أنا ووحدتي .. ؟؟
أنا ووحدتي .. ؟؟ خرس الجرس ، وانقطعت الأرجل ، وكل شغلته مشاغله ، وبقيت وحدي تؤنسني وحدتي ، نصحو وننام معا ، نأكل طعاما دون طعم معا ، نقرأ معا ، نشاهد أخبار الطحن والقتل والظلم والجوع والألم معا ، ندعو الله معا ، ونبكي معا ...حتى عندما أذهب إلى عملي نكون معا . اتصلت بي أختي تدعوني للحضور ، فقد تعرفت على جارة سكنت جوارها مؤخرا وستقوم بزيارتها . اختلقتُ عذرا من هنا وعذرا من هنا أيضا - لأن هناك بعيدة لا طاقة لي للحصول عليها – لكنها أصرت وسترسل السائق ليأخذني . قلت لها : بل أرسليه ليسحبني يا أختي ، فكيف لي أن أخرج للزيارات وأن أجبرني على الحديث والضحك والمجاملات . أجابت : حرام عليك ما تفعلينه يا أختي ! الحياة لا تنتهي بموت أحد ، فهي مستمرة رغما عني وعنك ! قلت : لا أستطيع ، لقد ماتت أمي ، وقبلها بسنوات مات أبي ! هذا يعني أن الشمس ماتت والأقمار ! فأين الراحة بعدهما والقرار ؟ أين الليل والنهار ؟ وأين الربيع الذي تتحدثين عنه والاخضرار ؟ أين الحروف والكلمات ؟ أين المترادفات والمتعاكسات؟ لم يبق في حياتي يا أختي سوى وحدتي وعلامات تعجب واستفهام ! لبست ُمجبرة ، ورسمت خطا بالقلم الأسود داخل عيني ، ولونا زهريا لامعا على شفتي . تأملتـُني في المرآة فراق لي منظري العام ! كم أنا مسكينة ! بعض ألوان على وجهي غيرت مزاجي ؟ غريب ! هل هناك جمال في الحياة بعد وفاة أمي ؟ استقبلتني أختي بحرارة أحسست بدفئها . قالت : أخيرا خرجت وهجرت وحدتك ؟ قلت : لا ، لم أهجرها فهي معي . فظنت أني أمزح ، وقالت : لقد كدت أن أنسى شخصيتك المرحة وضحكتك البريئة وابتسامتك الدافئة . قلت : الضحك سعادة ، وكل ما حولي مرٌّ وبشع . قالت : إنك عنيدة ! لوعشت معي أو مع أخينا بعد وفاة أمنا ، أليس أفضل من بقائك وحدك ؟ حضرت الضيفتان ، جارة أختي ومعها أختها . سلمتُ وجلست ، فإذا بالضيفتين تتهامسان وتنظران إليّ . ارتبكتُ لحظة ، وقبل أن أخوض في أفكار سوداء وأندم على المجيء .. سألتني الجارة : ألست المعلمة إيناس ؟ قلت : نعم ، أنا هي . صرختا معا : غير معقول ! تعجبت وأختي : وما هو غير المعقول ؟ قالت الجارة : ألا تذكريننا يا معلمتنا ؟ لقد درستـِنا في المرحلة الابتدائية ! أنا سارة وهذه أختي نهال ! تأملتهما لحظة ، ثم قلت : نعم .. نعم . لقد تذكرتكما جيدا .. وهل يـُنسى المتميز ؟ قالت نهال : وقد كنت ِالمعلمة الأروع ، ولم ننسكِ أبدا ! أشرقت روحي .. وجرت دماءٌ فـَرِحةٌ في عروقي .. وربما لمعت عيناي كما كانتا تفعلان عندما أفرح كثيرا . طابت الجلسة ، وتحدثنا في ذكريات كثيرة ، ذكـّرتاني بالتمثيل والنشيد والمسابقات ... أخبرتاني أنني سبب في حب إحداهما للغة العربية فكانت دراستها في الجامعة ، والثانية لم تبتعد كثيرا فهي تدرس الإعلام . عدت للبيت ، فوجدته مشرقا ، الأشياء فيه كلها تبتسم ، حتى الطفل الحزين في صورته على الجدار ابتسم ! آه ! أين وحدتي ؟ حتى أنت سعيدة ؟ عاد النبض لحياتي من جديد ، فرأيت الشمس والقمر ، رأيت الخير، رأيت الناس بل استطعت أن أرى داخلهم النقيّ ! ورأيتني أخيرا عروسا تجاوزت الثلاثين ولكنني جميلة ، أمسك بيد زوجي الطيب الوسيم ، وحولنا ابنتاه سارة ونهال ، والصالة ممتلئة بالأحباب ، والزغاريد تصدح من هنا وهناك – نعم ، من هناك أيضا – . أما وحدتي ، فكنت أبحث عنها بين الحين والحين لتعينني على صلاة ودعاء وقراءة وفكرة . |
الساعة الآن 09:33 AM. |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. , Designed & TranZ By
Almuhajir