العاب اون لاين: العاب بلياردو | العاب سيارات | العاب دراجات | العاب طبخ | العاب تلبيس |العاب بنات |العاب توم وجيري | العاب قص الشعر |
للشكاوي والاستفسار واستعادة الرقم السري لعضوية قديمة مراسلة الإدارة مراسلتنا من هنا |
|
|
|
أدوات الموضوع | التقييم: | انواع عرض الموضوع |
#141
|
||||
|
||||
القصة الرابعة والسبعون: بـــائع الأحــلام
للفئة العمرية من ٧ – ١٢ سنة بقلم موسى نجيب موسى كل صباح يستيقظ " حماده " على صوت عم " حمامة" الذي يأتى كل يوم إلى شارعهم ليحقق لهم أحلامهم مهما كانت كبيرة أو صغيرة . ينهض "حماده" من فراشه مسرعا نحو النافذة المطلة على الشارع ... ينفض عن عينيه لُباب النوم بفركهما بقوة ثم يجلس مستمتعاً برؤية عم " حمامة" ومن حوله أطفال الشارع وأطفال الشوارع المجاورة يشترون منه أحلامهم الخضراء بقروشهم القليلة التي تعينه على شظف الحياة وتحميه هو وأطفاله الصغار من أهوال الدهر ونوائبه. وجوه الأطفال دائما بشوشة وتعلوها مسحة من الفرح العارم كلما حقق عم " حمامة" حلماً من أحلامهم ، الأطفال تستريح كثيراً لعم " حمامة " ويسعدون كثيراً بالوقت الذي يقضونه معه فهو رجل طيب القلب ... نقي السريرة ... ووجهه رائق وملامحه تغرف من لون طمي النيل بغير حساب . يبذل عم " حمامة" قصارى جهده في تحقيق أحلام الأطفال ... في كل مرة يحقق فيها عم "حمامة" حلماً لأحد الأطفال يشعر بسعادة جارفة وفى كل مرة يعدهم بأنه سيحضر لهم المرة القادمة الكثير من المفاجآت ودائماً يفي بوعوده لهم؛ فطوال سنوات طويلة لم يتخلف عم"حمامة" عن الحضور إلى الشارع ليحقق أحلام الأطفال الصغيرة بعرائسه الممتعة التي تحكي لهم الكثير والكثير من الحكايات المشوقة التي تشنف آذانهم الرقيقة فتحكي لهم العرائس الجميلة حكايات ألف ليلة وليلة والشاطر حسن وست الحسن والجمال وأمنا الغولة وعنترة بن شداد والناصر صلاح الدين وانتصاره على الصليبيين وتحرير القدس الشريف تلك الحكاية التي يظل الأطفال يطلبونها من عم"حمامة" ومن عرائسه بمجرد أن تنتهي، فكل طفل من أطفال الشارع يرى نفسه صلاح الدين ويتمنى أن يكون في نفس قوته وشجاعته وبسالته وخاصة "حماده" الذي يظل طول الليل يحلم بأنه يقود الجيوش ليطرد الأعداء من أرض الوطن الطاهرة. يظل "حماده" في مكانه المفضل يطل من النافذة المطلة على الشارع مصوباً ناظريه نحو عم "حمامة" وحكاياته المدهشة ويظل هكذا حتى نهاية النهار ورحيل الشمس التي يرحل معها عم"حمامة" عائداً إلى منزله وأولاده الذين كانوا دائما موضع حسد "حماده" على أبيهم الرائع وحكاياته الجميلة حتى إنه لا ينتبه إلى دعوة أمه المستمرة لتناول الطعام الذي كان لا يتناوله إلا بعد أن يرحل عم "حمامة" عن الشارع. نبت الحلم ذات يوم في قلب "حماده" الصغير وظل الحلم يكبر ويكبر مع الأيام ولكن كلما عزم "حماده" على النزول لكي يحقق "حمامة" حلمه الصغير يتحسس جيبه الخالي من أي نقود ويتراجع عن النزول خوفاً من رفض عم "حمامة" أن يحقق له حلمه الكبير، على الرغم من طيبة قلب عم "حمامة" وأنه لا يحرج أي طفل ولم يفعل هذا الموقف مع أي طفل غيره ولكن خجله وحمرة خدوده البضة حالا بينه وبين النزول إلى عم "حمامة" ليحقق له حلمه وكان يواسى نفسه بأنه من الممكن أن يكون حلمه أكبر من قدرة عم "حمامة" على تحقيقه. في المساء وبعد أن يرحل عم "حمامة" عائداً إلى منزله وإلى أطفاله الصغار ينزل "حماده" إلى الشارع ويجلس مع أصحابه يتبادلون النوادر والحكايات والأحلام التي استطاع عم "حمامة" أن يحققها لهم طيلة النهار فهذا "منصور" ابن عم" حامد البقال كان يحلم بأن يمتلك دراجة فحقق له عم "حمامة" حلمه حين قام هو وعرائسه بتمثيل مسرحية الدراجة وتخيل "منصور" معهم أنه يمتلك دراجة ولقد تحقق الحلم بالفعل عندما نجح "منصور" في اجتياز امتحان الشهادة الابتدائية حيث اشترى له أبوه دراجة صغيرة هدية نجاحه وظل "منصور" يركبها قاطعاً الشارع ذهاباً وإياباً وهو يشدو بصوته الخشن ( بابا جي أمتي ... جي الساعة ستة ... راكب والا ماشى ... راكب بسكلتة...حمرا ولا بيضا... بيضا زي القشدة ... وسعوا له السكة واضربوا له سلام ... دا العساكر ورا والضباط قدام). أوقف "حماده" "منصور" وقال له : - هل حصلت على الدراجة لأنك نجحت في الامتحان أم لأن عم "حمامة" حقق لك الحلم أولاً؟. ضحك "منصور" وقال: عم "حمامة" لا يبيع الدراجات ولا يمتلك حتى ثمنها هو يحقق لك حلمك داخل صندوقه العجيب فقط وليس في الحقيقة. تتعالى الضحكات والصيحات بين الأصحاب الذين يستمرون في سرد النوادر والحكايات والأحلام التي يحققها لهم عم "حمامة" فيتحدث "مقار عاطف" ويقول: أنا كان عندي حلم كبير. رد الجميع في صوت واحد: ما هو ... ما هو حلمك الكبير يا مقار؟!. رد مقار بسرعة وقال: دائما كنت أحلم بأن أمتلك كمبيوتر في البيت فأنا أحب الكمبيوتر حباً كبيراً لأن عليه الكثير والكثير من الألعاب الشيقة والممتعة. سأله "حماده" باندهاش: وهل لا يوجد في الكمبيوتر إلا الألعاب الشيقة والممتعة فقط؟. رد مقار وقال له : لا بل الكمبيوتر مفيد في أشياء كثيرة أسمع أبي وعمي دائما يتحدثان عنها ولكن أنا قلت أسباب حبي للكمبيوتر و... "حماده" مقاطعاً: المهم هل حقق لك عم "حمامة" حلمك الكبير هذا؟. قال مقار في هدوء عجيب : نعم ولكنه طلب مني نقوداً أكثر من النقود التي طلبها من "منصور" لكي يحقق له حلم الدرجة. ولماذا طلب منك يا "مقار" عم "حمامة" نقوداً أكثر مما طلب من "منصور"؟، أليست الأحلام كلها واحدة وسعرها كله واحد؟. رد "مقار" بنفس هدوئه: قال لي عم "حمامة" إنه لكي يحقق حلمي لابد أن يعطى "فرح" النجار هذه النقود الزائدة حتى يصنع له كمبيوتر من الخشب يستخدمه في عرض مسرحية تحقق حلم الكمبيوتر مع عرائسه. قال "حماده" بلهفة: وهل أنت تمتلك الآن كمبيوتر يا "مقار"...؟. قال "مقار" ضاحكاً: لقد قال لك "منصور" منذ قليل إن عم "حمامة" لا يمتلك هذه الأشياء لكي يبيعها لنا لكنه فقط يحقق لنا أحلامنا داخل صندوقه العجيب ومع ذلك فإن بابا "عاطف" وعدني بأنه سوف يشتري لي الكمبيوتر عندما أنجح العام القادم. صاحت "هدى" بعد أن انتهى "مقار" من حكايته قائلة: إنني الوحيدة التي حقق لها عم "حمامة" حلمها على أرض الواقع. صاح الجميع في صوت واحد: كيف؟، كيف يا هدى استطاع عم "حمامة" أن يحقق لك حلمك على أرض الواقع؟. قالت "هدى": لقد كنت أحلم بأن يكون عندي عروسة تفتح عينيها ثم تغلقهما وتقول (بابا – ماما) مثل العروسة التي كانت تمتلكها "ريتا" ابنة زوج أمك يا "حماده" وعندما لم يكن معي النقود التي طلبها عم "حمامة" قال لي لا أقلق فدفع النقود المتبقية من جيبه الخاص واشترى العروسة التي حلمت كثيرا بأن تكون معي حتى لا أتوسل كثيراً لريتا حتى تُلعبني معها وكانت ترفض بشدة وتغيظني بالعروسة التي معها، الآن أنا معي واحدة مثلها بالضبط ولا يوجد أحد أفضل من أحد. قال "حماده" بحزن: أتمنى ألا تكوني قد حزنت يا هدى من موقف ريتا أنت تعلمين أنه بعد وفاة والدي وسيطرة ذلك الغريب على منزلنا وعلى أمي لا أملك أن أصنع معه أو مع أولاده الحاقدين أي شيء. قالت هدى وهي تحاول أن تخفف من وقع الكلام والذكرى على صديقها "حماده": ماذا تقول يا "حماده" أنا لا أكره أحداً ولا أكن إلا كل رحمة ومودة للجميع وبعد ما ذنبك أنت؟. كان "حماده" ينصت بشدة لكلام أصحابه وتزيغ عيناه كلما كانت تدور بينهم سيرة زوج أمه فقد ذاق هو وأمه وإخوته الكثير من العذاب والأهوال على يد هذا الرجل القاسي القلب الغليظ المشاعر... لا يعرف من أين أتاهم؟ ولماذا اصطفاه أبوه المسكين لكي يكون صديقه الصدوق؟ فقد غزل حول أبوه المسكين خيوط شباكه العنكبوتية وسقط أبوه الطيب القلب النقي السريرة في هذا الشرك اللعين الذي نصبه له هذا الرجل حتى أغرقه في الديون وأشياء كثيرة لم يستوعبها عقله الصغير، ومن فرط ما أصاب أباه من ألاعيب هذا الماكر الذي يدعى "سمحون" وهن قلب أبيه الأبيض ومات حسرة وكمدا على ما آل إليه حاله وحال أسرته التي كانت يوماً ما سعيدة . ولم تمر أيام على وفاة أبيه حتى سارع "سمحون" بالاستيلاء على كل ما يمتلكونه: الأرض التي ورثها أبوه عن آبائه وأجداده والمنزل الذي كانوا يعيشون فيه وحتى أمه لم يرحمها واستولى عليها تحت خديعة الزواج ومصلحة الأبناء الثلاثة. أفاق "حماده" على صوت أصحابه وهم يقولون له: وأنت يا "حماده" بماذا تحلم؟. ذرفت دمعة ساخنة من عيني "حماده" رغماً عنه وهو يقول: أنا ليس لي أحلام. ردت عليه "هدى" بسرعة وقالت : أكيد لك حلم يا "حماده" فكل واحد منا لكي يعيش لابد أن يكون له أحلامه التي يسعى لتحقيقها، ولكن يبدو أن حلمك كبير جداً ويصعب تحقيقه. لم يشأ "حماده" أن يرد عليها وترك أصدقاءه وعاد مسرعاً إلى المنزل وقرر بينه وبين نفسه أنه لابد أن يحقق حلمه الكبير ولو كان تحقيقه في صندوق عم "حمامة" العجيب فقط، ورغم أن زوج أمه "سمحون" لا يعامله هو وإخوته مثلما يعامل ولديه ريتا وديفيد، ولا يعطيه مصروفه اليومي إلا أنه قرر التعاون مع إخوته حتى يحققوا حلمهم الكبير، فقرروا التخلي عن الكثير من عاداتهم اليومية حتى يستطيعوا أن يدخروا من القروش القليلة التي تمنحهم إياها أمهم خلسة حتى لا يثور عليها ذلك الرجل البغيض "سمحون"، فكان القرار الأول التخلي عن شراء الحلوى التي يحبونها كثيرا كما يجب أن يذهبوا إلى مدارسهم سيراً على الأقدام بدلا من ركوب السيارة وألا ينفقوا أي قرش من قروشهم القليلة إلا في حالات الضرورة القصوى فقط وأن يدخروا هذه القروش حتى يستطيعوا إكمال المبلغ المطلوب لعم "حمامة" حتى يحقق لهم حلمهم الكبير بطرد ذلك الرجل البغيض هو وأولاده من منزلهم حتى يستطيعوا أن ينعموا به وبحياتهم الخاصة دون وجود هؤلاء الغرباء وسطهم. مرت الأيام وراء الأيام حتى استطاع "حماده" هو وإخوته ادخار المبلغ المطلوب لتحقيق حلمهم وكانت سعادة كبيرة تغمرهم ففي الصباح سوف يحققون حلمهم على يد عم "حمامة"... في الصباح استيقظ "حماده" وإخوته وهرعوا مسرعين نحو النافذة حتى ينتظروا وصول عم "حمامة" ليحقق لهم الحلم ولكن مرت الساعة تلو الساعة وبعدها مرت الساعات ولم يأت عم"حمامة" ... ظلوا واقفين في النافذة منتظرين وصول عم "حمامة" حتى جاء عليهم الليل وكادت الدهشة والحيرة واليأس تنال منهم حتى كان "منصور" يمر من أسفل النافذة فسألوه عن غياب عم "حمامة" العجيب فقال لهم إن عم "حمامة" مات صباح اليوم. حزن "حماده" وإخوته حزناً شديداً على وفاة عم "حمامة" وضياع حلمهم وظلوا هكذا أياماً كانت تمر عليهم بطيئة جداً حتى كان صباح استيقظ فيه "حماده" هو وإخوته على صوت يشبه كثيراً صوت عم "حمامة" ينادي مثله على تحقيق الأحلام للأطفال والأغرب أن معه نفس صندوق عم "حمامة" العجيب ، وعندما سألوا عنه عرفوا أن هذا الشاب اليافع هو "زغلول" الابن الأكبر لعم "حمامة" حيث قرر استكمال مسيرة أبيه في تحقيق أحلام الأطفال.. بسرعة البرق خطف "حماده" هو وإخوته النقود التي ادخروها وهرولوا إلى الشارع لعل "زغلول" يحقق حلمهم الذي استعصى عليهم أياماً طوال.
|
#142
|
||||
|
||||
القصة الخامسة والسبعون
أرض الأحلام بقلم أحمد سامي خاطر للعمر من 7 - 12 سنة كَانَ صَوْتُ النَّاى هُوَ النِّدَاءُ الَّذِي يَجْمَعُنَا مَعَ غُرُوبِ شَمْسِ كُلِّ يَوْمٍ ، فَتَعْلُو عَلَىَ وُجُوهِنَا الدَّهْشَةُ عِنْدَ رُؤْيَةِ أَسْرَابٍ مِنْ طُيُورٍ غَرِيبةٍ ، تَظَلُّ وَاقِفَةً عَلَىَ أَفْرُعِ الشَّجَرِ وفَوْقَ أَسْطُحِ البيُوتِ حَتَى تَنْتَهِي الْمَرْأَةُ الْعَجُوزُ مِنْ سَرْدِ نَوَادِرَهَا ، وَمَعَ بَدْءِ الْعَزْفِ نَرَي الطُّيُورَ تَتَرَاقَصُ وَتَدُوُر فَوْقَ رُؤُوسِنَا ، وَتَكَادُ تَحُطُّ عَلَىَ أَكْتَافِنَا وَأَذْرُعِنَا في رِفْقٍ . لَمْ تَكُنْ الْعَجُوزُ مِنْ قَرْيَتِنَا ، وَكُلَّمَاَ سَأَلْنَاهَا عَنْ ضَيْعَتِهَا الَّتِي تَأْتِي مِنْهَا كَانَتْ تُجِيبُنَا فَقَطْ بِعِبَارَةٍ قَصِيرَةٍ ( أَجِيءُ مِنْ أَرْضِ الأَحْلامِ ) وَكَانَتْ أَعْيُنُنَا تَتَّسِعُ ، وأَفْوَاهُنَا تَنْفَتِحُ في بَلاهَةٍ حِينَ نَرَاهَا تَسْتَرْسِلُ في وَصْفِ هَذِهِ الأَرْضِ الَّتي تُشْبِهُ أَعْشَابُهَا الطَّوِيِلَةُ أَعْوَادَ الذُّرَةِ الْوَاقِفَةِ في وَجْهِ النَّسِيمِ . النَّسِيمُ الَّذِي يَتَخَلَّلُ هَذِِهِ الأَعْشَابُ فَيُحَرِّكَهَا مِثْلَ مَوْجِ الْبَحْرِ ، فَيَبْدُو الْمُنْظَرُ مِنْ فَوْقِ أَسْطُحِ بيُوتِ الْقُرَى المُتَجَاوِرَةِ الصَّدِيقَةِ ؛ وَكَأَنَّهُ لَوْحَةٌ رَائِعَةٌ ، تُزِيدُهَا الْعَجُوزُ رَوْعَةً عِنْدَمَا تَقُومُ بالنَّفْخِ في غَابَتِهَا المُقَلَّمَةِ ذَاتَ الثُّقُوبِ ، فَيَنْبَعِثُ مِنْهَا ذَلِكَ الصَّوْتُ الشَّجَنُّى الْحَنُونْ . صَارَتْ هِيَ الْقَرْيَةُ الَّتي تَطُوفُ بَيْنَ سَمَائِهَا وَأَرْضِهَا أَسْرَابٌ مِنْ طُيُورِ الْغَرَانِيقِ بُنِّيَةُ الْلَّوْنِ ذَاتَ الدَّلاَّيَةِ السَّمْرَاءِ عَلَى صَدْرِهَا كَأَنَّهَا تَتَعَاجَبُ بَأَلْوَانِ رِيشِهَا فَتَتَمَايَلُ طَرَبَاً لِعَزْفِ الْعَجُوزُ بِالنَّاي ، وَتَحُطُّ عَلَى الأَشْجَارِ والبيوتِ الْمُتَجَاوِرَةِ الصَّدِيقَةِ . قَالَتْ بِصَوْتٍ رَخِيمٍ : ( فَلْيَهْبِطَ عَلَيْكُمْ مَلاَكُ الْحُلْمِ يَا أَوْلاَدِي ) .. هَيَّا لِيَبْدَأَ كُّلٌ مِنْكُمْ في سَرْدِ حُلْمِهِ الآنَ . الآنَ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ لأَحْلاَمِكُمْ أَجْنِحَةٌ تُحَلِّقُ بِهَا في سَمَاءِ الْقَرْيَةِ . فَتَتَحَقَّقُ مَعَ ارْتِفَاعِ صَوْتِ مَعْزُوفَاتي الَّتي مَا هي إلاَّ نِدَاءَاتٍ حَنُونَةٍِ لأَجْمَلِ مَخْلُوقَاتِ اللهِ مِنْ طُيورِ الْغَرَانِيقِ الَّتي تُشْبِهُ صَفَاءَ النُّوْعِ الإِنْسَانِّي . شَاهَدْنَا الْغَرَانِيقَََ وََهِيَ تَحُطُّ بمَنَاقِيرِهَا الْبُنِّيَةِ وَهِنْدَامِهَا حَوْلِنَا ، كَأَنَّهَا بَدَأَتْ تَتَسَمَّعُ الأَحْلاَمَ حُلْماً بَعْدَ حُلْمٍ ، فَتَطِيرُ وَتَحُطُّ عِدَّةَ مَرَّاتٍ ، لَكِنَّ صَوْتَاً وَحِيدَاً بَدَأَ يَقَضِي تَمَامَاً عَلَى أَحْلاَمِنَا الصَّغِيرَةِ حِينَ ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُ الْقَذَائِفِ مُدَوِّيَةً في أَرْضِنَا ، فَتَرَاءَتْ لِعِيُونِنَا مَشَاهِدُ مَوْتِ الْغَرَانِيقِ الطَّيِّبَةِ ، وارْتِطَامِهَا بالْجُسُورِ الْعَالِيَةِ هَرَبَاً مِنْ الطَّائِرَاتِ والْبَنَادِقِ والْقَاذِفَاتِ . صَارَ كَابُوسَاً يَا صِغَارِيَ .. وَصَارَتْ الأَحْلاَمُ لا تَنْمُو هُنَا ، لأَنَ أَرْضَ الْحُرُوبِ لا تُنْبِتُ أَزْهَارَ الْحُلْمِ الَّتي تَكْبُرُ فِينَا يَومَاً بَعْدَ يَوْمٍ ، وبالتَّالِي نَرَاهَا وَقَدْ عَلَتْ فِيهَا أَشْوَاكُ الصَّبَّارِ وَالنَّبَاتَاتِ الطُّفَيْلِيَّةِ ، وَحَلَّقَ في سَمَائِهَا الْجَرَادُ الَّذِي يَأْكُلُ في وَجْهِهِ الأَخْضَرَ وَالْيَابِسَ . هَكَذَا قَالَتْ الْعَجُوزُ ، ونَحْنُ تَأَمَّلْنَاهَا جَيِّدَاً وَهِيَ تَرْوِي عَمَّا صَارَتْ عَلَيْهِ قُرَانَا الْمُتَجَاوِرَةِ الصَّدِيقَةِ ، وَعَنْ مَا يَحُوطُهَا مِنْ غَابَاتٍ . وَلِحَدِيثِهَا كُنَّا نَنْتَظِرُ ، وَهِيَ تُطْلِقُ عَزْفَهَا كُلُّ يَوْمٍ ، لَيْسَ فَقَطْ لِنَدَاءِ الْغَرَانِيقِ الطَّيِّبَةِ وَإِنَّمَا لاجْتِمَاعِنَا هُنَا بالأَرْضِ الَّتي نَأْمُلُ أنْ تُنْبِتَ فِيهَا زُهُورُ أَحْلاَمِنَا ، وَتَتَمَايَلُ عَلَيْهَا أَفْرُعُ الأَشْجَارِ الَّتي تُثْمِرُ مَا يَرُوقُ لَنَا أَنْ نَتَذَوَّقَهُ مِنْ الْفَاكِهَةِ الطَّيبةِ . كَانَتْ بدَاخِلِنَا الأَحْلاَمُ ، لاَ نَرْوِيهَا إِلاَّ إِذَا طَلَبَتْ مِنَّا الْعَجُوزُ ذلكَ ، أَوْ إِذَا حَلَّقْنَا في سَمَاءِ الْقَرْيَةِ بأَجْنِحَةٍ تُشْبهُ أَجْنِحَةَ الْغَرَانِيقِ . لِمَاذا غَابَتْ عَنَّا الْعَجُوزُ وَلمْ تَعُدْ مَعَ غُرُوبِ شَمْسِ كُلِّ الأَيَّامِ الَّتي ذَهَبَتْ ؟ لمْ نُعُدْ نَسْمَعُ صَوْتَ النَّاي الْحَنُونْ ، أوْ نَأَنَسُ برِؤْيَةِ هَذِهِ الطِّيُورِ الْمَلاَئِكِيَّةِ الشَّفَافَةِ . تَسَائَلْنَا عَنْ سِرِّ اخْتِفَاءِهَا ، كُنَّا نَجْتَمِعُ مَعَ غُرُوبِ الشَّمْسِ عَلَى أَمَلِ أَنْ تَأْتي بمَعْزُوفَاتِهَا وَطُيُورِهَا وَلكنَّهَا لا تَجِيء ، وَبِرَغْمِ أَحْلاَمِنَا الْكَثِيرَةِ الَّتي نُرِيدُ أنْ نَحْكِيَهَا لِتَطِيرَ بِأَجْنِحَةِ الْغَرَانِيِقِ في السَّمَاءِ وَتَعُودُ إِلَيْنَا وَقَدْ تَحَقَّقَتْ . رَاحَتْ تَكْبُرُ مَعَنَا أَحْلاَمُنَا ، أَمَّا الْعَجُوزُ فَقَدْ بَحَثْنَا عَنْهَا ، وَعَنْ طِيُورِهَا وَمَعْزُوفَاتِهَا ، وَمَا زَالَتْ تَبْحَثُ عَنْهَا مَعَنَا الرِّيَاحُ وَالأَشْجَارُ وَالْعَصَافِيرُ وَالْمُرُوجُ الْخَضْرَاءِ وَأَعْوَادُ الذُّرَةِ الطَّوِيلَةِ ، وَحُقُولُ الشَّمْسِ الذَّهَبيَّةِ . اجْتَمَعْنَا في نَفْسِ الأَرْضِ الَّتي كُنَّا نَلْتَفُّ حَوْلَ الْمَرْأَةِ الْعَجُوزِ فِيهَا . اقْتَرَحَ الْبَعْضُ أَنْ نَبْحَثَ وَرَاءَ أَسْبَابِ اخْتِفَاءِ الْعَجُوزْ . عِلْمَاً بأَنَّ هُنَاكَ مَنْ رَأَوْهَا وَطُيُورِهَا وَقَدْ اعْتَادَتْ الذِّهَابَ إِلي أَرْضٍ أُخْرَي غَيْرَ أَرْضِنَا ، تَعْزِفُ هُنَاكَ ، وَتَسْتَمِعُ إِلي أَحْلاَمِ عَصَافِيرَهَا الصِّغَارَ ، وَتُسَرِّحُ طُيُورَهَا الْجَمِيلَةِ فَوْقَ سَمَائِهَا . ارْتَسَمَتْ عَلَى وُجُوهِنَا الدَّهْشَةُ ، عُدْنَا نَتَسَاءَلُ : مَا الَّذي حَدَثَ ، وَهَلْ صَدَرَ مِنَّا مَا جَعَلَ الْمَرْأَةُ الْعَجُوزُ تُغَيِّرُ طَرِيقَهَا إِلي أَرْضٍ أُخْرَي !! قُلْنَا الْعَجُوزُ لا تَأْتِي قَرْيَةً إِلاَّ إِذَا كَانَ عَصَافِيرُهَا الصِّغَارِ يَحْلُمُونَ ، وَالأَحْلاَمُ لا تَتَحَقَّقَ إِلاَّ إِذَا انْطَلَقَتْ مِنْ أَرْضِ السَّلاَمِ وَالْمَحَبَّةِ ، فَهَلْ شُفِيَتْ قُرَانَا مِنْ حُرُوبِهَا وَتَنَاحُرِ أَهْلِهَا ، وَهَلْ تَخَلَّصَتْ بَعْدُ مِنْ الْعَصَبِيَّةِ وَالْقَلَقِ وَالْفِتَنِ وَالأَحْقَادِ والْمُؤَامَرَاتِ ، حَتَّي يَكُونَ لأَحْلاَمِنَا أَجْنِحَةً تَطِيرُ بِهَا بَعِيدَاً عَنْ بُكَاءِ الطَّبيعَةِ وَأَنَّاتِ الأَرْضِ الَّتي تَشْهَدُ عَذَابَاتِ الإنْسَانِ ، وَتُدَمِّرُ الْحُقُولَ وَتُبَدِّدَ الثَّرَوَاتِ ، مِنْ أَجْلِ ذَلكَ تَبَاعَدَتْ خُطَي الْعَجُوزَ عَنْ أَرْضِنَا وَحَطَّتْ هِيَ وَطُيُورِهَا وَمَعْزُوفَاتِهَا عَلَى أَرْضٍ أُخْرَي أَكْثَرَ أَمْناً وَسَلاَمَاً . مَرَّتْ الأَيَّامُ سَرِيعَةً ، وَالْحَالُ عَلَى مَا هَوَ عَلَيْهِ ، نَلْتَقِي .. كُلٌّ مِنْ الأَصْدِقَاءِ يُمَثِّلُ قَرْيَتَهُ الصَّغِيرَةِ الَّتي أَتي مِنْهَا بَاحِثاً في أَرْضِنَا عَنِ الأَحْلاَمِ ، وَعَنْ عَجُوزِ الْحِكَايَاتِ الْقَدِيمَةِ الَّتي مَا فَرِغَ جِرَابُهَا يَومَاً مِنَ النَّوَادِرِ وَالأَسَاطِيرِ وَالْمَلاَحَمِ الْبُطُولِيَّةِ . وَبَيْنَمَا نَحْنُ جُلُوس في ذَاتِ الْمَكَانِ اشْتدَّتْ رِيِحٌ عَاصِفَةٌ هَزَّتْ الأَشْجَارَ بِعُنْفٍ وَلَطَمَتْ أَبَوَابَ وَشَبَابِيكَ الْبيُوتِ الْقَرِيبَةِ ، وَسَكَنَتْ الْعَصَافِيرُ أعْشَاشَهَا ، وَمَلَئَتْ الأَتَرِبَةُ وَذَرَّاتُ الرِّمَالِ الْخَفِيفَةِ كُلَّ الآفَاقِ . انْتَبَهْنَا لِطَائِرٍ عِمْلاَقٍ رَاحَ يَحُطُّ عَلَى إِحْدَي التِّلاَلِ الْعَالِيَةِ وَيَصِيحُ مِنْ بَيْنِ مِنْقَارِهِ الطَّوِيلِ صَيْحَاتٍ أَرْعَدَتْنَا فَانْكَمَشْنَا خَائِفِينَ . فَرَدَ الطَّائِرُ العِمْلاَقُ جَنَاحَيْهِ فَظَلَّلَ بهِمَا بيُوتَ الْقُرَى الْمُتَجَاوِرَةِ الصَّدِيقَةِ ، وابْتَسَمَ ابْتِسَامَةً كَأَنَّمَا أَرَادَ أَنْ يُهَدِّئَ مِنْ رَوْعِنَا وَفَزَعِنَا . بَدَأْنَا نَنْظُرُ إِلي الطَّائِرِ بعَيْنٍ أُخْرَي ، ظَهَرَ لَنَا كَأَنَّه يَبْكِي ، فَتَدْمَعَ عَيَنَاهُ بِدِمُوعٍ رَاحَتْ تَلْمَعُ مِنْ أَسْفَلِ عَيْنَيْهِ كَأَنَّهَا جَوْهَرَةٌ تَتَقَلَّبُ تَحْتَ شَمْسِ النَّهَارِ . وَعِنْدَئِذٍ رَاحَ يَهْبِطُ مِنْ التَّلِّ الْعَالِي وَيَمْشي بأَرْجُلِهِ الَّتي تُشْبِهُ أَرْجُلَ الآدَمِيينَ وَبَدَأَ جِسْمُهُ يَتَضَاءَلُ وَيَصْغُرَ كُلَّمَا خَطَى نَحْوَنَا حَتَّي رَأَيْنَاهُ مَجَسَّدَاً في الْمَرْأَةِ الْعَجُوزِ . الْعَجُوزُ مَرَّةٌ أُخْرَي في أَرضِنَا ، إِنَّ مَا حَدَثَ الآنَ شَيءٌ يُثِيرُ الرُّعْبَ وَالْفَزَعَ .. الطَّائِرُ الْعِمْلاَقُ صَارَ هُوَ الْمَرْأَةُ الْعَجُوزُ الَّتي نَبْحَثُ عَنْهَا .. أَحَسَّتْ الْمَرْأَةُ بِمَا يَدُورُ في أَذْهَانِنَا مِنْ أَسْئِلَةٍ ، تَبَسَّمَتْ وَلاَ تَزَالُ آثارُ الدُّمُوعِ في عَيْنَيْهَا ، وَرَاحَتْ تَتَنَهَّدُ تَنْهِيدَةً طَوِيلَةً ، قَالَتْ : أَرْضُ الأَحْلاَمِ يَا عَصَافِيرِي الصِّغَارِ هِيَ الأَرْضُ الَّتي يُمْكِنُ لَكُمْ أَنْ تَتَفَتَّحُوا فِيهَا ، وَتَشْرَبُوا مِنْ مَائِهَا وَتَسْتَنْشِقُوا هَوَاءَهَا الْعَلِيلَ ، أَمَّا الأَرْضُ الأُخْرَى فَإنَّها أَرْضٌ خَبيثَةٌ ، تُنْبِتُ فِيهَا الْفِتَنَ وَالْكَرَاهِيَةَ وَحُبِّ النَّفْسِ ، لَيْسَ تَعْرِفُ سَمَاءُهَا طَيُورَ الْغَرَانِيقَ الْمَلاَئِكِيَّةِ وَلاَ تَعْرِفُ أَرْضُهَا مِثَلَ أَحْلاَمِكُمْ الطَّيِّبَةِ النَّبيلَةِ ، مِنْ أَجْلِ ذَلكَ تَحَوَّلْتُ إِلي ذَلكَ الطَّائِرَ الْعِمْلاَقِ غَرِيبَ الْمُنَظَرِ ، وَالَّذِي هُوَ انْعِكَاسٌ لِمَا صَارَتْ إِلَيْهِ أَحْوَالُ الْقُرَي مِنْ تَرْوِيعٍ وَدَمَارٍ . وَلأَجْلِ ذَلكَ قَرَّرَتُ الاخْتِفَاءَ حتَّى لاَ تَفَرُّوا مَفْزُوعِينَ مِنْ هَيْئَتِي الْمُفْزِعَةِ بَعْدَ أَنْ أَلِفْتُمْ طُيُورِي الْمَلاَئِكِيِّةِ الْجَمِيلَةِ وَمَعْزُوفَاتِي الْحَنُونَةِ . وَلِكَيْ تَتَدَبَّرُوا أَمْرَكُمْ ، وَتَعْتَمِدُوا في تَحْقِيقِ أَحْلاَمِكُمْ وَأَمَانِيكُمْ عَلَى عَزَائِمِكُمْ وَإِرَادَتِكُمُ الْحُرَّةِ ، وَحُسْنِ تَعَاوُنِكُمْ وَصَنِيعِكُمْ ، وذلك بِأَنْ تُقَدِّمُوا الْوُعُودَ والآمَالَ لِغَدٍ سَوْفَ تُشْرِقُ شَمْسُهُ عَلَى أَحَلاَمِكُمْ الصَّغِيرَةِ ، لِكَيْ تَكْبُرَ وَتُنْبتَ في أَرْضٍ لا تُهَدِّدَهَا الْكَوَابيسُ . وَبينَمَا شَرَعَتْ الْعَجُوزُ في تَفْسِيرِ مَا حَدَثَ تَلاَشَتْ شَيْئاً فَشَيْئاً آثَارُ الأَتْرَبَةِ وَالْغُبَارِ الَّذّيْنِ عَلَقَا في فَضَاءِ الْمَكَانِ ، وَتَبَدَّلَتْ الْعَاصِفَةُ نَسِيمَاً رَقِيقَاً رَاحَ يُدَاعِبُ خُدُودَنَا برِقِّةٍ وَرِفْقٍ ، بَيْنَمَا عَادَتْ لَوْحَةُ الْمُرُوجِ وَأَعْوَادُ الذُّرَةِ تَتَحَرَّكُ ، وَتَدُبُّ فِيهَا الْحَيَاةُ مَرَّةً أُخْرَي ، وقَدْ تَمَايَلَتْ طَرَبَاً لِصَوْتِ النَّاي الْحَنُونِ أَجْنِحَةُ الْغَرَانِيقِ الْمَلاَئِكِيَّةِ الَّتي مَلأَتْ السَّمَاءَ الزَّرْقَاءَ .
|
#143
|
||||
|
||||
القصة السادسة والسبعون
عنقود اللؤلؤ بقلم أحمد سامي خاطر للعمر من 7 - 12 أَحَسَّتْ (لُؤْلُؤَةُ) بِشَيْءٍ مِنْ الضِّيقِ ، وَهِيَ تمْسِكُ بِيَدِ الشُّرْطِيِّ وَتَتَجَوَّلُ دَاخَلَ أَنْحَاءِ الْحَدِيقَةِ الشَّاسِعَةِ الْخَضْرَاءَ ، بَاحِثَةً عَنْ أَبِيهَا وَأُخْوَتِهِا ؛ غَيْرَ أنَّ رُؤْيَةَ أقفاصِ الحيواناتِِِِ قد بدأتْ تَشُدُّ انْتِبَاهَهَا وَتجْذِبُ شُرُودَهَا شَيْئاً فَشَيْئاً ؛ في ذَلكَ الصَّبَاحُ الْمُشْرقُ الْبَهِيجْ . (1) وَعَلَى مَسَافَةِ أَمْتَارٍ قَلِيلَةٍ رَأَتْ (لُؤْلُؤَةُ) فِيلاً صَغِيراً يُعْلِنُ بِخُرْطُومِهِ الرَّقِيقِ صَيْحَةً رَفِيعَةً مُدَوِّيَةً في الأُفْقِ قَائِلاً : إِنَّ أَبي (فِيلُو) الْعَظِيمُ سَوْفَ يَمُدُّ خُرْطُومَهُ لِكُلِّ الَّذِينَ يَحْتَاجُونَ حِمَايَتُهُ مِنْ بِني الْحَيَوَانَاتِ ؛ مِمَّنْ لا يَسْتَطِيعُونَ حِمَايَةَ أَنْفُسَهَمْ مِنْ الذِّئْبِ الأَجْرَبِ ، بَعْدَ أَنْ طَغَي وَتَجَبَّرَ ، في غِيَابِ الأَسَدِ الْحَكِيمِ (لُؤْلُؤْ) ؛ الَّذِي خَرَجَ عَلَى رَأْسِ قَطِيعٍ مِنْ الأُسُودِ وَالأَشْبَالِ لِمُوَاجَهَةِ الأَعْدَاءِ مِنْ صَيَّادِي حَيَوَانَاتِ الْغَابَةِ ؛ الَّذِينَ يَطْمَعُونَ في إِحْرَازِ الْجُلُودِ الْغَاليَةِ واقْتِنَاءِ الْقُرُونِ الْعَاجِيَّةِ الثَّمِينَةِ . وَلِكَيْ يَتِمَّ ذَلكَ يَا أَصْدِقَائِي الْحَيَوَانَاتِ الْمَسَاكِينِ ، لابُدَّ أَنْ تُدِينُوا لأَبي (فِيلُو) الْعَظِيمِ بِالطَّاعَةِ والْوَلاَءِ حَتى يُخَلِّصُكُمْ من شُرُورِ الذِّئْبِ الأَجْرَبِ دَاخِلَ أَرْوِقَةِ الْغَابَةِ . أَحَسَّتْ لُؤْلُؤَةُ أَنَّ (فِيلُو) لَيْسَ حَسَنَ النِيَّةِ ، وَأَنَّهُ لا يَخْتَلِفُ كَثِيرَاً عَنِ الذِّئْبِ الأَجْرَبِ الْعَجُوزِ ، كِلاَهُمَا يَطمَعُ في الْحُصُولِ عَلَى لَقَبِ مَلِكِ الْغَابَةِ في غِيَابِ (لُؤْلُؤْ) ، فجَرَتْ بَيْنَ الأَشْجَارِ الْكَثِيفَةِ الْعَالِيَةِ ، وَهِيَ تَقْتَرِبُ مِنْ جُحُورِ الْحَيَوَانَاتِ وَمَكَامِنِهَا ، تُنَادِي عَلَيْهِمْ ليَخْرُجُوا وَيَجْتَمِعُوا في مَكْمَنِ الْغَزَالَةِ الشَّقرَاءَ لِيَتَنَاقَشُوا فِيمَا اسْتَجَدَّ مِنْ أَحْوَالٍ في غِيَابِ الأَسَدِ الْحَكِيمِ ، وَمَا يُدَبَّرُ مِنْ مُؤَامَرَاتٍ عَلَى يَدِ الذِّئْبِ الأَجْرَبِ ، وَالْفِيلْ فِيلُو الْمُتَكَبِّرُ . اجْتَمَعَتْ كُلُّ الْحَيَوَانَاتِ في بَيْتِ الْغَزَالَةِ الشَّقْرَاءَ .. قَالَتْ (لُؤْلُؤَةُ) : إِنَّ الأَمْرَ خَطِيرٌ جِدَّاً يَا أَصْدِقَائِي ؛ بَعْدَ أَنْ خَرَجَ الْحَكِيمُ (لُؤْلُؤْ) لِمُلاقَاةِ الصَّيَّادِينَ الْجُهَلاَءَ ؛ وَهَذَا عَمَلٌ يَضْمَنُ لَكُمْ الأَمْنَ وَالأَمَانَ دَاخَلَ الْغَابَةِ وَخَارِجَهَا ، أَمَّا الذِّئْبُ وَالْفِيلُ فإنَّهُمَا يُرِيدَانِ أَنْ يَدُسَّا بَيْنَكُمُ الْفِتْنَةَ فَتَنْقَلِبُوا عَلَى الْحَكِيمِ (لُؤْلُؤْ) ، وَبِذَلكَ يَنْتَقِلُ سُلْطَانُ الْغَابَةِ لَهُمَا أَوْ لأَحَدِهِمَا . صَاحَتْ الْحَيَوَانَاتُ باسْتِيَاءٍ شَدِيدٍ : " إِنَّهَا مُؤَامَرَةٌ " أَدْرَكَ (الْخَرْتِيتُ الأَبْيَضُ) كَلاَمَ لُؤْلُؤَةُ فَرَفَعَ قَرْنَهُ إلي فَوْقَ قَائِلاً : لاَبُدَّ مِنْ صُنْعِ شَيْءٍ يَضْمَنُ لَنَا الْمَزِيدَ مِنْ الْحِمَايَةِ وَالدِّفَاعِ عَنِ النَّفْسِ إلي أَنْ يَعُوُدَ مَلِكُ الْغَابَةِ إِلي مَمْلَكَتِهِ ظَافِرَاً . قَالَتْ الْغَزَالَةُ بِصَوْتٍ وَدِيعٍ وَهِيَ تُشِيرُ إِلي لُؤْلُؤَةِ بِأَرْنَبَةِ أَنْفِهَا الْبَيْضَاءَ : إِنَّنَا نَعْلَمُ يَا لُؤْلُؤَةُ أَنَّكِ مِثْلَنَا تَرْفُضِينَ الْخِيَانَةِ ، وَتَبْحَثِينَ عَنْ الأَمْنِ وَالْحُرِّيَةِ وَالسَّلاَمِ ؛ بَعْدَ أَنْ ضَلَلْتِ طَرِيقَ الْعَوْدَةِ إِلي أَبِيكِ وَأُخْوَتِكِ دَاخِل الْحَدِيقَةِ . قَالَتْ لُؤْلُؤَةُ : الأَمْرُ كَذَلكَ يَا أَصْدِقَائِي . ثمَّ ردَّت الْغَزَالَةُ : نَحْنُ أَيْضَاً مِثْلَكِ نَرْفُضُ خِيَانَةَ الذِّئْبِ وَأَطْمَاعَ الْفِيلِ ، وَنَبْحَثُ عَنِ حُرِّيَتَنَا الَّتي افْتَقَدْنَاهَا مُنْذُ أَنْ غَابَ الأَسَدُ الْحَكِيمُ (لُؤْلُؤْ) ، الَّذِي نَشَرَ الْعَدْلَ وَالأَمْنَ وَالاسْتِقَرَارَ وَسْطَ فَيَافي الْغَابَةِ الْمَلِيئَةِ بالْمَخَاطِرِ وَالأَهْوَالِ .. قَالَتْ لُؤْلُؤَةُ : أَلاَ يُمْكِنُنِي مُسَاعَدَتِكُمْ يَا أَصْدِقَائِي .. قَالَتْ الْغَزَالَةُ : وَلَكِنَّكِ مِنْ بَنِي الْبَشَرِ وَنَخَافُ عَلَيْكِ مِنْ مُفَاجَآتِ الْغَابَةِ غَيْرَ السَّارَّةِ ؛ خَاصَّةً في وُجُودِ الذِّئْبِ الأَجْرَبِ ، وَالْفِيلْ (فِيلُو) الَّذِينَ لا نَأْمَنُ شَرِّهِمَا وَمَكْرِهِمَا . تَقَافَزَ الْقِرْدُ (سَامُورْ) قَائِلاً : إِنَّ بَنِي الْبَشَرُ يَشْتَرِكُونَ مَعَنَا في هَذِهِ الْمُغَامَرَةِ الْمَلِيئَةِ بالْخَطَرِ يَا غَزَالَتُنَا الْوَدِيعَةِ .. وَلَكِنَّنَا نَخْتَلِفُ عَنْهُم في الطَّرِيقَةِ الَّتي نَتَّبِعَهَا في حِمَايَةِ أَنْفَسَنَا مِنْ الْخَطَرِ الَّذي نَتَعَرَّضَ لَهُ . اقْتَرَبَتْ (لُؤْلُؤَةُ) مِنْ فَأْرَةٍ عَجُوزٍ ، كَانَتْ تَجْلِسُ في صَمْتٍ وَتَهُزُّ رَأْسَهَا في حِكْمَةٍ وَتَدَبُّرٍ، سَأَلْتُهَا عَنْ رَأْيِهَا فِيمَا تَقُولُ الْحَيَوَانَاتُ ، تَبَسَّمَتْ الْفَأْرَةُ وَهِيَ تَنْتَظِرُ هُدُوءَ الْقَاعَةِ مِنَ الأَصْوَاتِ . وَلمَّا سَادَ الصَّمْتُ نَهَضَتْ الْفَأَرَةُ مِنْ مَجْلِسَهَا وَرَاحَتْ تَتَنَقَّلُ بَيْنَ الْحَيَوَانَاتِ الْمُنْفَعِلَةِ وَالْهَادِئَةِ قَائِلَةً في حِكْمَةٍ : يَبْدُو أَنَّ أَصْدِقَائِي لمْ يَفْهَمُوا بَعْدُ مَعْنَي مَا قَالَهُ (فِيلُو) في الصَّبَاحِ ، فَالأَمْرُ أَخْطَرُ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُجَرَّدَ مُحَاوَلَةٍ مِنْ الْفِيلْ الْمُتَكَبِّرُ وَالذِّئْبِ الأَجْرَبِ للوُصُولِ إلي مَقَالِيدَ الْغَابَةِ في غَيْبَةِ الأَسَدِ الْحَكِيمِ لانْتِزَاعِ لَقَبِ (الْمَلِكْ) ، بَعْدَ أَنْ عَلِمَ أَنَّ حَرْبَهُ سَتَطُولُ مَعَ الصَّيَّادِينَ الأَشْرَارَ في الْخَارِجِ . فَعِلْمِي يَا أَصْدِقَائِي أَنَّهُمَا قَدْ قَطَعَا طَرِيقَ الرِّجُوعِ عَلَى جَيْشِ الأَسَدِ ، وَسَوَاءٌ عَادَ مُنْتَصِراً أَوْ مَهْزُومَاً سَيُوَاجِهَ مَصِيرَاً مَجْهُولاً في عَوْدَتِهِ مَعَ جُيُوشِ الْفِيَلَةِ والذَّئَابِ أَخْشَي أَنْ يَهْلَكَ دُونَهُم ، أَمَّا الآن فَقَدْ حَانَ وَقْتُ قِيَاسِ دَرَجَةَ أَصَالَتِكُمْ وَرَبَاطَةَ جَأْشِكُمْ وَالْكَشْفَ عَنْ مَعَادِنِكُمْ النَّفِيسَةِ . بَاتَ الأَمْرُ صَعْباً والْغَابَةُ يَتَهَدَّدَهَا طُوفَانُ الشَّرِّ إِذَا لمْ تَتَوَحَّدُ عَزَائِمُنَا الأَصِيلَةِ في عُنْقُودٍ وَاحِدٍ ، نُوَاجِهُ بِهِ أَعْدَاءَ غَابَتِنَا الآمِنَةِ . نَهِقَ الْحِمَارُ مُعَبِّراً عَنْ مَوْقِفِهِ وَمُعْلِناً عَنْ فَشَلِهِ في مُحَاوَلَةِ الْفَهْمِ بَيْنَمَا ضَحِكَتْ كُلُّ الْحَيَوَانَاتِ في الْقَاعَةِ إِلاَّ حَيَوَانَ (ابْنَ عُرْسٍ) الَّذِي حَاوَلَ أَنْ يُقَرِّبَ وِجْهَاتَ النَّظَرِ وَيُحَدِّدَ مَقْصِدَ الْفَأْرَةِ قَائِلاً : لَقَدْ أَرَادَتْ الْفَأْرَةُ الْعَزَيزَةُ أَنْ تُؤَكِّدَ لَنَا ضَرُورَةَ أَنْ نَتَحَمَّلَ نَحْنُ مَسْئُولِيَّةَ أَنْفُسِنَا حَتَّى يَعُودَ (لُؤْلُؤ) الْمَلِكُ الْحَكِيمُ مِنْ حَرْبِهِ مُنْتَصِرَاً .. وَلِذَا يَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَتَّحِدَ سَوِيَّاً في مُوَاجَهَةِ الأَعْدَاءِ بالدَّاخِلِ .. وَلاَ نَكُونُ أَقَلَّ مِنْ (لُؤْلُؤْ) الَّذِي يُحَارِبَ مِنْ أَجْلِ سَلاَمَتِنَا مِنْ خَطَرِ الصَّيَّادِينَ بِالْخَارِجِ .. عَلَيْنَا إِذَنْ يَا أَصْدِقَائِي أَنْ نَتَّخِذَ قَرَارَنَا بِحِكْمَةٍ وَهُدُوءٍ كَمَا تَعَلَّمْنَا مِنْ مَلِكِ الْغَابَةِ الْحَكِيمِ (لُؤْلُؤْ) . قَالَتِ الْحَيَوَانَاتُ في صَوْتٍ وَاحِدٍ : الأَمْرُ مَا قَالَتْهُ الْفَأْرَةُ ، وَأَوْضَحَهُ (ابْنُ عُرْسٍ) .. نَهِقَ الْحِمَارُ مُسْتَفْسِراً : وَكَيْفَ إِذَنْ نُوَاجِهُ الْخَطَرُ بالْحِكْمَةِ وَالْهُدُوءِ يَا أَصْدِقَاءْ .. إنَّنِي أُوَاجِهُ الْخَطَرَ بالرَّفْسِ ، وَهُوَ مَا تَعَلَّمْنَاهُ مِنْ طَبِيعَةِ الْغَابَةِ .. سَارَعَتْ ( لُؤْلُؤَةُ ) بالقَوْلِ : مهْلاً .. مهْلاً يا أصْدقائي ، فالْحِكمةُ والْعَقْلُ أَقْوَي سِلاحٍ في مُوَاجَهَةِ الْمَخَاطِرِ الَّتي تَدْهَمُنَا ، لِذَا سَأَرْوِي لَكُم حِكَايَة أبي مع الذِّئْبَةِ الْجَرْبَاءِ دَاخِلَ الْخَنْدَقِ الْعَسْكَرِيّ لِنَعْلَمَ جميعاً كيف نُفَكِّرَ بِهِدُوءٍ ونَتَصَرَّفَ بِحِكْمَةٍ في أَوْقَاتِ الشِّدَّةِ والأَزَمَاتِ ، ولِكَيْ نَخْرُجُ مِنْ جِلْسَتِنَا هَذِهِ مُسْتَفِيدِينَ تَمَامَاً وَمَقْتَنِعِينَ بأهميةِ أن يَكونَ لَدَيْنَا الحكمةُ حتى نَتَّخِذَ الرَّأْيَ والْقَرَارَ السَّلِيِمَينْ فِيِمَا يَخُصُّ مَصَائِرُنَا جَمِيعاً حتى لا نَقَعَ فَرِيسَةً سَهْلَةً تحت أنيابِ الطَّامِعِينَ الأَعْدَاءِ ، ثمَّ أَخَذَتْ لؤلؤةُ مَوْقِعَهَا مِنْ القَاعَةِ وَهِيَ تَرْوِي عَنْ أَبِيهَا مَا حَدَثَ مِنْ الذَّئْبَةِ الْجَرْبَاءِ في الخَنْدَقْ . (2) تَثَاءَبَتُ الذِّئْبَةُ الْجَرْبَاءُ الْكَسُولَةُ ؛ وَأَطْلَقَتْ عِوَاءً طويلاً في الْفَضَاءِ الْوَاسِعِ .. قَالَتْ لِزَوْجِهَا : " إِنَّني سَوْفَ أَعُودُ هَذِهِ اللَّيْلَةَ بِفَرِيِسَةٍ ثَمِيِنَةٍ مِنْ دَاخِلِ الْخَنْدَقِ العَسْكَرِيْ الْقَرِيبِ مِنْ صَحَرَاءِ الْجَبَلْ ".. ضَحِكَ الذِّئْبُ الزَّوْجُ مُسْتَهْزِءَاً مِنْ زَوْجَتِهِ الذَّئْبَةِ الْجَرْبَاءِ : " لَقَدْ حَاوَلْتِي ذَلكَ عِدَّةَ مَرَّاتٍ يَا عَزيزتِي وَلكنَّكِ في كُلِّ مَرَّةٍ كُنْتِ تَعُودِينَ بِجِرَاحٍ جَدِيدَةٍ فَوْقَ جِلْدِكِ الْمُلْتَهِبْ " . قالتْ الذِّئْبَةُ في كِبْريَاءٍ : " إِنَّ الأَمْرَ هذه اللَّيْلَةُ يَخْتَلِفُ عَنْ اللَّيَالي الأُخْرَيَاتِ ، فَقَدْ شَاهَدْتُ في الصَّبَاحِ بعينيَ أَنَّ سَاكِنِي هَذَا الْخَنْدَقِ قَدْ تَرَكُوه بِصُحْبَةِ قَائِدِهِم الَّذِي رَافَقَهُم لِمُهِمَّةٍ جَدِيدَةٍ ، وَلمْ يَتَبَقَّ مِنْهُمْ غَيْرَ (أبي لؤلؤة) بِمُفْرَدِهِ .. حيثُ سَمِعْتُ الْقَائَدَ يَأْمُرُهُ بَأَنْ يَلْزَمَ الْخَنْدَقَ حتى الصَّبَاحِ ولاَ يَتْرُكُهُ حتَّى يَتَلَقَّى أَمْراً مِنْهُ بِذَلِكَ . شَعُرَ أبي بِحَرَكَةِ أَقْدَامِ الذَّئْبَةِ عَلَى الرِّمَالِ ؛ فَأَدْرَكَ أَنَّ الأَمْرَ جَدُّ خَطِيرٍ ، حَيْثُ أَوْصَاهُ الْقَائِدُ بأنْ لا يُطْلِقَ أَيَّ رَصَاصَةٍ مِنْ بُنْدُقِيِّتِهِ حتَّى لا يَتَعَرَّفَ الأَعْدَاءُ عَلَى مَكَانِ الْخَنْدَقِ عَنْ طَرِيقِ مَصْدَرِ صَوْتِ الطَّلَقَاتِ . ظَلَّتْ الذِّئْبَةُ الْجَرْبَاءُ تَنْبِشُ بِحَوَافِرِ قَدَمَيْهَا في فَتْحَةِ الْخَنْدَقِ حتى رَأَي أبي قَدَمَهَا بِعَيْنِهِ .. وَهُنَا لمْ يَسْتَطِعْ التَّفْكِيرَ فَأَمْسَكَ بُنْدُقِيَّتَهُ وَأَعَدَّهَا تماماً ، ثم اخْتَبَأَ وراء كَوْمَةٍ من أَحْجَارِ الْخَنْدَقِ بالدَّاخِلِ مُنْتَظِرَاً الذِّئْبَةُ لِيَقْتُلَهَا . ظَلَّتَ الذِّئْبَةُ تُحَاوِلُ وتحاول عِدَّةَ ساعاتٍ مُتواصِلَةٍ ، وَظلَّ أبي يُفَكِّرُ ويفكرُ في حِيلَةٍ يصنَعُهَا لِيُنْقِذَ نَفْسَهُ من أَنْيَابِ هَذِهِ الذِّئْبَةِ الْمُفْتَرِسَةِ .. لكنَّهُ تَذَكَّرَ كلامَ القائدِ حيثُ حَذَّرَهُ من أَنْ يُطْلِقَ النَّارَ من بندقِيَّتِهِ دَاخِلَ الْخَنْدَقِ فَتَرَاجَعَ عن ذلك ، ولكنَّ الذِّئْبَةُ لمْ تَتَرَاجَعْ بعدُ .. قالتْ ، وَهِيَ تُجَاهِدُ في دُخُولِ الْخَنْدَقِ : " سوْفَ أَظْفَرُ بِكَ اللَّيلةَ يا (أبَا لُؤْلُؤَةْ) ، ولنْ تَفْلِتَ مِنِّي هَذِهِ الْمَرَّةُ . لمْ يُصْدَرْ أبي أيَّ صَوْتٍ ، بَعْدَ أن أدركَ أنَّه لا مَحَالةَ من دِخُولِهَا .. فَقَدْ رَأَى الْفَتْحَةَ تَتَسِعُ والرِّمَالِ تَسْقُطُ في الدَّاخِلِ ؛ وعِنْدَئِذٍ لَمَعَتْ في رأسِهِ فِكْرَةٌ حين وقعتْ عينَاهُ عَلَى (جِوَالٍ) كبير من الْخَيْشِ ؛ فَرَاحَ يَلْضِمُ في طَرَفِهِ حَبْلاً سَمِيكاً ، وَجَعَلَ فَتْحَةَ الجِوَالِ في طرِيقِ الدَّخُولِ إلي الخندقِ بعدَ أن ربطَ طرفَ الحبلِ الآخرِ في صخرةٍ بارزةٍ . عِنْدَهَا استَطَاع أبي أن يَلْتَقِطَ أنفاسَهُ ، وَظلَّتْ الذئبةُ عَلَى نَشَاطِهَا حتى نَجَحَتْ في الدِّخُولِ مِنْ فَتْحَةِ الْخَنْدَقِ ، وبينما هي مُنْدَفِعَةٌ نحو الدَّاخِلِ الْمُظلِمِ حتى سَقَطَتْ في الجوالِ الَّذي تعلَّقَ بالحبلِ فانْغَلَقَ عليها مثلَ مصيدةِ الفأرِ ، قال أبي للذئبةِ المحبوسةِ في الجِوَالِ الْمُعَلَّقِ : أيتُها الذئبةُ الجرباءُ ، لقد نِلْتِ جَزَاءَ غُرُورِكِ ، وهذا جزاءُ كُلَّ من يُحَاوِلُ الاعتداءَ والعُدْوَانَ عَلَى الآخرين . صَاحَتْ كُلُّ الحَيَوَانَاتِ في القَاعَةِ : لقَدْ أَحْسَنَ وَالِدُكِ صُنْعاً يا لؤلؤة ، وَلَقَّنَ الذِّئْبَةَ دَرْسَاً قَاسَيَاً .. قَالَتِ الغَزَالَةُ الشَّقْرَاءَ في هِدُوءِهَا : نَعَمَ .. لَقَدْ تَصَرَّفَ بِحِكْمَةٍ ؛ ولو أنَّه تَسَرَّعَ وَأَطْلَقَ النَّارَ من بُنْدُقِيِّتِهِ عَلَىَ الذئبةِ لَعَرِفَ العَدُوُ مكانهُم ، وأفْسَدَ عليهم خُطَّتِهِم الْعَسْكَرِيَّةِ ؛ وَلَتَحَوَّلَ النَّصرُ الكبيرُ إلي هزيمةٍ نكراءْ .. قال القرد (سامور) : عَلَيْنَا إِذَنْ أن نَتَّخِذَ قرارَنا بحكمةٍ وهدوءٍ ، وتَحَدَّثَ (ابنُ عُرْسٍ) : إِنَّ الْعَدوَ الآنَ هُوَ الذِّئْبُ الأَجْرَبُ ؛ الَّذي يُدبِّرُ لَنَا الْمَكَائِدَ ويَنْشُرُ بَيْنَنَا الفِتْنَةَ . نَهِقَ الحِمَارُ قَائِلاً : يَا أصْدِقَائِي .. أَرَي أنَّنَا لَنْ نَمْلِكَ القَرَارَ السَّلِيمَ إلاَّ إِذَا أَصْبَحْنَا قُوَّةً وَاحِدةً كَمَا قَالتْ عَزِيزَتُنَا الفَأْرةُ ، وَزَعْمِي أَنَّنَا جَمِيعَاً مُتَفَرِّقُونَ وَلَسْنَا أَصْحَابَ رَأْيٍّ وَاحِدٍ أَوْ عَمَلٍ .. قَالَ الْجَمِيعُ : الرَّأْيُ مَا قَالَ الْحِمَارُ ، ثمَّ أَشَارَتْ بِرَأْسِهَا (لُؤْلُؤَةُ) قَائِلَةً : لا دَاعِيَ إِذَنْ لإِنْفَاقِ الْوَقْتُ هَبَاءً ، الأَمْرُ يَحْتَاجُ مِنَّا التَّحَرُّكُ وَتَوْزِيعُ الْمَهَامِ وَالأَدْوَارِ حتَّى يَتَحَرَّكَ كُلُّ مِنَّا في طَرِيقِ الْهَدَفْ ، وَهُوَ الْحِفَاظُ عَلَى سَلاَمَةِ وَأَمْنِ حَيَوَانَاتِ الْغَابَةِ . (3) عِنْدَمَا عَلِمَ الذِّئْبُ الأَجْرَبُ مَاَ يُدَبِّرهُ ( فِيلُو) لَهُ ، عَوَى عِوَاءً عَالِيَاً هَزَّ أَرْكَانَ جُحْرِهِ الْعَمِيقَ ، قَالَ الثَّعْلَبُ وَهُوَ في حَالَةِ رُعْبٍ شَدِيدٍ مُخَاطِبَاً الذِّئْبَ وَمُتَودِدَاً لَهُ : هَوَّنْ عَلَيْكَ يَا ابْنَ الْعَمِّ ، إِنَّ الْحَيَوَانَاتِ كُلِّهَا سَوْفَ تَتَوَدَّدُ إِلَيْكَ وَتَحْتَمِي بِحِمَاكَ . قَالَ الذِّئْبُ غَاضِبَاً : أَلَمْ تَسْمَعْ بِمَا قَالَهُ الْفِيلُ أَيُّهَا الثَّعْلَبُ .. أَجَابَ الثَّعْلَبُ وَهُوَ مُنْكَمِشٌ في جِلْدِهِ : زَعْمِي أَنَّ الَّذِي يَقُولُهُ فِيلُو لَيْسَ إِلاَّ كَلاَماً في الْهَوَاءِ يَاَ سَيِّدِي الذِّئْبُ .. قَالَ الذِّئْبُ للثَّعْلَبِ في ضِيقٍ : عَلَيْكَ إِذَنْ أَيُّهَا الثَّعْلَبُ أَن تُرْسِلَ مُنَادٍ يَلُفُّ أَنْحَاءْ الْغَابَةِ ، وَيُعْلِنُ عَلَي لِسَانِي : ( إِنَّ الذِّئْبَ يَفْتَحُ صَفْحَةً جَدِيدَةٍ مَعَ الْجَمِيعِ ، فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ لَهُ مَظْلَمَةٌ أَوْ حَقٌ فَلْيَتَقَدَّمُ بِهِ .. وَلتعْلَمُ كُلُّ الْحَيَوَانَاتِ أَنَّهَا مُنْذُ اللَّحْظَةِ تَنْعَمُ بِالْحُرِّيَةِ وَالْحَقِ وَالْمُسَاوَاةِ في ظِلِّ سِيَادَةِ الذِّئْبِ ) . سَمِعَ (فِيلُو) بِأُذُنَيْهِ الْمُفَرْطَحَتَيْنِ مَا قَالَهُ الْمُنَادِي عَلَى لِسَانِ الذِّئْبِ الأَجْرَبِ ، صَاحَ صَيْحَةً عَالِيَةً ، وَرَفَعَ خُرْطُومَهُ في الْهَوَاءِ ، وَقَالَ في غَضَبٍ والشَّرَرُ يَمْلأُ عَيْنَيْهِ : ( يَا أَفْيَالُ الْغَابَةِ الْعِظَامُ .. إِنَّ الذِّئْبَ يَحْتَالُ عَلَيْنَا بِحِيلَةٍ جَدِيدَةٍ ، وَإِنَّنِي أَرَي أَنَّهُ مِنْ الصَّوَابِ أَنْ نَقُومَ بِالْهُجُومِ عَلَيْهِ ، حَتَّى نَتَخَلَّصُ مِنْهُ وَتَكُونُ لَنَا السِّيَادَةُ وَلأَبْنَائِنَا مِنْ بَعْدِنَا ) . أَسْرَعَتْ كُلُّ الْحَيَوَانَاتِ مِنْ أَمَامِ (فِيلُو) وَجَيْشِهِ الضَّخْمِ مِنْ الْفِيَلَةِ ، وَعَلَتْ الصَّيْحَاتُ في الْجَوِّ مُعْلِنَةٌ عَنْ هُجُومٍ شَدِيدٍ عَلَى الذِّئْبِ وَأَعْوَانِهِ . لَمْ يِكُنْ الذِّئْبُ في غَفْلَةٍ .. لَقَدْ اسْتَعَدَّ هُوَ الآخَرُ بِجَيْشٍ لا يُسْتَهَانُ بِهِ وَتَقَابَلَ مَعَ جَيْشِ الْفِيَلَةِ عِنْدَ مِنْطَقَةٍ جَرْدَاءٍ في مُنْتَصَفِ الْغَابَةِ .. عَلاَ صَوْتُ الْعِوَاءِ وَصَيْحَاتُ الْفِيَلَةِ ، وَتَحَوَّلَتْ الْغَابَةُ إِلَي مَعْرَكَةٍ مُتَكَافِئَةٍ وَشَرِسَةٍ في الْوَقْتِ نَفْسِهِ كُلٌّ يَشْحَذُ أَسْلِحَتَهُ الْخَاصَّةُ في وَجْهِ الآخَرِ . أَطَلَّتِ الْحَيَوَانَاتُ مِنْ جُحُورِهَا وَمَكَامِنِهَا . قَالَتْ (لُؤْلُؤَةُ) لأَصْدِقَائِهَا مِنَ الْحَيَوَانَاتِ : يَا أَصْدِقَائِي إِنَّ الْفُرْصَةَ الآنَ مُنَاسِبَةٌ لِكَيْ تُكَافِئُوا (لُؤْلُؤَ) بِالْقَضَاءِ عَلَى الذِّئْبِ الأَجْرَبِ وَالْفِيلْ (فِيلُو) الْمَغْرُورْ ، وَتَنَالُوا حُرِّيَتُكُمْ وَتَسْتَمِتعُونَ بِحِمَايَتِكُمْ بَعِيدَاً عَنْ الشُّرُورِ وَالأَطْمَاعِ . قَالَتِ الْغَزَالَةُ الْوَدِيعَةُ : لَقَدْ فَهِمْتُ مَا تَقْصِدِينَهُ يَا (لُؤْلُؤَةُ) .. لابُدَ مِنْ حِيلَةٍ نَصْنَعُهَا لِكَي نَقْهَرَ جَيْشَ الأَعْدَاءِ في الدَّاخِلِ وَنَقْضِي عَلَى الْفِيلْ وَالذِّئْبْ . اجْتَمَعَ الْكُلُّ في بَيْتِ الْغَزَالَةِ مَرَّةً أُخْرَي ، وَظَلُّوا يُفَكِّرُونَ في حِيِلَةٍ للتَخَلُّصِ مِنْهُمَا ، وَبَعْدَ مُنَاقَشَاتٍ وَمُحَاوَرَاتٍ كَثِيرَةٍ اهْتَدَتْ (لُؤْلُؤَةُ) إِلي فِكْرَةٍ جَدِيدَةٍ ، وَعَرَضَتْهَا عَلَى الْجَمِيعِ فَهَلَّلُوا فَرِحِينَ بِهَا وَشَكَرُوا عَلَيْهَا(لُؤْلُؤَةَ) ، قَالَتْ الْفَأْرَةُ : الْقَوْلُ مَا قَالَتْ لُؤْلُؤَةُ يَا أَصْدِقَائِي .. إِذَنْ عَلَيْنَا أَن نُرْسِلَ في طَلَبِ مَلِكِ الطُّيُورِ (النَّسْر) . قَالَتْ (حَمَامَةُ) : أَنَا آتِيكُمْ بِهِ يَا أَصْدِقَائِي ، فَهُوَ يُحِبُّ الْعَوْنَ ، وَسَوْفَ يُسَاعِدُنَا عَلَى أَعْدَائِنَا . ضَرَبَتْ الْحَمَامَةُ بِجَنَاحَيْهَا في السَّمَاءِ ، وَأَخْبَرَتْ النَّسْرَ بِمَا يَحْدُث في الْغَابَةِ ، فَفَهِمَ النَّسْرُ مُهِمَّتَهُ واسْتَعَدَّ لَهَا ، حيثُ جَمَعَ سَرْباً هَائِلاً مِنْ النُّسُورِ وَحَلَّقَ بِهِم ضَارِباً بِأَجْنِحَتِهِ الطَّوِيلَةِ حتَّى هَبَطَ عَلَى بَيْتِ الْغَزَالَةِ ، أَمَّا الْحَمَامَةُ فَقَدْ أَخَذَتْ طَرِيقَهَا في الْجَوِّ لإِبْلاَغِ الأَسَدِ الْحَكِيمِ (لُؤْلُؤْ) بِمَا يَحْدُثُ في الْغَابَةِ لِيَأْخَذَ حَيْطَتَهُ وَحَذَرِهِ في طَرِيقِ الْعَوْدَةِ . تَعَاوَنَتْ الْحَيَوَانَاتُ جَمِيعُهَا في عَمَلِ شَبَكَةٍ سَمِيكَةٍ مِنْ الأَسْلاَكِ وَأَفْرُعِ الشَّجَرِ الْمُتَشَابِكَةِ ؛ فَحَمَلَتْهَا النُّسُورُ بِمَخَالِبِهَا الْقَوِيَّةِ وَحَلَّقَتْ بِهَا في السَّمَاءِ حَتَّى وَصَلَتْ إِلي الْمِنْطَقَةِ الْجَرْدَاءِ الَّتي يَتَصَارَعُ فِيهَا الذِّئْبُ (الأَجْرَبُ) والْفِيلْ (فِيلُو) ، وَرَاحَتْ تُحَلِّقُ في دَائِرِةٍ تَتَّسِعُ وَتَتَّسِعُ حتَّى أَحَاطَتْ بالأَعْدَاءِ جَمِيعاً ، وَهُنَا أَلْقَتَ النُّسُورُ بالشَّبَكَةِ عَليْهِم لِيَقَعُوا فِيهَا مُقَيَّدِينَ مَأُسُوريِنَ جَزَاءً لِشُرُورِهِم وَأَطْمَاعِهِم . هَلَّلَتْ كُلُّ الْحَيَوَانَاتِ وَأَسْرَعَتْ تِجَاهَ الْفِيلْ (فِيلَو) وَالذِّئْبِ الأَجْرَبْ وَهُمَا في شَبَكَةٍ وَاحِدَةٍ . لَمْ يَمْضْ غَيْرَ وَقْتٍ قَصِيرٍ حَتَّى عَاَد الأَسَدُ الْحَكِيمُ ( لُؤْلُؤْ ) الَّذِي حَكَتْ لَهُ الْحَمَامَةُ كُلَّ شَيءٍ .. فَأَمَرَ بِطَرْدِ الأَعْدَاءَ مِنْ الْغَابَةِ بِتُهْمَةِ الْخِيَانَةِ ، وَشَكَرَ حُسْنَ صَنِيعِ (لُؤْلُؤَةِ) بَعْدَ أَنْ أَعْلَنَ مِنْ فَوْقِ تَبَّةٍ رَمْلِيَّةٍ عَالِيَةٍ بِدَايَةً جَدِيدَةٍ في ظِلِّ اتحَادِ الْحَيَوَانَاتِ الَّتي تَنَفَّسَتْ بِدَوْرِهَا هَوَاءً جَدِيدَاً يَنْعَمُ بِالْحُرِّيَةِ وَالسَّلاَمِ .. عِنْدَئِذٍ أَفَاقَتْ لُؤْلُؤَةُ مِنْ شُرُودِهَا عَلَى صُوْتِ الشَّرْطِيِّ ، وَهُوَ يَسْأَلُهَا : هَلْ هَذَا هُوَ وَالِدُكِ يَا لُؤْلُؤَةْ ؟!
|
#144
|
||||
|
||||
القصة السابعة والسبعون
عِنْدَمَا تَغْضَبُ الكُتُبْ!!! بقلم خالد جمعة للعمر من 7 - 12 سنة الضَّجَّةُ الكبيرةُ الَّتي حَدَثَتْ في المَكْتَبَةِ العَامَّةِ والمَكْتَبَاتِ الأُخْرَىْ المُنْتَشِرَةِ في المَدِيْنََةِ جَعَلَتْ إِبَاءَ تَتَسَاءَلُ عَنْ سَبَبِهَا، فهيَ تَعْرِفُ أنّ المَكْتَبَةَ هي أكثرُ الأماكِنِ هُدُوءاً في المَدِينةْ، وكانتْ تذهبُ إلى هُناكَ خِصِّيْصَاً كي تَقْرَأَ في هُدُوءٍ بَعِيْدَاً عن إزعاجِ أَبْوَاقِ السَّيَّارَاتِ التي تمرُّ من أمامِ بَيْتِهَا. أمّا ما حَدَثَ ذلكَ النَّهارُ فلم يكُنْ مَعْهُوداً من قَبْلْ، أُناسٌ تدْخُلُ في المكتبةِ وأُخرى تَخْرُجُ مِنها، مُعَلِّمُونَ وآباءٌ ومجموعةٌ من الأشخاصِ لم تَتَعَوَّدْ إباء رُؤْيَتَهُم يَذهبونَ إلى المكتبةِ من قَبْلْ. قَرَّرَتْ إباء أن تَدْخُلَ إلى المكتبةِ كي تعْرِفَ ما يَجْري هناك، فهي فُضُوليّةٌ بِطَبْعِهَا، تُحِبُّ مَعْرِفَةَ الأشياءِ التي تَحْدُثْ، ولماذا تَحْدُثْ.. عندما وَصَلَتْ إباء إلى بابِ المكتبةِ العامَّةِ مَنَعَها الكِبارُ من الدُّخُولْ، لكنَّ صَوْتاً قَادماً من دَاخِلِ المكتبةِ قالْ: دَعُوا إباءَ تَدْخُل إذا أَرَدْتُمْ منِّي أن أتحدَّثْ.. ازْدَادَتْ دَهْشَةُ إباءْ، فالصَّوتُ الذي تَحَدَّثَ لم يَكُنْ يُشْبِهُ صوتَ أَحَدٍ من الذينَ تَعْرِفُهُم. سُمِحَ لها بالدُّخولِ، ولكن المفاجأةَ التي لم تَكُنْ على بَالِهَا أن الصَّوتَ الذي كانَ يتحدَّثُ هو صوتُ أَحَدِ الكُتُبِ في المكتبةْ. وَقَفَتْ إباءُ لِلَحظَةٍ وهي مُصَابَةٌ بالدَّهْشَةِ، كانت الكُتُبُ كلُّها تتحاورُ بصوتٍ مُنْخًفِضٍ يشبهُ صوتَ خليَّةِ نَحْلْ، وكان من الوَاضِحِ أن الكتابَ الذي يَجْلِسُ في المُقَدِّمَةِ هو الذي يتحدَّثُ باسمِ الجميعْ، ومن خِلالِ الكلماتِ البسيطةِ التي سَمِعَتْهَا إباء هُنا وهُناك من الكتبِ المَصْفُوفَةِ على الرُّفوفْ، فَهِمَتْ الأمْرَ كلَّهُ.. كانت الكتبُ تقومُ بإضرابْ.. وهي لا تريدُ لأحدٍ أن يَقْرَأَهَا.. بدا الأمرُ غريباً على إباء، كما أنَّها لم تعرفْ لماذا تقومُ الكتبُ بالإضرابِ وهي منذُ آلافِ السِّنينْ تسمَحُ بالقراءةِ لكلِّ مَنْ يُريدْ. قالتْ إباء وهي تنظرُ إلى الكتابِ الذي جَعَلَها تدخلُ المكتبةْ: ـ ماذا حَدَثَ يا صديقي الكتابْ؟ تَنَهَّدَ الكتابُ وَتَقَلَّبَتْ أوراقُهُ كأنَّ شخصاً نَفَخَ عليها وقالْ: ـ لَقَدْ قَرَّرْنَا نحنُ الكُتُبْ أن نقومَ بإضرابْ، لن نَدَعَ أحداً يقرأَ جُمْلةً واحدةً طالما بَقِيَ الحالُ هكذا.. ـ أيَّ حالٍ تَقْصِدْ؟ ـ أقصدُ حالَ الأطفالْ.. فما فائِدَةُ أن يقرأَ النَّاسُ إذا لم يفعلوا شيئاً بقراءَتِهِمْ؟ فأنا أعرفُ من زملائي كتبِ الإحصاءِ أنَّ كثيراً من الأولادِ لا يقومُ أهْلُهُمْ بتعليمِهِمْ وخصوصاً البناتْ، كما أنني لا أقصدُ التعليمَ الذي يقومون فيهِ بِحَشْوِ عقولِ الأولادِ بالمعلوماتْ.. بل التعليمَ الذي يدعو للتفكيرِ وفهمِ الحياةْ. ـ ولماذا أنتمْ مُهْتَمُّونَ بهذا الأمرْ؟ ـ ما فائدتي أنا إذا كنتُ أحملُ كلاماً لا ينفعُ الأطفالَ الذينَ كُتِبَ من أَجْلِهِمْ..؟ ثُمَّ إن بقيَّةَ الكتبِ قد تَضَامَنَتْ معي لأنّها تُحِبُّ الأطفالْ، ولأن أهلَهُمْ لا يشترونَ لهم كتباً للقراءة، ولو كان الأهلُ لا يملكونَ المالَ لشراءِ الكتبْ، فلماذا لا يسمحونَ للأولادِ بالقراءةِ في المكتباتِِِ العامَّةِ المَجَّانِيّةْ؟ ثم يَجِبْ على الناسِ أن تعْرِفَ أنَّ الكُتُبَ تموتُ إذا لم يقرأَهَا أحدْ، لأنها تحسُّ أنّها بلا فائدةْ، أمسْ فقطْ تُوُفِّيَ كتابان من كُتُبِ التاريخِ لأنَّ أحداً لم يقرأهما منذُ عشرِ سنواتْ، فالعملُ الوحيدُ الذي خُلِقَتْ له الكتبُ هو أن يقرأها الناسُ، وهي لا يُمكنْْ أن تفعلَ شيئاً آخر. لأن المعلوماتِ إذا مرَّ عليها زمنٌ طويلٌ دونَ أن تُقرأَ يصيبُها مرضٌ يشبهُ الشَّلَلَ الذي يصيبُ الناسَ، فما فائدتها إذا لم تُقرأ؟ لذلك اتَّفَقْنا مع الكتبِ في المكتباتِ الأخرى على الإضرابْ، فلن تَجِدِيْ كتاباً واحداً يمكن قراءتُهُ حتى يقومَ الناسُ بالسّمَاحِ لأطفالِهِمْ بالقراءةْ. ـ وما ذنبُ الأطفالِ الذين يقرأونَكُم؟ ـ نَحْنُ نَعْرِفُ كيفَ نَتَصَرَّفْ، وسَأَقُوْلُ لكِ سِرَّاً صغيراً، إن إضرابَنَا لن يَسْتَمِرَّ إلى وقتٍ طويلْ، فهو فَقَطْ كي نَجْعَلَ الناسَ يُفَكِّرونَ في مُسْتَقْبَلِ أولادِهِمْ؛ وسوفَ نعودُ كما كُنَّا ولكن بعد أن يُحِسَّ الناسُ ما الذي تستطيعُ الكُتُبُ أن تَفْعَلَهْ. ـ لكِنَّكَ نَسِيْتَ شيئاً مُهِمَّاً يا صَدِيْقي الكتابْ، إنَّ التَّعْليمَ ليس فَقَطْ في المَدْرسةْ. تَنَهَّدَ الكَتَابُ بَأَلَمٍ وقالْ: ـ أنا لا أستطيعُ أن أُعَدِّلَ الدُّنيا كلَّها وَحْدِي يا إباءْ، وحتّى لو اجْتَمَعَتْ معي كلُّ الكُتُبِ في العالَمْ، فكلُّ واحدٍ من المَفْرُوضِ أن يَجِدَ وَسِيْلَةً لتَصْحِيْحِ الوَضْعِ الخاطئِ في مَكَانِِهِ، أما أنا، فأكثرُ ما أستطيعُ فَعْلَهُ هو أن أمنعَ النَّاسَ من قِراءَتي أنا وأَصْدِقَائي. وَدَّعَتْ إِبَاءُ الكِتَابَ وخَرَجَتْ من المَكْتَبَةِ، فَانْدَفَعَ النَّاسُ نَحْوَهَا لِيَسْأَلُوْها عن الحُوارِ الذي دَارَ بينَها وبينَ الكتابْ، ولكنّها لم تُجِبْ على أيِّ سُؤالْ، فَقَدْ قَرَّرَتْ أن تَكْتُبَ حِوَارَها معَ الكِتَابِ في قِصَّةٍ لِتَنْشُرَهَا في الصُّحُفْ، أو على الأقَلّْ في مَجَلَّةِ الحَائِطِ في المَدْرَسَةْ، فَرُبَّمَا الطَّريقةُ التي يُفَكِّرُ بها الكتابُ تُصْبِحُ الطَّرِيْقَةَ التي يُفَكِّرُ بها النَّاسُ في وَقْتٍ قَرِيْبْ... رُبَّمَا.
|
#145
|
||||
|
||||
|
#146
|
|||||||||||||||||||||||||
|
|||||||||||||||||||||||||
ألف شكر لكِ على المرور للموضوع ويبارك فيكِ ويجزاكِ الجنة
|
#147
|
||||
|
||||
بارك الله فيك وجزاك كل خير
|
#148
|
|||||||||||||||||||||||||
|
|||||||||||||||||||||||||
ويبارك فيكِ ويجزاكِ خير وأشكركِ على المرور للموضوع.
|
#149
|
||||
|
||||
القصة الثامنة والسبعون
القط الغدار بقلم: نظمية أكراد كان القط زوزو جائعاً يفتش عن شيء يسكت به جوعه وقد قارب النهار على الانتهاء ولم يعثر على ما يأكله، فكر بالخروج الى الحقول لعله يجد عصفوراً أو فأراً أو أي شيء يؤكل. وغابت الشمس وحل الليل وهو يبحث.. سمع وصوصة قفز نشيطاً قد يتحقق حلمه بعد انتظار طويل وتعب وعناء شديدين، لابد أنه فأر سمين يسكن هذا الجحر وينعم بالدفء ويلعب. وقفز نحو الجحر ووقف بالقرب من فتحته المموهة بالتراب وأخذ يئن ويتوجع وينادي بصوت ضعيف. ـ النجدة.. النجدة أكاد أموت من البرد إنني مريض لا استطيع التحرك، لقد أصبحت كبيراً وضعيفاً ولا أرى جيداً، أعينوني.. النجدة.. نادى بصوت ضعيف مرتجف: ـ لا أحد يسمعني سأموت جوعاً وبرداً، أين أذهب في هذه الليلة العاصفة؟ قال الفأر الابن بخوف: ـ كيف نساعد من هو عدو لنا ولايرحمنا؟ ألم تقولي لنا إنه عدونا؟ إنه يطاردنا ويلتهمنا عندما يصل إلينا. قالت الأم بشفقة: ـ ما تقوله صحيح لكنه هرٌ عجوزٌ ضعيفٌ مريض، والجو عاصف ماطر. سنفتح باب الوكر وننظر إليه ثم نقرر مانفعل. نظرت الفأرة الكبيرة من شق صغير في فتحة الجحر ورأت القط في حالة يرثى لها ممرغاً بالوحل والماء يقطر من شعره وهو يكاد يلفظ أنفاسه، فنادت أولادها وقالت لهم: ـ ساعدوني لنفتح الباب جيداً وندخل هذا القط العجوز الضعيف المريض. صرخ فأر صغير: ـ لكن.. سنموت برداً اذا خرجنا وإذا دخل سيلتهمنا. من أين جاءنا الهر في هذا الوقت؟ ـ لاتخش شيئاً، إنه ضعيف ولايقوى على الحركة ولن ينسى لنا هذا المعروف إذا عاش وتعافى. ربما ينقذ حياتنا إذا أنقذنا حياته، إن فعل الخير شيء عظيم، أسرعوا وساعدوني لكي ندخله الى هنا.. هيا أسرعوا. ـ أحاطت هي وصغارها بالقط وأخذوا يسحبونه الى داخل جحرهم. كان ثقيلاً جداً وضعيفا، ولا يتحرك كأنه ميت. صاحت الفأرة الأم به: ـ ساعدنا أيها القط العجوز تحرك قليلاً، نكاد نموت جميعاً من البرد، والمطر يبللنا. ـ لكن الهر تماوت أكثر وثقل جسمه ولم يساعد بحركة. أرهقوا لما بذلوه من جهد كان فوق طاقتهم. أخيراً أدخلوا القط الى مدخل الجحر وتركوه هناك. ـ كانت الفأرة الأم في الداخل والصغار في المدخل عند الباب، والقط بجسمه الكبير يفصلهما عن بعضهما ما أقلق الأم وأفزع الصغار الذين يحبون النوم في حضن أمهم الدافئ أو بالقرب منها. نظر كل منهم الى القط عن قرب، إنهم يشعرون بالخوف من عدوهم ولكنهم يرونه لأول مرة ضعيفاً. حاولوا العبور من خلف القط أو من أمامه أو من فوقه فلم يستطيعوا لأنه أغلق الطريق بجسمه الكبير. كانوا متعبين جداً، فناموا اطمأن القط الى أن صغار الفئران نيام.. التهم بعضهم بسرعة ثم وقف وقد قوي ونفض شعره من الماء والوحل العالق به وتمطى، وانقض على الفأرة الكبيرة التي أخذت ترتجف ذعراً حين رأته يفترس آخر صغارها. صاحت به ذاهلة وهي لاتصدق ماترى. ـ أيها القط الغدار، الحق علي أنا المغفلة؟ أشفقت عليك وساعدتك أنا وصغاري، وفكرنا في أن نتخذك صديقاً؟ لقد تمارضت وخدعتنا ولم تنس طبيعتك الغدارة. وثب القط نحوها فحاولت الهرب، لكن المكان ضيق. أمسكها وأخذ يرفعها ويضرب بها الأرض حتى أرهقها ودوخها. نظر إليها وهي أقرب ماتكون الى جثة، ولعق شفتيه وحرك شاربيه ودار حولها وهو يقول: ـ إنك غبية ومغفلة. إنني لم آكل طوال اليوم فهل أموت جوعاً بينما أنت تتمتعين بالدفء والطعام والأمان؟ ـ وما ذنبي أنا؟ إنني أسكن بيتي وآكل من تعبي.
|
#150
|
||||
|
||||
القصة التاسعة والسبعون
قشرة الموز بقلم محمد عطية محمود عطية بعد انتهاء اليوم الدراسى ، التقى عمرو ، و سمير أمام بوابة المدرسة ، و بعدما تصافحا ، قال عمرو باهتمام : ينبغى أن نذهب لزيارة عمى صابر فى المنزل ، بعد خروجه من المستشفى بالأمس . قال سمير مندهشآ : عمى صابر رجل طيب .. ماذا حدث له؟! رد عمرو متأثرآ : سمعت من ابنه صلاح ، صديقنا ، أن الطبيب وضع له ساقه فى الجبس . تعاطف سمير مع كلام عمرو قائلآ : ينبغى أن نزوره بالفعل ؛ فزيارة المريض من آداب التعامل ، و لها أثر طيب فى نفس المريض و أهله ، و تعمل على نشر تامودة و المحبة بين أفراد المجتمع .. هكذا علمنى والدى ، و هو تأكيد لما نتعلمه فى المدرسة . واصل عمرو : ثم أننا يجب أن نقف الى جوار صديقنا صلاح ؛ فهو ولد طيب مثل أبيه ، و لا يفوته أبدآ أن يقف الى جوار أصدقائه وقت الشدة . و كما يقول معلمنا " الصديق عند الضيق " قال سمير فى ثقة : سوف أستأذن والدى فى هذا الأمر ، و أكيد عندما يعرف سيأـى معنا . وافقه عمرو بسرور قائلآ : و أنا أيضآ . قال سمير : اذن نتفق على ميعاد الزيارة اليوم مساء آ … *** بجوار سرير العم صابر ، فى منزله ، جلس عمرو و سمير يحيطان بصديقهما صلاح ، بعدما قدم اليهم واجب الضيافة .. تطل عليهم نظرات العم صابر الحانية الباسمة ، على الرغم من ألم ساقه الذى لم يبارحه بعد ، و قال : الخير فيكم يا أولاد .. رد سمير باحترام : لا بأس عليك يا عمى … ثم قال عمرو : - ستشفى ان شاء الله يا عمى ، و تعود الينا سالمآ معافآ . رد عليهما ، و قد ملأ السرور وجهه المرهق : - الحمد لله على كل حال يا أولادى . انه قدر و مكتوب ، لكن لابد أن يحترس كل منكم ، و يكون يقظآ ، و هو يمشى فى الطريق .. وقاكم الله شر الاصابات . سأله سمير على استحياء : لكن قل لى يا عمى لو سمحت .. كيف حدث ذلك ؟ هز العم صابر رأسه مبتسمآ ، و قال : انها قشرة الموز يا ولدى . استغرب عمرو : قشرة موز ؟!!! قال العم صابر : - نعم يا ولدى . و تحول بنظره الى والد سمير ، الذى كالن يجلس الى جواره ، منصتآ الى الحديث ، و يربت على كتفه مواسيآ ، ثم اكمل : كنت عائدآ من عملى ، و اذا بى بعد خطوات من دخولى الشارع ، أجد نفسى واقعآ على الأرض ، و ساقى تؤلمنى بشدة ، و اتضح أن قشرة موز هى التى أوقعتنى دزن أن أراها أو أشعر بها . سأل سمير متعجبآ : قشرة موز تفعل كل ذلك ؟!! رد والد سمير متأثرآ : نعم يا ولدى ، و أكثر من ةذلك ، و لكن الله ستار قال عمرو : ان من قواعد الالتزام و النظافة ألاّ نرمى مخلفاتنا فى الطريق ، الذى هو ملك لنا جميعآ . أكمل سمير : رغم الشعارات المكتوبة على الجدران و اللافتات ، و المذاعة التى تدعو الى المحافظة على النظافة الا أن هناك الكثيرين ممن يلقون مخلفاتهم فى الشارع غير مهتمين بعواقب أفعالهم . قال صلاح ، و هو ينظر الى والد بحنو : لكن يجب علينا أن نستمر فى دعوتنا الى النظافة و الالتزام ، و المحافظة على جمال مدينتنا ، و حينا ، و شارعنا ، و لا نيأس من التوعية المستمرة . رد عليهم والد سمير مبتسمآ ، فخورآ بهم : بارك الله لنا فيكم يا أولاد ، و شفى لنا عمكم صابر.
|
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 6 ( الأعضاء 0 والزوار 6) | |
|
|
راديو قصيمي نت | مطبخ قصيمي نت | قصص قصيمي نت | العاب قصيمي نت |