصدفة ، التفكير المختلف ، التعلق .. ) لكن هل فعلاً لا يوجد ( صدفة ) بحياتنا ؟ |
رد: صدفة ... ونيف
اقتباس:
مرحبا بالقائد الفذ النبيل طبت وطابت ايامك . ما أجمل الحياة ياصديقي عندما نتأمل اﻻشياء واﻻحداث من حولنا بهدوء وتجرد . هل هنالك صدفة بهذه الحياة ؟ تبقى اﻻسئلة مفتوحة ومشرعة للبحث . شخصيا اعتقد انه ليس هنالك شيء اسمه صدفة فكل شيء يسير وفق تفاعلات كونية وحياتية وانسانية او ضمن قواعد ومبادئ هي اﻻصل وما نسميه الصدفة نتيجة لذلك |
رد: صدفة ... ونيف
تعلموا ايصال الفكرة بإيجاز
لا احد يحب قراءة الأسطر المتعددة حتى ولو كانت يُمدح بها |
رد: صدفة ... ونيف
بخصوص السحاب ... الجواب من الهدي النبوي الشريف .
يسوق ميكائيل السحاب بسوط من خرق وضربه لها هو الرعد , وطرف سوطه يخرج البرق من تأثير الضرب ليسوقها للمكان الذي أمره الله سبحانه وتعالى أن تذهب اليه وينرل الغيث منها بأمر الملك العظيم جل جلاله . بالنسبه للصدف فانا لا اعيرها اي اهتمام واتركها لميعادها ومن ثم اتعامل معها وفق نوعيتها والموقف الذي حصل في الصدفه . |
رد: صدفة ... ونيف
اقتباس:
ومن الجميل أيضا أن نتعلم اننا لسنا محور وقاعدة البشرية ولسنا المنطلق الذي يجب ان ينظرون من خلاله فقط . وان نؤمن اننا مجرد رقم واحد من بشر وصل عددهم ثمانية مليارات على كوكب اﻻرض تتعدد اذواقهم ونظرتهم وطريقة تفكيرهم وتفاعلهم مع الحياة واﻻحداث واﻻشياء . وقد قيل قديماً لولا اختلاف اﻻذواق لبارت السلع . فهون عليك ياصديقي الطيب . طبت وطابت ايامك . |
| الساعة الآن 10:15 AM. |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. , Designed & TranZ By
Almuhajir