العاب اون لاين: العاب بلياردو | العاب سيارات | العاب دراجات | العاب طبخ | العاب تلبيس |العاب بنات |العاب توم وجيري | العاب قص الشعر |
للشكاوي والاستفسار واستعادة الرقم السري لعضوية قديمة مراسلة الإدارة مراسلتنا من هنا |
|
|
|
أدوات الموضوع | التقييم: | انواع عرض الموضوع |
#31
|
||||
|
||||
استجبتُ لحركة متعجرفة من صوفيا و أسرعتُ خارجاً وراء تافيرنر. لحقت به في الصالة الخارجية و هو يلج الباب إلى الدرج، قال:
- سأصعد لأرى الأخ الأكبر. أوضحت له مشكلتي دون ضجة مستفسراً: - أرجوك اسمعني يا تافيرنر! ماذا يفترض أن أكون؟ اندهش: - ماذا يفترض أن تكون؟ - أجل، ماذا أفعل هنا، في هذا البيت؟ إن سألني أحدٌ فماذا أقول؟ فكر المفتش لحظة و قال: - ها! فهمت... – و ابتسم –.. و هل سألك أحدٌ شيئاً؟ - لا. - إذن فلِمَ لا تترك الأمر هكذا؟ لا تشرح أبداً. هذا أسلوب جيد، لا سيما في بيت مضطرب كهذا البيت: كل منهم شغلتْه مشاكله الخاصة و مخاوفه فلا أحسَبُه يفكر في أمرك. سوف يرضوْن بوجودك ما دمت تبدو واثقاً من نفسك. إن قول أي شيء خطأ عظيم ما دمت لا توجد ضرورة لذلك. و الآن هيا إلى الدرج، لا شيء مغلقاً هنا. أنت تفهم طبعاً أن هذه الأسئلة التي أسألها كلها هراء. إن الأسئلة عمن كان في البيت و من لم يكن غير هامة، أو: أين كانوا جميعاً في ذلك اليوم؟ - إذن فلماذا..؟؟ - لأنها فرصة لأنظر إليهم جميعاً فأكوّن انطباعاتي و أسمع ما يريدون قوله، ربما يعطيني أحدهم – بالمصادفة المخصة – مؤشراً مفيداً.. و صمت قليلاً ثم همس: أُقْسِمُ أن ماجدا ليونايدز يمكنها أن تكشف أشياء كثيرة لو أرادت ذلك. - و هل تعتمد على كلامها هذا؟ - لا، لن يُعتمد عليه، لكن لعله يرشدنا إلى وجهةٍ ما في التحقيق! كل أحدٍ في هذا البيت الملعون له وسائله و فرصته. ما أسعى إليه هو الدافع. عند رأس الدرج كان ثمة باب يسد الممر الأيمن و كان عليه مطرقة نحاسية. طرق المفتش الباب كما ينبغي ففتحه رجل بدت في وجهه علامات الدهشة و المفاجأة. لا بد أنه كان يقف وراء الباب! كان رجلاً عملاقاً لك كتفان قويان و شعر أسود جعد ووجهه قبيح إلى أبعد حدّ غير أنه وجه لطيف. نظر إلينا ثم ردّ بصره بسرعة بتلك الطريقة المتحيرة ينظر بها الرجل الصادق الحييّ، و قال: - تفضلا. نعم. أرجوكما! كنت أنوي الخروج لكن هذا لا يهم. تفضلا إلى غرفة الجلوس. سأنادي كليمنسي... ها! انت هنا يا حبيبتي؟ إنه رئيس المفتشين تافيرنر... هل عندنا تبغ؟ أرجوك انتظر لحظة. اصطدم بِسُورٍ و قال مرتبكاً: - أرجو المعذرة! ثم خرج من الغرفة كالنحلة الطنانة التي تترك وراءها صمتاً!
|
#32
|
||||
|
||||
كانت زوجته واقفة بجانب الشباك. أسرتني شخصيتها الجذابة و شدّت انتباهي الغرفة التي كنا نقف فيها. كانت الحيطان مصبوغة باللون الأبيض. الأبيض الحقيقي، غير العاجيّ و لا المائل إلى الصُّفرة، و لم يكن عليها من الصّور سوى واحدة فوق رف الموقد كانت عملاً هندسياً غير تقليدي: مثلثات رمادية داكنة و سفينة زرقاء!
كانت السيدة روجر تختلف عن السيدة فيليب تماماً. ماجدا ليونايدز قد تكون في دور ست نساء مختلفات، لكن كليمنسي ليونايدز – هو ما كنت متكأداً منه – لا يمكن أن تكون أبداً واحدة أخرى غير ذاتها: كليمنسي ليونايدز. كانت امرأة ذات شخصية حادة واضحة. أظن أنها في الخمسين. شعرها رمادي قصير لكنه يزيد رأسها الصغير الجميل جمالاً! ووجهها رقيق يدل على الذكاء، وعيناها رماديتان تدلان على قوة غريبة حادة. و كانت تلبس ثوباً خمرياً من الصوف يناسب قوامها النحيف تماماً. و شعرتُ فوراً أنها امرأة مذعورة؛ لأن مستوى المعيشة الذي تعيشه لم يكن ذلك الذي تعيشه امرأة عادية، و فهمت لماذا استخدمت صوفيا تعبير القسوة حين وصفتْها. ارتعشت قليلاً بسبب برودة الغرفة، و قالت كليمنسي بصوت هادء و لسان مهذب: - اجلس من فضلك يا حضرة المفتس! هل عندك أخبار جديدة؟ - كان موته بسب الإيسيرين يا سيدة ليونايدز. قالت متأملة: - إذن فهذا يجعل الأمر جريمة قتل! ألا يمكن أن تكون حادثاً من أي نوع؟ - لا يا سيدتي. - أرجو أن تكون لطيفاً مع زوجي يا حضرة المفتش، فهذا الأمر يؤثر فيه كثيراً. لقد كان يحب أباه كثيراً و هو مرهف الإحساس عاطفي إلى أبعد الحدود. - هل كنتما على علاقة حسنة مع حماك يا سيدة ليونايدز؟ - نعم، علاقة حسنة تماماً. ثم أضافت بهدوء: و لكني لم أكن أحبّه كثيراً. - لماذا؟ - لا تعجبني أهدافه في الحياة و لا أسلوبه في تحقيقها. - و السيدة بريندا؟ - بريندا؟ لم أكن أراها كثيراً. - هل تظنين أن من الممكن وجود علاقة بينها و بين السيد لورانس براون؟ تقصد علاقة حب؟ لا، لكني لم أكن أعلم شيئاً من ذلك. بدا من صوتها أنها غير مهتمة. رجع زوجها روجر مسرعاً بنفس حركته الطنانة المزعجة وقال: - لقد تأخرت... مكالمة هاتفية. حسنا يا حضرة المفتش، ماذا هناك؟ حسنا، هل لديك أخبار؟ ما الذي سبب وفاة والدي؟ - كانت الوفاة بسبب التسمم بالإيسيرين. - حقاً؟ يا إلهي! إذن لا بد أنها تلك المرأة! لم تستطع الانتظار! لقد أخرجها من حياة الفقر، أهكذا جزاؤه؟ قتلته بدم بارد! يا إلهي! إن دمي يغلي عندما أفكر بهذا.
|
#33
|
||||
|
||||
- هل لديك سبب محدّد يجعلك تعتقد ذلك؟ كان روجر يُراوح جيئة و ذهاباً و هو يشد شعره بيديه: - سبب؟ لِمَ؟ من يمكنه أن يفعل ذلك غيرها؟ لم أكن أثق بها يوماً. لم أحبها ألبتة.لا أحد منا يحبها. لقد فزِعتُ أنا و فيليب حين دخل علينا والدي يوماً من الأيام و أخبرنا أنه تزوج! في مثل عمره؟ ذاك جنون... جنون! كان أبي رجلاً مدهشاً يعجبك يا حضرة المفتش. كان عقله مدبّراً كأنه في سن الأربعين. إن كل شيء أملِكُه هو من خيره و فضله. لقد فعل كل شيء من أجلي. لم يخذلني يوماً بل أنا الذي خذلته! إني كلّما ذكرتُ ذلك...! و ألقى بنفسه على الكرسي بقوة، و جاءت إليه زوجته: - كفى يا روجر! لا تجهد نفسك! أمسك بيدها و قال: - أعرف يا عزيزتي. أعرف، و لكن كيف أقعد هادئاً؟ كيف أتمالك نفسي؟ - يجب أن نبقى جميعاً هادئين. إن السيد المفتش يريد مساعدتنا. - هذا صحيح يا سيدة ليونايدز. صاح روجر: - هل تعلم ما أود أن أفعل؟ لو أنني أحنق تلك المرأة بيديّ كلتيهمـا! لقد ضنّتْ على ذلك العجوز بضع سنين من الحياة! يا ليتني أمسك بها!... – وقف روجر و هو يرتعش من الغيظ، و مدّ يديه المرتعشتين – أجل، كنت سألوي عنقها... ألوي عنقها. زجرته كليمنسي: - روجر! نظر إليها خَجِلاً: - آسف يا عزيزتي. ثم التفت إلينـا قائلاً: أسف فعـلاً، لقد غلبتني مشاعري. إنني... اعذروني. و خرج من الغرفة ثانية، و قالت زوجته في ابتسامة باهتة: - الحقيقة أنه لا يستطيع أن يؤذي ذبابة! قبِل تافيرنر كلمتها بأدب ثم شرع في أسئلته الروتينية. - أين كنتما يوم مات السيد ليونايدز؟ - كان روجر في لندن في بوكْس هاوْس – و هو مركز شركة التجهيز الغذائي – ثم عاد في وقت مبكر من المساء و أمضى بعض الوقت مع أبيه، و هذه عادته. أنا كنت – كالعادة – في معهد لامبِرْت في شارع غورو حيث مكان عملي، و رجعتُ إلى البيت قبل السادسة. - أرأيت حماك؟ - لا. كنت قد رأيته آخر مرة في اليوم الذي صبق وفاته وشربنا القهوة معه بعد العشاء. - ألم تريْهِ يوم وفاته؟ - ذهبت – في الحقيقة – إلى جناحه من البيت لأن روجر حسِب أن ترك غليونه عند والده في غرفة نومه... غليون ثمين جداً، لكنني وجدته على طاولة الصالة هناك فلم أرغب أن أزعج العجوز. كان غالباًً ينام نوماً خفيفاً في حوالي السادسة.
|
#34
|
||||
|
||||
- متى بلغك نبأ مرضه؟
- جاءت بريندا مسرعة. كان ذلك بعد السادسة و النصف بدقيقة أو اثنتين. لم تكن هذه الأسئلة هامة كما علمت، لكني أدركت كيف يحرص المفتش تافيرنر أن يمعن النظر في المرأة التي كانت تجيب عن اسئلته. سألها بعض الأسئلة عن طبيعة عملها في لندن فقالت أنه يتعلق بالتأثير الإشعاعي للتفجير النووي. - إذن فأنت تعملين في حقل القنبلة الذرية، أليس كذلك؟ - عملي لا يمسّ القدرة التدميرية للقنبلة الذرية، فالمعهد ينفذ تجارب في التأثير العلاجي. و عندما نهض تافيرنر أبدى رغبته في رؤية جناحهما الخاص من البيت فتفاجأت قليلاً لكنها أظهرت له استعدادها الكامل. ذكرتني غرفة النوم بسريرها المزدوج ذي الأغطية البيضاء بالمستشفى أو بصومعة ديْرِ من الأديرة! أما الحمام فكان بسيطاً لا ترى فيه أي أداة رفاهية و لا مواد تجميل، و كان المطبخ خالياً من الأثاث نظيفاً و مجهزاً تجهيزاً جيداً بأدواتٍ من النوع العملي. ثم جئنا إلى باب فتحته كليمنسي قائلة: - هذه غرفة زوجي الخاصة. قال روجر: - أدخلوا. تفضلوا. أحسست بالطمأنينة... ها هو شيء من البساطة في مكان آخر من هذا البيت الأعوج الذي يثير في نفسي الكآبة. كان في غرفته الشخصية مكتب كبير تبعثرت عليه الصحف والغليونات القديمة و رماد التبغ، و كانت فيه كراسيّ كبيرة عتيقة. و السجّادُ العجمي يغطي البلاط، و على الحيطان صور باهتة لجماعات مدرسية و جماعة ((كالريكيت)) و الفصائل العسكرية، و رسومات بالألوان المائية للصحراء و المنارات والقوارب المبحرة و البحر و غروب الشمس. كانت غرفته صافية، غرفة رجل محب حنون و حلو المعشر. كان روجر يصب لنا الليمون بطريقة غير بارعة من وجاجة وهو يُبعد الكتب و الصحف عن أحد الكراسي. قال: - الغرفة فوضى! كنت أفرغ الغرفة و أتخلص من الصحف القديمة... قدم لنا الليمون ثم تابع كلامه ملتفتاُ إلى تافيرنر: أرجو أن تسامحني... لقد فقد السيطرة على مشاعري. و نظر حوله كأنه يشعر بالذنب، و لم تكن كليمنسي ليونايدز معنا في الغرفة ثم تابع.
|
#35
|
||||
|
||||
- إنها رائعة، أعني زوجتي. رغم كل الذي جرى فهي رائعة! لا تدري كم أنا معجب بها! فقد عاشت وقتاً عصبياً مخيفاً قبل أن نتزوج أحب أن أخبرك عنه. لقد كان زوجها الأول رجلاً عظيماً – أقصد أنه ذو عقل عظيم – لكن جسمه كان ضعيفاً من مرض السل، و كان ينجز بحثاً قيماً في علم البلوريات، و كان راتبه قليلاً مع أنه كان متفوقاً في عمله. لكنه لم يستسلم، و قد كدحتْ من أجله فلم تجعله يعلم أن كان يموت، و لم تشتكِ بتاتاً و لم تتذمر، و كانت تبدو دائماً سعيدة!
ثم مات فحزنتْ عليه كثيراً، و أخيراً رضيتْ بالزواج مني، وكنت سعيداً جداً لأنني كنت قادراً أن أمنحها السعادة و الراحة. و قد رجوتها أن تترك العمل لكنها عرفت بالطبع أن العمل في الحرب كان واجباً عليها و ما تزال تشعر أنها يجب أن تستمر في عملها... زوجة رائعة! لقد كنت محظوظاً! كنت سافعل كل شيء من أجلها. أجابه تافيرنر جواباً مناسباً ثم عاد إلى أسئلته السابقة من جديد: متى بلغك أن أباك مريض؟ - أسرعت بريندا تناديني، قالت إن نوبة مرضية ما أصابت أبي، و كنت أجلس مع العجوز العزيز قبل ذلك بنصف ساعة فقط، و كان في صحة تامة! أسرعت إليه و كان يلهث و وجهه أزرق. نزلت مسرعاً إلى فيليب فاتصل بالطبيب. إنني... إننا لم نستطع أن نفعل شيئاً! لم أتخيل قطعاً و لا لحظة واحدة بأن هناك عملاً غريباً. غريب؟ هل قلت: غريب؟ يا إلهي يبا لها من كلمة استخدمتها. و ببعض الصعوبة خلصنا أنفسنا أنا و تافيرنر من الجو العاطفي لغرفة روجر ليونايدز، و وجدنا أنفسنا خارج الباب مرة أخرى عند أول الدرج. قال تافيرنر: - إنه مختلف تماماً عن أخيه... أشياء و غرف غريبة، هذا يخبرك كثيراً عمن يعيشون فيها. - أجل. - و غريبون هؤلاء الناس، و زواجهما غريب أيضاً أليس كذلك؟ لم أكن أعلم أكان يقصد كليمنسي و روجر أم فيليب و ماجدا؟ كانت كلماته تنطَبق على الزواجين لكن الزواجين كلاهما سعيد، كان زواج كليمنسي و روجر سعيداً حتماً. ثم سألني: - هل يمكن أن يكون مجرما يضع السم؟ هل تقول عنه ذلك؟ لا أحسبه رجلاً خشناً. أما زوجته فالاحتمال لديها أكبر. إنها من صنف النساء عديمات الرحمة، و ربما كان بها مس من الجنون! - لكني أظن أنها لن تقتل أحداً من الناس لمجرّد أن هدفه وأسلوب حياته غير مرضيين بالنسبة لها. ربما كانت تكره العجوز حقاً، و لكن هل تُرتكب جريمة بسب الكراهية الخالصة؟ - قليلاً جداً، و أنا لم أصادف حالة كهذه. لا. أظن أننا في حال أكثر أماناً لو اشتبهنا في السيدة بريندا، لكن أين الدليل؟ *****
|
#36
|
||||
|
||||
- 8 - فتحت الخادمة باب الجناح المقابل و أصابها الخوف حين رأت تافيرنر و إن كانت مسحة من الإزدراء ظاهرة عليها. قالت: - لعلك تريد أن ترى السيدة؟ - نعم، من فضلك. و تقدمتنا إلى غرفة الجلوس الكبيرة و خرجتْ. كان أثاثها يشبه ذاك الموجود في غرفة الاستقبال في الطابق الأرضي: قماش الريتون ملوناً بألوان زاهية، و ستائر حريرية مخططة، و لوحة فوق رف الموقد لفتت انتباهي، ليس من اليد البارعة التي رسمتها فحسب، بل أيضا بسبب الوجه الآسر لصاحب الصورة. كانت رسماً لرجل ضئيل. عيناه داكنتان خارقتان، على رأسه قلنسوة من المخمل الأسود، و قد التصق رأسه بكتفيه. لقد كانت حيوية الرجل و قوته تشعّ من اللوحة، و بدا أن العينين اللامعتين أذهلتني! قال تافيرنر: - هذا هو. رسمها أوغسطس جون. إن شخصيته قوية، أليس كذلك؟ - بلى. و فهمتُ معنى قول إيديث دي هافيلاند إذ قالت أن البيت يبدو يدونه خالياً. ما اغرب هذا الرجل الصغير املنحني: الذي بنى البيت الصغير المائل، فلما غاب فَقَد البيت الصغير المائل معناه! قال تافيرنر: - و تلك زوجته الأولى هناك. رسمها سارجِنت. أمعنتُ النظر في الصورة المعلّقة على الحائط بين الشبّاكين. كان فيها وحشية ما مثل كثير من رسوم سارجنت، و قد رُسِم الوجه بشكل مبالَغ فيه فظهر كأنه وجه فرس. كانت رسمة لسيدة إنكليزية تقليدية من الريف لا من طبقة النبلاء، أنيقة لكنك لا تلمح فيها معنى الحياة، سيدة لم تكن تبتسم، بل كانت مستبدة قوية! انفتح الباب و دخل الرقيب لامب قائلاً: - لقد عملت اللازم يا سيدي، استجوبت الخدم جميعاً و لكني لم أحصل على أي شيء. تنهد تافيرنر في حين أخرج الرقيب لامب دفتره من جيبه ورجع بعيداً ثم جلس. و انفتح الباب مرة أخرى و دخلت زوجة أريستايد ليونايدز الثانية.
|
#37
|
||||
|
||||
كانت تلبس ثوبا أسوداً فاخراً ستر بدنها كله. كان وجهها معتدل الجمال، و شعرها بنياً جميلاً مصففاً بإتقان، و على صدرها عقد لآلئ كبيرة، و كان في إحدى يديها خاتم من الزمرد و في الأخرى خاتم كبير من الياقوت.
نظرت إلى وجهها المزيّن فعرفتُ أنها كانت تبكي، و لاحظت أنها خائفة. و خاطبها تافثيرنر بلطف: - صباح الخير يا سيدة ليونايدز، إنني آسف لإزعاجك مرة أخرى. قالت بصوت فاتر: - يبدو أنك مضطر لذلك. - إن كنت ترغبين في دعوة محاميك يا سيدتي فهذا يوافق النظام تماماً، أليس كذلك؟ تساءلت إن كانت قد فهمتْ مدلول هذه الكلمات؟ من الواضح إنها لم تفهم. عبست و قالت: - لا أحب السيد جيتْسْكيل و لا أريده. - يمكنك أن تحضري محامياً خاصاً لك يا سيدة ليونايدز. - هل يجب علي ذلك؟ أنا لا أحب المحامين، إنهم مزعجون. تبسم تافيرنر و قال: - الأمر إليكِ، إذن فهل نواصل؟ أمسك الرقيب لامب بقلمه و جلست بريندا ليونايدز على الأريكة في مواجهة تافيرنر و سألته: - هل وجدتم شيئاً. لاحظت أن أصابعها كانت تعبث بعقدة في فستانها باضطراب. - نقول جازمين بأن زوجك قد تسمم بالإيسيرين و مات. - تقصد أن قطرة العين تلك قد قتلته؟ - من المؤكد أن السيد ليونايدز حين حُقن بتلك الإبرة الأخيرة تسمم؛ لأن ما فيها كان إيسيريناً لا أنسوليناً. - لم أكن أعلم ذلك. لا علاقة لي بهذا يا حضرة المفتش! حقيقة لم تكن لي أي علاقة! - إذن فلا بد من أن أحداً غيّر الأنسولين عمداً و عبأ الزجاجة بالقطرة. - يا له من عمل شرير! هل تظن أن أحداً قد فعلها عمداً أم أنه قد أخطأ؟ لا ينبغي المزاح هنا، أليس كذلك؟
|
#38
|
||||
|
||||
- لا نظن أنها كانت مزاحاً يا سيدتي.
- لعله أحد الخدم... لم يرد تافيرنر عليها. - لا بد... لا أرى شخصاً آخر يمكن أن يفعل ذلك. - هل أنت متأكدة؟ فكري يا سيدة ليونايدز، أليس عندك فكرة تفسر ما حدث؟ ألم يكن في البيت مشاعر غير ودّية؟ مشاجرات؟ أحقاد؟ حدقت إليه بعينين واسعتين جريئين، ثم قالت: - ليس عندي أية فكرة. - هل قلت إنك كنت في السينما ذلك المساء؟ - نعم، عدت في الساعة السادسة و النصف، وقت إبرة الأنسولين. حقنته الإبرة بهدوء ثم أصابته حالة غريبة. ارتعبت. اسرعت إلى روجر... و علا صوتها و جعلت تتكلم كأن الهستيريا أصابتها: لقد قلت لك كل هذا آنفاً، هل عليّ أن أعيد كل هذا مرة تلو الأخرى؟ - آسف يا سيدتي! و الآن هل أستطيع أن أكلم السيد براون؟ - لورانس؟ لماذا؟ إنه لا يعرف شيئاً في هذا الشأن. - لكني أريد أن أكلمه. حدقت فيه بارتياب: - إنه يدرّس يوستيس اللغة اللاتينية في غرفة الدرس، أتريده أن يأتي هنا؟ - لا، سوف نذهب إليه. خرج تافيرنر من الغرفة سريعاً و تبعته أنا و الرقيب. قال الرقيب لامب: - لقد أرعبتها يا سيدي! و صعدنا بضع درجات ثم سرنا في ممر و دخلنا غرفة كبيرة تُشرف على الحديقة و فيها طاولة. جلس وراء الطاولة شاب أشقر الشعر وسيم في الثلاثين من عمره، و فتى أسمر في السادسة عشرة. دخلنا عليهما فرفعا بصرهما إلينا. يوستيس، أخو صوفيا، نظر إلي، و نظر لورانس براون إلى رئيس المفتشين نظرة خوف. لم أرَ في حياتي رجلاً مشلولاً من الخوف مثله! وقف ثم جلس مرة أخرى. قال بصوت كأنه صرير: - أوه! صباح الخير يا حضرة المفتش.
|
#39
|
||||
|
||||
كان تافيرنر فظاً:
- صباح الخير. هل أستطيع التحدث إليك؟ - نعم، بالطبع، يسرني ذلك. نهض يوستيس و قال بمرح: - هل أمضي أنا يا حضرة المفتش؟ قال المعلم: - سوف... سوف نواصل دروسنا فيما بعد. خرج يوستيس مختالاً و عندما وصل الباب وقعت عينيه عليّ فتبسم ثم أغلق الباب وراءه. قال تافيرنر: - حسنا يا سيد براون. إن بيان المختبر جازم تماماً: الإيسيرين هو ما قتل السيد ليونايدز. - إنني... هل تقصد... أن السيد ليونايدز قد تسمم؟ كنت آمل... قال المفتش بغلظة: - لقد سُمِّم. شخص ما استبدل بالأنسولين قطرة الإيسيرين اللعين. - لا أصدق. لا أصدق! - من الذي أقدم على فعل ذلك؟ صرخ الشاب: - لا أحد. لا أحد بتاتاً. - هل تريد حضور محاميك؟ - ليس لي محامٍ... لا أريد محامياً. لا شيء عندي أخفيه... لا شيء! - ألا تعلم أن أقوالك تُدوّن؟ - أنا بريء، أقسم إنني لبرئ! - لم أقل بأنك مجرم. سكت تافيرنر قليلاً ثم أضاف قائلاً: - كانت السيدة ليونايدز أصغر من زوجها بستة عقود، أليس كذلك؟ - أظن ذلك... أقصد: نعم، هذا صحيح.
|
#40
|
||||
|
||||
- لا بد أنها كانت تضجر من الوحدة أحياناً؟
ظل لورانس صامتاً و لم يُجبه، فقط مرّر لسانه على شفتيها الجافتين. - إن وجود رفيق لها أصغر منها أو أكبر قليلاً يعيش هنا كان أمراً مناسباً، أليس كذلك؟ - إنني... لا، إطلاقاً... أقصد: لا أدري! - يبدو لي أنه من الطبيعي أن تنشأ بينكما علاقة. احتج الشاب بعنف: - كلا، لم يكن، لا شيء من ذلك. أعرف ما تفكر به، و لكنك واهم. كانت السيدة بريندا كريمة جداً معي و كنت أكنُّ احتراماً عظيماً لها، لا شيء أكثر من هذا. أؤكد لك ذلك، إنه أمر بشع أن تقول هذا! بشع! لم أقتل احداً، و لم أعبث بالزجاجات! إن مجرد فكرة القتل عندي كابوس رهيب. لو دخلتُ المحكمة فسوف يتفهّمون أن لدي دوافع دينية تمنعني أن أقترف القتل! لقد كنت أشتغل في المستشفيات و كنت قبلها أذكي النار في مراجل القطارات و هو عمل شاق لم أتحملْه، لكن الجيش أذن لي بالتعليم. لقد بذلت ما بوسعي من أجل يوستيس و جوزفين الطفلة الذكية و الصعبة، و كان كل واحد لطيفاً معي إلى أبعد حد: السيد ليونايدز و زوجته و الآنسة دي هافيلاند! و الآن يقع هذا الأمر الرهيب و أنت تشك فيّ، فيّ أنا... أنني قتلته؟ حملق المفتش تافيرنر إليه باهتمام و قال: - أنا لم أقل هذا. - لكنك تفكر فيه. أعلم أنك تفكر فيه، و هم جميعاً يفكرون فيه. إنهم ينظرون إلي... إنني لا أستطيع مواصلة حديثي معك! إنني متعب و متوتر الأعصاب! و ناطلق خارجاً من الغرفة. التفت تافيرنر إليّ: - حسنا؟ ماذا ترى فيه؟ - لقد خاف كثيراً! - نعم أعرف، لكن هل هو القاتل؟ قال الرقيب لامب: - أتدري يا سيدي؟ إنني أراه جباناً لا يجرؤ على ذلك أبداً. وافقة رئيس المفتشين: - إنه لن يضرب أحد على رأسه و لن يطلق رصاصة من مسدس. لكن ما عساه أن يفعل في هذه الجريمة السهلة؟ يعبث بزجاجتين فحسب، يُعِين رجلاً عجوزاً على الخلاص من هذه الدنيا بطريقة غير مؤلمة نسبياً.
|
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
راديو قصيمي نت | مطبخ قصيمي نت | قصص قصيمي نت | العاب قصيمي نت |