25-11-10, 10:14 AM
|
|
عيلة الأستاذ .. ؟؟
عيلة الأستاذ .. ؟؟
رواية
- 1 -
سميرة شَعَرَسمير بالظلم للمرة الأولى يوم أن حل في الأسرة ضيف جديد . يذكر تماما المناخ الذي ساد يوم الولادة ، يذكر نشاط أبيه المحموم . إندفاعه إلى الخارج لإحضار ( الداية )* و من ثم استدعاء الأقارب ، و يذكر نشاط أم محمد غير المعتاد ذاهبة آتية بين المطبخ و الصوفا* و غرف المنزل الأخرى . يذكر الضجيج و التوتر السائد ، و استغاثات أمه التي تصاعد تواترها و تسارع ، ذلك الصراخ الذي أفقده اتزانه فوقف في زاوية الغرفة حائرا مرتبكا ، ثم مذهولا فزعا ، ثم ما لبث أن شارك أمه صيحات استغاثتها ، و يذكر كيف أن خالته فخر النساء تنبهت فصحبته إلى ( العلّية )* حيث بقيت إلى جواره تلاطفه و تهدئه إلى أن نام .
في اليوم التالي كان المنزل غاصا بالنساء من جميع الأعمار و أقارب لا يدري تسلسل قرابتهن ، اندمجت بعضهن في ثرثرة لا نهاية لها بينما انشغلت أخريات بشؤون أطفالهن ، هذه ترضع و تلك تنهر و ثالثة تنذر و تتوعد ، ضجيج . ..ضجيج . . .ضجيج. . . في كل ركن ضجيج مربك ، أما أمه التي قدمت كل اؤلئك النسوة لشد أزرها و معاونتها لاجتياز الأزمة ، فقد أُهملت تماما فتركوها مستلقية على فراش في ركن الغرفة .
اقترب منها يخامره شعور مزيج من الفضول و الحب و الوجل ، كانت مغمضة العينين و ثمة قطرات من العرق تلمع فوق جبينها الشاحب كما الندى على وريقة عضها الخريف ؛ و لكنها ما أن أحست به إلى جوارها حتى فتحت عينيها المتعبتين ببطء بينما افتر ثغرها عن ابتسامة خفيفة و قالت له حانية :- " اقترب مني يا قرة عيني ، اقترب و الق نظرة على أختك التي طالما انتظرناها معا ، اقترب و انظر إلى سميرة الأميرة ، هيا اقترب و قبلها من خدها و لكن برفق" .
يذكر سمير ذلك الوجه الصغير الصغير لدرجة أنه يصغر ثدي أمه الذي تدلى لإرضاعها ، و يذكر ذلك الجسم الضئيل الضئيل ، و الملتف بإحكام بأقمشة بيضاء أسموها تارة ( الإنداقة)* و تارة (الكوفلية) .
و يذكر أنه بينما كان يتأمل ذلك الكائن الذي أطلقوا عليه اسم ( سميرة ) كان والده قد دخل مبتسما يرد على تهاني الزائرات اللواتي هرعت بعضهن إلى إلقاء خمرهن على رؤوسهن لحظة رؤيته ، كان يبدو جذلا و هو يصافح هذه و يقبل تلك ، و مع أن بعضهن استقبلنه دامعات العيون كمن يواسينه لأن المولودة أنثى ؛ إلا أنه لم يأبه بهن و استمر مندفعا نحو زوجته يبارك لها بما أنجبت و يهنئها بالسلامة ، و إذ تقدم ليطبع قبلة على جبينها صدرت عن بعضهن همهمات خافتة بينما نفرت أخريات إلى الغرف المجاورة استحياء أو استهجانا !.
و يذكر سمير بوضوح لا لبس فيه أنه منذ ذلك الحدث لم يعد مركز الاهتمام كما كان من قبل ، بل أن البعض كان يثقل عليه بمزاح كان أقرب إلى التشفي و الشماتة حين كانوا يوجهون إليه عبارة رسخت في ذاكرته و حفرت في مشاعره أولى أخاديد الإحساس بالظلم : " نزلت (بابوجتك)* عن الرف " . لم يكن يدرك معنى العبارة ذلك الحين إلا أنه كان يشعر بإيحاءاتها المغيظة فيغيظ ، و قد يحتج باكيا أو حردا و نافرا إلى (الروشن)* و قد يندفع هؤلاء الثقلاء وراءه ضاحكين . و إمعانا في تعذيبه كان البعض يتحدث و بحضوره عن مدى غيرته من أخته حتى جعلوه يغار منها حقيقة ، و من ثم دفعوه دفعا إلى درب طويل من العلاقات غير الودية ربطته بها لسنوات .
أحس بالإهمال حتى من قبل أم محمد المربية التي أخذت تبدي تذمرها من طلباته و هي التي لم تكن ترد له طلبا . و السبب ذلك الشيء الملفوف (بالكوفلية) البيضاء و الذي لا يكف عن الصراخ حتى ينتقل من سريره الهزاز إلى يد أمه و منها إلى يد جدته أو يد أم محمد أو إلى يد خالته ثم يد أمه من جديد ، و كأن لا شاغل للجميع غير ذاك الشيء الذي رغم صراخه المزعج ، تعددت أسماؤه و ألقابه الجميلة ؛ و هي مستمرة تصرخ و تصرخ و هو مستغرب جاهل لسبب صراخها ، كاره لهذا الصوت الذي ظل يرن طويلا في أذنيه .
============
*الروشن : شرفة بارزة من المنزل مغطاة بالنوافذ الزجاجية و اتلستائر
*الإنداقة أو الكوفلية : قطعة من القماش الأبيض يُلف بها قدما الرضيع حتى البطن
*البابوجة : الحذاء الخفيف
*الصوفا : غرفة الجلوس
*الداية : القابلة أو المولِّدة * العلية : غرفة عالية كطابق ثاني
التوقيع
|
|
|