▪ كنا نقول من قبل عندما تُسدِل الستار على نافذة
منزلك لتستر حرماتك أو خصوصيتك لا تنسى ان
تفعل ذلك أيضا مع جوالك الذي أضحى نافذة عليك
وعلى العالم.
لكن اليوم مع تعدد الشاشات الحديثة
والذكية المرتبطة بالشبكة العنكبوتية عن طريق
الكرت الرابط بالشبكة (Network card) والويفي
Wi-Fi، نقول كن أكثر استتارا، واسدل الستارة أيضا
على شاشة تلفزيونك ومايكرفونه.
▪ يذكرني هذا الوضع بطرفة كان قد حكاها لي منذ
سنوات طويلة أخ من الجزائر وهي معروفة ربما في
أكثر من بلد, يقول فيها: أن معلمة في فصل خاص
بالنساء لمحو الأمية في احدى القرى، كتبت على
السبورة جملة: دخل عمر وخرج عمر. فكلما رددت
الجملة الأولى: دخل عمر تلثمن النساء واحتشمن
أكثر، ظنا منهن أنها تنبهن بدخول رجل غريب عليهن،
وكلما قالت: خرج عمر، خففن من اللثام ظنا منهن
أنه تنبيه آخر بخروج السيد عمر!
أما الدرس من ذكر هذه الطرفة المعبرة عن حب
امهاتنا للاحتشام فهو أن السيد "عمر" او بالأحرى
شبيهه اضحى اليوم يجلس متربعا في كثير من
صالات بيوتنا متمثلا في الأجهزة الحديثة المرتبطة
بالشبكة العنكبوتية. فالتلفزيون مثلا لم يعد ذلك
الذي نقتصر نحن بالنظر إليه فقط، بل صارت له
أيضا عيون ينظر بها إلينا.
▪ صحيح انه قد تعددت الخدمات المميزة التي
تسهل الاتصال والوصول إلى الأشخاص
والمعلومات والبضائع التي نريدها أو
نحتاجها بسهولة.
لكن هذا سهل أيضا على غيرنا للوصول إلى
خصوصيتنا مهددا امننا الشخصي
والعائلي والمادي.
▫ مثل كل شيئ جديد لا نعرفه يبث في الأول فينا
شيئا من الخوف ثم ما يلبث أن يتلاشى بعد
ذلك بالتعود عليه.
لكن لا بد من اتخاذ تدابير احترازية ووقائية حتى
نخفف من درجة سلبياته ونرفع من درجة
ايجابياته. مثل:
معرفة ما إذا كان تلفازنا يحتوي على كاميرات
مخفية ومكانها للتعامل معها، وفصل التيار
الكهربائي عن الجهاز تماما في حالة عدم
استخدامه، وعدم تركه على "استاند باي"،
والاحتشام عند تواجدنا في الغرفة التي يتواجد
فيها الجهاز، وعدم ترك الاطفال وحدهم في
المنزل يشاهدون التلفاز حفاظاً على أمنهم
وأخلاقهم وأمن المنزل، وايضا فصل خدمة "ا
لانترنت" عن التلفزيون عند عدم الحاجة إليها.
▪ اليوم نعلم جيدا انه ليس هناك خدمات مجانية
تقدم دون مقابل في عالم مادي لا يؤمن الا بالربح،
والربح السريع فقط. وان الاعلانات عن خدمات
مجانية تعتمد على عبارات فضفاضة ما نلبث أن
نكتشف حقيقتها عندما نقرأ شروط التعاقد للحصول
على الخدمة جيداً وبعناية.
▫ صحيح أنه ليس هناك ما نخفيه بشأن الامن العام
عند توجسنا من مثل هذه الأجهزة الحديثة لكن يحق
لنا أيضا أن نخفي خصوصيتنا لأنها لا تخص غيرنا
وهكذا يجب أن تظل والا ما فائدة الجدران والستائر
التي نحتمي بها إن لم تعد تؤدي غرض الحماية
والستر بشكل كامل.
▫ لم يعد هناك فرق كبير فيما يتعلق بأمن المعلومات
(Information security)
بين الذي يدفع ومن لا يدفع مقابل خدمه بعض البرامج
مثل "الاسكايب" على سبيل المثال لا الحصر. لان
اختراق معلوماتهما الخاصة سيحصل عليه، رضيا ام
لم يرضيا. فالاول الذي يدفع ويطمئن لشراءه تكون
خسارته مضاعفة من الذي يحصل على الخدمة مقابل
"بيعه" خصوصيته فقط وبرضاه.
لكن الذي يدفع مقابل الخدمة يمكنه في بعض البلاد
أن يرفع دعوة على الشركة إذا ما أثبت أن معلوماته
تسربت لطرف ثالث دون رضاه، وهذا ليس سهلا لأن
الكثير من الشركات في بعض الدول تتحايل وتتعاون
مع بعض المخابرات الدولية تحت الاغراء أو التهديد.
وقد فضح السيد "سنودن" الخبير بأمن المعلومات ما
يدور خلف الكواليس فيما يتعلق بهذا الشأن. علما ان
هذا الرجل الشجاع ضحى من اجل الجميع بعمله
وموطنه وأهله، فهو يعيش مطاردا لا يستطيع التنقل
بحرية في اي بلد آخر من منفاه في روسيا ومنذ سنوات.
▪ مثال آخر فيما يتعلق بمجال أمن المعلومات: تعودنا من
شركة "واتس آب" أن تُعلمنا أو تخبرنا بشكل منتظم أن
معلوماتنا التي نحَمِلها على برنامجها عند استخدامنا لتلك
الوسيلة "المجانيه" من أجل التواصل مع غيرنا انها
"مشفرة" وآمنة، لكن في نفس الوقت تقدم لنا خدمة
حفظ تلك المعلومات في خزان "جوجل" (buck up)
وبعدها تقول انها ليست مسؤولة عن أي تسرب لجهة
ثالثة لأن جوجل لا يضمن لنا ذلك. السؤال الذي يطرح
نفسه هنا هو: هل هذه الثغرة تم تدشينها بشكل متعمد؟
وما هو وجه التعاون بين الشركتين في هذا المجال
وقدره المادي؟ ولماذا لا تقدم شركة "واتس آب" خدمة
حفظ المعلومات ضمن خدمتها المشفرة حتى تضمن
سرية معلومات العميل كليا؟
علما أن كلتا الشركتين "فيسبوك" المالكة "لواتس آب"
وجوجل المالكة ل "اليوتوب"" ثبت تفريطهما بمعلومات
زبائنهما لطرف ثالث مقابل مصالح مادية أو غيرها.
▪ أما النقطة التي لا نلقي لها بالا عند تعاقدنا مع تلك
الشركات أن نصوص شروط حصول الخدمة غالباً ما تكون
كثيرة جدا وبعضها مكتوب بخط صغير يصعب قراءته دون
الاستعانه بعدسات مكبره.
والشروط تتضمن أنك كعميل او زبون توافق على انتهاك
خصوصيتك وبيعها (طبعا بلغة تجارية راقية) للشركة حتى
تفعل بها ما تشاء. وهذا يعني ما دمت انك وافقت على
تلك الشروط وغالبا ما يوافق عليها أغلب الناس دون
قراءتها كاملة، فإنه لايحق لك ان تقاضي تلك الشركة
أمام المحاكم بحجة تسرب معلوماتك لطرف ثالث سواء
كانت المخابرات أو الشركات التجارية التي تدفع لشركة
الاتصالات مقابل الاعلان فيها عن بضاعتها.
▪ لذلك يقول بعض المختصين في أمن المعلومات أن
"جوجل" يعرف عنا أكثر مما يعرفه اقرب الأشخاص إلينا.
لأنه لو بحث أحدنا مثلا عن اسباب تساقط الشعر في
محرك البحث فإنه يرجح السيد "جوجل" أن العميل قد
يعاني من بعض الصلع! فتجد الشركات المختصة تقدم
له اعلانات عن كريمات تحارب تساقط الشعر أو
تساعد على نموه. فيستغرب العميل من اين علمت
تلك الشركات عن اشياء قد لا يعرفها اقرب اهل بيتي مثلا.
الجواب بسيط لأن "جوجل" أو "فيسبوك" أو غيرهما من
المواقع التي اعطاها التوكيل طوعا لاستباحة خصوصيته،
قد باعت المعلومة لتلك الشركات.
فلا يستغرب ايضا إن علمت بعض شركات الاعلانات وجهة
سفره مسبقاً فقدمت له خدمة التذاكر أو استئجار
السيارات او الفندق وغيرها.
▫ أنها خدمات مميزة لكن كانت مقابل التفريط بالخصوصية
في واقع يحاولون جعله مكشوفا دون ستائر أو حماية.
▪ أما في ما يتعلق بحقيقة الكاميرات المخفية في بعض
التلفزيونان الحديثة فهذا موضوع يطول شرحه لذلك
احيلكم للرابط المرفق.
..............
راجي