20-05-06, 07:50 AM
|
|
القصة السابعة عشر
بعنوان: القويقة
حكايات عمتي حكاية شعبية للأطفال
بقلم الكاتب: نزار ب. الزين
كانت جمانة إحدى جواري ملك مملكة سهرورد ، وكانت أثيرته ، يحيطها بعنايته وحبه ؛ وذات يوم أسرَّت له أنها حامل . فرح الملك و وعدها إن أنجبت ذكرا أن يعتقها ويضمها إلى زوجاته ؛ ومن ثم أمر قهرمانته* ألا تسند إليها بعد اليوم أي عمل ، وحتى إشعار آخر . وهكذا قضت شهور حملها محاطة بالرعاية و التدليل إلى أن حان وقت ولادتها .
كانت المفاجأة صاعقة ، عندما إكتشفت الداية أن المولود طائر أنثى من فصيلة الغربان يطلق عليه العامة إسم (القاق) . ما أن رأت النور ، حتى رفرفت بجناحيها ثم طارت إلى أعلى نافذة من نوافذ الغرفة العلوية .
استغرب الحضور هذه الظاهرة العجيبة ثم أطلقوا على جمانة لقب ( أم القويقة ) ، وعندما تنامى خبر ( القويقة ) وأمها إلى مسامع الملك ، غضب غضبا شديدا ، وأمر بإعادة جمانة إلى المطبخ ، لتقوم فيه بوظيفة تقشير البصل و الثوم .
ثم أخذت جواري القصر و سيداته وعبيده وأطفالهم ، يرشقون القويقة بأي شيء يقع في متناول أيديهم في كل مرة يصادفونها، دون يتمكنَّ من إصابتها أحد ، فقد كانت تتنقل بين النوافذ العلوية من إفريز لأخر بمهارة فائقة ، وهي تصيح محتجة : " قاق .. قاق .. "
ولكن في الليل ، كانت تنحول (القويقة) إلى طفلة حلوة تندس في فراش أمها ، فتضمها هذه إلى صدرها حانية وترضعها من لبنها ، وقد آلت على نفسها أن تكتم سرها وأن تحتمل إضطهاد الجميع لها ، خشية أن يظن الآخرون أنها من الجن أو العفاريت ، فيلحقون بهما الأذى .
واستمرت (القويقة) في سلوكها هذا ، تتحول إلى طائر في النهار وإلى طفلة رائعة الجمال في فراش أمها في الليل .
وذات يوم ربيعي ، سمعت ( القويقة ) أن بنات القصر سيقمن بنزهة يجمعن خلالها الزهور البرية ونباتات الخبيزة والفطر من بساتين القصر الفسيحة وروابيه ، فقررت (القويقة) أن ترافقهن ، فحملت سلة في منقارها وطارت بها فوق رؤوسهن، ثم إختفت ، و كم كانت مفاجأتهن كبيرة عندما شاهدنها وقد ملأت سلتها بالخبيزة والفطر قبلهن ، ثم وهي تسبقهن نحو القصر ، فدخلت إلى حيث أمها تقشر الثوم والبصل ، فهبطت بسلتها فوضعتها بين يديها ، ثم إنطلقت طائرة إلى اقرب نافذة علوية .
وعندما قدم الصيف ، قررت فتيات القصر أن يذهبن إلى بحيرة قريبة ضمن أسوار القصر ليقضين يومهن هناك .
وبينما كن يلعبن و يتراشقن بالماء وتسبح منهن من تجيد السباحة ، لحقتهن (القويقة) ثم وقفت في أعلى شجرة جوز وأخذت تشاهدهن وتراقب لعبهن ، وتبحث في الوقت ذاته عن ركن يمكنها أن تسبح فيه وهي متوارية عن أنظارهن .
وما لبثت أن عثرت على المكان المناسب في طرف البحيرة، تظلله أشجار الصفصاف وقد أمتدت أغصانها فوق سطح البحيرة .
طارت إليه في الحال ، وابتدأت تخلع ثوب الطائر الأسود الذي كانته ، لتخرج منه ( صبية لبية تقول للقمر غيب لأجلس مكانك قاضي ومفتي ونقيب )* ثم إبتدأت تغطس في الماء البارد المنعش و تعبث به وهي في غاية النشوة والحبور.
تصادف أن مر صفي الدين إبن وزير الملك الأول قرب البحيرة أثناء عودته من رحلة صيد و قنص ، فشاهدها وهو في غاية الذهول وهي تنض عنها ثوبها لتتحول من طائر إلى فتاة رائعة الجمال ، فاختطف الثوب وخبأه ، فغطست (القويقة) في الماء فلم يعد يظهر منها غير رأسها ، وأخذت ترجوه أن يستر عليها ويعيد إليها الثوب .
أجابها جادا : " لن أعيده إليك ، قبل أن تخبريني ، هل أنت أنسية أم جنية " فأقسمت له أنها إنسية بنت أنسي وأنسية ، و أن ما شاهده منها إن هو إلا قدرة إلهية لا يعلم سرها إلا الله وحده .
رمى إليها بعبائته قائلا : " اما ثوب الطائر الأسود فلن ترتديه بعد اليوم ، لأنك سوف تصبحين زوجتي على سنة الله ورسوله ، ثم أردفها خلفه فوق حصانه و مضى بها إلى حيث سلمها لوالدتها .
حدَّث صفي الدين والدته بشأنها و أنه قد وقع في حبها و غرامها ، التي نقلت خبرها لزوجها وزير المملكة الأول ، الذي أخبر الملك – بدوره – في شأنها ، ثم شاع الخبر في القصر والكل في غاية الدهشة و التعجب بين مصدق ومكذب .
وفي اليوم التالي استدعى الملك جمانة التي أقسمت له أغلظ الأيمان بأنها لم تعاشر من الرجال غيره ، لا من الإنس ولما من الجن ، وأن ( القويقة ) هي إبنته ، وأن ما جرى لا تستطيع تفسيره إلا بأنه من قدرة الله .
تعرف الملك – من ثم - على ( القويقة ) فضمها إلى صدره وهو يناديها بأعذب عبارات الحب والحنان ، فبكت من شدة الفرح وأبكت كل من حولهما ؛ ثم أعلن للجميع أن اسم إبنته أصبح منذ الساعة شمس الشموس ، وحذر من يناديها بالقويقة بعد اليوم بأوخم العواقب، ثم أعلن للملأ إعتاق جاريته جمانة ، وطلب من مفتي الديار عقد قرانه عليها ، لتصبح واحدة من زوجاته ، حرة كريمة ، وأقربهن إلى قلبه . ثم تقدم الوزيرالأول لخطبة شمس الشموس من أبيها الملك لإبنه صفي الدين ، فوافق في الحال .
وعمت الأفراح و الليالي الملاح ، وارتفعت الأعلام وإنتصبت الزينات ، وقُرعت الطبول وصدحت المزامير ، وأقيمت حلقات الدبكة والزار ، في كل أرجاء المملكة ، وأعلن المنادي لسكان العاصمة ألا يأكل أحد أو يشرب إلا في قصر الملك ، سبعة أيام بلياليها ؛ زُفت في نهايتها شمس الشموس لعريسها صفي الدين .
(وتوتة توتة خلصت الحدوته )*
----------------------------
*قهرمانة : رئيسة الجواري
*صبية لبية تقول للقمر غيب لأجلس مكانك قاضي و مفتي و نقيب : تعبير عامي شائع يستخدم لوصف الفتيات رائعات الجمال
*(و توتة توتة خلصت الحدوته) : تعبير شعبي يقال عند إنتهاء الحكاية .
التوقيع
|
تتقدم إدارة المنتدى بالشكر الجزيل
للمراقب والأديب/ حسن خليل ، على
جهوده الكبيرة في الرقي بالأقسام الأدبية
من خلال النقد ووضع المسابقات والحوافز
لجعل أقسامة متميزة كما هو ، سيما في
نجاح مسابقة " المقالة الأدبية " .
8/1/2012م
الأدارة .
يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ
|
|