حزم أمتعته وأستعد للرحيل،،،وهو يتمنى في قرار نفسه أن لايعود إلى هذا البيت أبدا،،،وإذا قدر ان جاء يوما سوف يأتي لأجل اخته التي تحبه،،،وقد كان يخشى حقا أن تعلمها والدتهاالحقد والبغض،،،وتمسي مثلها تكرهه،،،،لكن سرعان مايتبدد خوفه بمجرد أن يستحضر شخصيتها التي تتسم بميزات خاصة،،،فياسمين بالرغم أنها لم تتجاوز الثامنة ،فإنها تتميز بذكاء حاد،،،وترى الأمور كما يراه الكبار،،،وهي تعرف ان والدتها تكرهه،،،واكيد انها حرضتها على أن تكرهه،،،لكنه لم تنصاع الى تحريضها،،،واليوم لما رأته يحزم امتعته أغرورقت عيناها بالدموع وقالت له بنبرة حزينة وهي تمسك بمعصم يده:
ـ إلى أين ستذهب ياأخي وتتركنا؟!
نظر اليها ،،،وقال وقد صنع ابتسامة في وجهه:
ـ لقد أخبرتك أني أنتقلت إلى الجامعة،،،،وهذا يحتم علي الرحيل،،،
قالت له متسائلة ،وبنفس نبرتها الحزينة،
ـ الجامعة ليست بعيدة عن البيت،،،،فلماذا أخترت أن تدرس في جامعة بعيدة؟؟!
أخد يربت على راسها وهو يقول:
ـ هذا ليس إختياري ياسمين
ـ بل إختيارك لانك تريد ان ترحل عن البيت،،،،
كان يتوقع ان تعرف كل شيء،،،لكنه لم يكن يتوقع ان تقول مثل هذا الكلام،،،فلقد عرفت أنه أختار الرحيل للهروب من مشاكل البيت،،،،عرفت أن أخاها لم يعد يتحمل المزيد،،،فلم يجد بدا من مغادرة البيت،،،هو يعرف أنها لاتقدر على فراقه،،،وهذا مايؤلمه وهو يستعد لمغادرة البيت،،،،ضم اخته إلى صدره،،،خرجت الدموع من عينيه رغما عنه،،،وهو يقول:
ـ لن أنساك،،،سوف آتي بين الفنية والاخرى لاجلك،،،فليست لدي أخت سواك،،،وليس لك أخ سوايا،،،
==========================================
لم تمر شهور عن رحيله عن البيت حتى وصله خبر ،،كان وقعه على نفسه كالصاعقة،،،،لقد غادرت الاسرة المنزل دون رجعة ،،وحطت الرحيل في الديار الفرنسية،،،،كانيخشى أن لايرى اخته إلى الأبد،،،وهذا ماكان يؤرق مضجعه،،،لكن سرعان ماأحس بشيء من الإرتياح عندما وصلته رسالة من الوالد،،،،مهما كان فإنه الأب،،،وعاطفة الأبوة لايمكن أن تضمحل بشكل نهائي،،،
إبني العزيز أيوب:
قبل ان تلفظ امك انفاسها لاخيرة اوصتني بك خيرا،،،،وطلبت من أن أعتني بك ،وأوفر لك الرعاية الكاملة،،،،لكن مع الأسف لم اعمل بوصية والدتك ،،،،حيث عاملتك معاملة قاسية،،،،كان كل شيء خارج عن إرادتي،،،،لكن قسوتي عليك أتت أكلها،،،،فقد اصبحت رجلا،،،بل انك عرفت معنى المسؤولية فأنت في سن مبكرة،،،
لاأريد أن أبرر معاملتي القاسية لك يابني،،ولكن ثق بي فأنا احبك لانك ابني الوحيد،،،،وقد عرفت معنى هذ الحب عندما غادرت المنزل،،،وقد تفاقمت هذه العاطفة الأبوية الجياشة عندما ابتعدت عنك كثير،،،وأختك المسكينةلاتطيق قد اشتاقت اليك لدرجة لاتتصورها،،،،وهي لاتنفك تبكي ... ،،،،حتى زوجتي فلم تصبح تلك المرأة التي كنت تعرفها،،،فقد ندمت عن كل ماأقترفته في حقك،،،،لاتتصور بني التغير الذي حصل في أسرتك،،،لقد اشتقنا اليك كثيرا،،،،ونحن ننتظر العطلةالصيفية بفارغ الصبر،،،
كان لرسالة والده وقعا خاصا عليه،،،ودون ان يشعر بدات دموعه تنهمر ،،،وأجهش بالبكاء،،،أختلطت عليه الأمور،،،حتى أنه لم يعرف السبب الذي جعله يبكي كما لو انه طفل صغير،،،ربما تذكر والدته،،،لانه لايستطيع ان ينساها،،،بل لايمكن أن ينسى الماضي،،،فهو بالنسبة اليه كالجرح الغائر الذي لايندمل،،،،وزوجة والده كانت فيما مضى تزيد من حزنه بسبب تصرفاتها،،،،فكان طبيعي أن لاتغيب صورة والده عن مخيلته،،،فلماذا ياترى هيمنت عليه صورة والدته في هذه اللحظة ؟؟لايدري هو شعور في غياهب ذاته،ويستحيل عليه رصده،ومعرفة ماهيته،،،،ومهما يكن فأنه أسير ماضيه،،،،ولايستطيع أن ينفلت من هذا الأسر،،،
++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++ ++++
مرت السنوات بسرعة،،،
كان أيوب خلالها يزور أسرته في فرنسا بين الفنيةوالأخرى،،،لم يرق له العيش هنالك،،،أو ربمالم يرقه ان يمكث بصفة دائمة مع أسرته مخافة أن تعود الأمور كما كانت في الماضي،،،،
كان في كل مرة يأتي يكتشف أن اخته تدنو من الحياة الفرنسية رويدا رويدا،،،،لكنه كله تغيير في المظهر ،،،فلازلت ياسمين تلك الفتاة الذكية،المفعمة بالأحاسيس،،،لازلت أخلاقها كما كانت،،،لم يتغير فيها شيئا،،،بالرغم من انها تحب كل ماهو غربي،،،من الموسيقى وطريقة اللباس،،،وفي طريقة المعاملة،،،حتى كلامها،،،،لكنها عندما تكلم أخاها تنزع عنها تلك الشخصية المهووسة بالغرب،،،فيحس أن من يخاطبه هي ياسمين تلك
الطفلةالصغيرة،،،،لكنه يريدها أن تكون ياسمين في مظهرها أيضا،،،،يريد ان تلبس ملابسا تليق بها كبنت،،،،فلو تربت على يد أمه فحتما ستكون عفيفة في أخلاقها ومظهرها حتى ولو كانت تعيش في بلد أكثر تفتحا من فرنسا،،،لكنه في المقابل لاينكر أن ياسمين تتسم بأخلاق لاتوجد عند كثير من البنات المحجبات،،،،والحقيقة ان ماكان يؤرقه حقا هو صحبة السوء،،،،فأخته على صلة ببنات فرنسيات غير مباليات،،،،ويخشى ان يكون لهن ثأتير عليها،،،،ولذلك اراد ان يخوض معها الحديث في هذا الموضوع،،،لعله ينجح في اقناعه بالإبتعاد من اولئك،،،،بل ويحثها ايضا على التحسين من مظهرها،،،،
وكانت الفرصة سانحة في احدى الايام ليحدثها في هذا الامر ،،،،حيث قال لها:
ـ ياسمين أريد ان أتحدث معك في موضوع ،،،لكن أرجوك لاتغضبي من أخيك،،،
قالت وهي تضحك:
ـ لن اغضب منك ،،ولن أغضب منك ،،،فأنا افضلك على أخي الصغيربالرغم من هذا الأخير يستحق مني حبا خاصا،،،لأنه الاخ الأصغر،،،واخ من أبي وأمي،،،،
حرك أيوب شفتيه بإمتعاض،،،وكأنه يحتج على ماقالت أخته ،،،قبل أن تتابع ياسمين كلامها قائلة:
ـ لكن كما قلت لك فأنت عزيز على قلبي،وكلامك لايغضبني في كل الأحوال،،،
أعتدل أيوب في جلسته،نظر إلى لباس اخته،،،لم يكن لباسا محتشما ،،،أمعن النظر في وجهها ،،،قراريط في أنفها ولسانها،،،،رموش اصطناعية تتدلى من عينيها،،،،افراط في تحليق شعرها،،،واعطائه شكلا غريبا،،،،
قال وهو ينظر إليها:
ـ الم يحن الوقت لتغيير مظهرك،،،،أنا أعرف أن هذه مجرد مظهر لايعكس أبدا شخصيتك،،،لكن الناس تحكم من المظاهر،،،،قد يعتقدون ان اخلاقك سيئة،،،،وانت في الواقع لست كذلك،،،،فأنا أخاك واعرفك،،،،
ـ لن اجيبك عن السؤال ،،،،سأعطيك شيئا ربما تجد فيه الإجابة،،،،
نضهت مسرعة إلى غرفتها ،،،،وجاءت تحمل معها كتابا،،،،أعطته اياه وهي تقول:
ـ هنا ستجد الإحابة،،،
تناول منها الكتاب وقال متسائلا بنبرة دهشة:
ـ ماهذا ياسمين؟!!
قالت:
ـ كتاب مذكراتي،،،،لايمر يوم دون أن ادون فيه شيء،،،عندما ستقرأه ستتوضح لك الامور،،،،وستجد أجوبة لأسئلتك الكثيرة،،،،
صمتت قليلا ثم قالت وهي تمزح،
ـ سيبقى عندك الكتاب حتى مساء الغد،،،وسآخده لأني أريد ان ادون فيه المزيد من الملاحظات،،،
نظر اليها محاولا أن يصنع ابتسامة في وجهه وقال:
ـ لكن هذا لايبرر ارتدائك هذا اللباس ،ومرافقة بنات السوء،،،
================================================== ===