العاب اون لاين: العاب بلياردو | العاب سيارات | العاب دراجات | العاب طبخ | العاب تلبيس |العاب بنات |العاب توم وجيري | العاب قص الشعر |
للشكاوي والاستفسار واستعادة الرقم السري لعضوية قديمة مراسلة الإدارة مراسلتنا من هنا |
|
|
|
أدوات الموضوع | التقييم: | انواع عرض الموضوع |
#71
|
||||
|
||||
القصة التاسعة والثلاثون
لو كنت حصاناً عندما دخل سعيد إلى البيت، كان ملطخ الثياب بالوحل، وملوث الوجه أيضاً! نظرت أمّه إليه نظرة خاصة، فوقف مرتبكاً، قالت الأم: ـ "ماذا فعلت بنفسك؟! هيّا إلى الحمام". كان سعيد يكره الاستحمام كثيراً، وغالباً ماكان يهرب إلى اللعب، عندما يشعر أنّ موعد الاستحمام قد حان، فهو لا يطيق الصّابون؛ لأنّه يخرش عينيه، ويقرسه بقسوة. وكانت أم سعيدٍ تصبر عليه وهو ينطّ ويصرخ: ـ "لا أريد أن أستحم.. لا أريد لا أريد"… والآن عرف أنّه لا خلاص من الاستحمام، بعد أن لوّث وجهه ويديه وملابسه بالوحل!… دخل إلى الحمام وراح يحدث نفسه: ـ "لو كنت حصاناً صغيراً أنط وألعب حيث أشاء، أنام فوق الوحل الطري، أجري بسرعة كبيرة، أقضم العشب الغضّ، لا تجبرني أمي على الاستحمام، فلا يدخل الصابون في عيني، لكن لا.. لا لا أريد أن أكون حصاناً، فالحصان الصغير سيكبر، وسيجرّ عربة، ويحمل الأثقال. لقد رأيت حصاناً يجرّ عربة المازوت، والرجل يضربه بالسوط بقسوة! أنا لا أحبّ أن يضربني أحد! لو كنت كلباً صغيراً… لا… لا… لا أريد أن أكون كلباً، بعض الأولاد يعذبون الكلاب الصّغيرة، يشدّونها من آذانها، ويجرّونها من أذنابها! لقد شاهدت كلباً جائعاً يأكل من الفضلات المرمية في مجمع القمامة. أريد أن أكون نمراً قوياً لا أخاف من شيء….لا…لا…لا أريد… رأيت نمراً محبوساً في قفص في حديقة الحيوان، قال لي أبي: "لقد اصطاده رجل قوي ووضعه في هذه الحديقة". يمكن أن يطلق عليّ أحد الصيادين النّار فأموت… لا أريد أن أموت لا أريد". دخلت الأمّ وسعيد ما يزال واقفاً يحدّث نفسه! وكانت قد سمعت كل مانطق به منذ البداية… قالت: "ما بك أَلَمْ تخلع ملابسك بعد يا حصاني الصغير؟!".. ـ "حالاً…حالاً يا ماما، لكني أخاف الصّابون، إنّه يكوي عينيّ". قالت الأمّ مشجعة: ـ "لا تخف.. هيّا أغمض عينيك وتصوّر نفسك حصاناً صغيراً لطيفاً، أو جرّواً مهذباً، لكن إياك أن تتصور نفسك نمراً ذا مخالب طويلة وحادة تخبّئ الأوساخ تحتها، وتخيف رفاقك بها، فينفضون عنك".. خلع سعيد ملابسه، وأغمض عينيه بسرعة، رأى نفسه حصاناً صغيراً يجري بسرعة، ثمّ جرواً يلحس بلسانه يد أمّه، بينما كانت الأم قد غمرت جسده الطري برغوة الصابون كان سعيد يرغب أن يرى نفسه نمراً، وحين هَمَّ بتقليد صوت النمر، فتح فمه وعينيه، وشدّ أصابع يديه، صرخ بصوت قوي من لذع الصابون، وأطبق عينيه بقوّة؛ ضحكت الأم وقد قدّرت ما خطر لسعيد، فقالت بعد إزالة الصابون بالماء الفاتر: ـ "هل رأيت نفسك نمراً؟".. صمت ولم يجب، ثمّ فتح عينيه.. فركهما جيّداً، كان الماء منعشاً، سرّ سعيد وأخذ يلعب بالماء وتمنى أن يخرج إلى الساحة ليلعب مع رفاقه، ولم يرغب بعد ذلك أن يكون غير سعيد الإنسان، وتعلّم كيف لا يخاف من الصّابون!…
|
#72
|
||||
|
||||
القصة الأربعون
نشوان وألعابه جمع نشوان ألعابه، البطّة ذات العجلات، الكلب ذا الشعر الطويل والدّب صاحب معطف الفرو، والسَّيارة الحمراء والبيانو الصّغير. قال نشوان لألعابه: "الآن، نحن أصدقاء، سأعلمكم الرّقصَ، ثم نحتفل بصداقتنا".. قالت البطّة ذات العجلات: ـ "أنا بطّة لا أعرف غير السباحة، ولا أحبُّ غيرها..".. قال نشوان: "وهذه العجلات، ماذا تعملين بها؟".. قالت البطّة: "أسابق بها رفيقاتي". صاح الكلب ذو الشعر القصير: "وأنا أجلس هنا؛ أحرس أصدقائي، ولا أتقن غير ذلك…". هزّ الدّب معطَفهُ الثقيل قائلاً: ـ "وأنا لا أترك معطفي الثقيل؛ أخاف البرد كثيراً… ربما أصاب بالزكام". أطلقت السيارة الحمراء صوتاً طويلاً من مزمارها: "وأنا جاهزة لإطفاء الحرائق…". أمّا البيانو الصّغير فقد ظلّ صامتاً. قال نشوان: ـ "وأنت يا صاحب الصّوت الجميل… ماذا تقول؟".. ولم يقل البيانو الصّغير شيئاً… دهش نشوان من صمت البيانو، لكنه سرعان ما لاحظ مطرقتين صغيرتين جانب البيانو، أخذهما نشوان وطرق بهما طرقاً خفيفاً فوق صفائح البيانو الصغير فانبثقت أنغام عذبة، رقص الدّب والكلب ورقصت البطة، لكن السيارة راقبت سعادة أصدقائها بسرور، دون أن تطلق صوت مزمارها وبقي نشوان يعزف ألحاناً جميلة تبعث في النفس الفرح…
|
#73
|
||||
|
||||
القصة الواحدة والأربعون
ذات ليلة اعتادت عبير أن تنام باكراً، وذات ليلة لم تستطع أن تنام، وبقيت جالسة في سريرها، كان أخوتها ينامون إلى جانبها، نظرت إليها بودّ وفي نفسها تساؤل عن النّوم وسرّه: ـ "لماذا ينام النّاس؟.. ألا يستطيع المرء أن يبقى مستيقظاً؟".. نظرت من النّافذة؛ كان القمر يسكب ضوءاً رائعاً! قالت: "لماذا يسهر القمر كلّ الليالي؟".. ولما لم تجد أحداً مستيقظاً في مثل هذه الساعة، أزاحت الغطاء عنها، بهدوء وغادرت الغرفة، فقد شعرت أنها بحاجة إلى قليل من الماء، تسللت على رؤوس أصابع قدميها؛ حتى لا تزعج أحداً، لكنها دهشت حين وجدت أمّها جالسة تنسج الصوف، فسألتها: ـ "ماما.. لماذا لم تنامي بعد…؟."… قالت الأمّ: "شعرت أنّني لا أستطيع النوم، فجلست لأكمل هذه "الكنزة"…". عادت عبير إلى فراشها وبدأت تكلّم نفسها: ـ "القمر يسهر، يسكب ضوءه ليرشد الناس في الدروب البعيدة، ويسلّيهم لينسوا تعبهم"…. أمي تسهر لتنسج الصوف وتمنحنا الدّفء… وأنا أسهر وحيدة أفكّر في هذه الحياة الجميلة".. نامت عبير في ساعة متأخرة.. نامت نوماً عميقاً وحلمت أحلاماً جميلة…. وفي الصَّباح جاءت الأمّ ومسحت بيدها اللطيفة وجهَ عبير… فتحت عبير عينيها، كانت أمُّها تبتسم لها وتدعوها لتتناول الفطور، فالوقت يمرّ بسرعة.. نهضت عبير، نظرت من النّافذة، كانت الغيوم تغطي وجه السماء.. يبدو أنّ الشتاء يطرق الأبواب. تذكّرت ليلة البارحة، السماء الصافية بنجومها اللامعة، وقمرها الواسع المنير… قالت الأم: "الطقس تغيّر بسرعة، إنّه يميل إلى البرودة، لا تخرجي قبل أن ترتدي (كنزتك) الجديدة، عرفت عبير أنّ أمّها سهرت الليلة الماضية من أجل إنجاز هذه (الكنزة)!! كم كانت (الكنزة) جميلة!! لبست عبير كنزتها الجديدة، نظرت في المرآة، ابتسمت وتمتمت:"كم أنت جميلة يا كنزتي!" لكنها لم تنس أن تشكر أمّها. أشرق وجه الأم وهي ترى ابنتها ترتدي الكنزة، وفي المدرسة بدا التلاميذ يزهون بملابسهم الصوفية الجديدة، لم تقل عبير هذه المرّة: "كم أنت جميلة يا كنزتي!".. بل قالت: ـ "كم هي جميلة أيدي الأمهات التي حاكت هذه الكنزات، وأدركت أنّ كلّ الأمهات يسهرن مع القمر يصنعن شيئاً جميلاً…
|
#74
|
||||
|
||||
القصة الثانية والأربعون
الأقـوى بقلم الكاتب: د. موفق أبو طوق أربع سمكات ذهبية، وثلاث وردية، واثنتان حمراوان، وواحدة زرقاء.. جميعهنّ يسْبَحْنَ في حوض كبير، مياهه نقية لا تشوبها شائبة، وهواؤه دائم التبديل.. تغذّيه فقاعة هنا وفقاعات هناك!. وعلى قاعٍ مفروشٍ بالحصى؛ استقّرت قوقعة جميلة، تفتح فاها بين حين وآخر، وإلى جانبها ناعورة لطيفة.. تدور وتدور من غير توقّف!.. * * * كانت السمكات العشر يعشْنَ في هدوء وأمان، فلا شيء يعكّر صفوهنّ، أو ينغص حياتهنّ... كنّ متفاهمات في كل أمر، لا يتخاطَفْنَ الطعام الذي يُلقى إليهنّ، ولا يتزاحَمْنَ على الأماكن القريبة من الزجاج الشفّاف، ولا تعتدي إحداهن على الأخرى مهما يكن الخلاف في وجهات النظر!. كل شيء على ما يرام.. بل؛ كان على ما يرام!. إلى أن جاء صاحبهّن (عماد) ذات يوم، وألقى سمكةً جديدةً في الحوض؛ أتمّت عددهن إلى إحدى عشرة. كانت السمكة الجديدة سوداء اللون، كبيرة الحجم، تفوق في حجمها حجم اثنتين معاً!. وكانت شرسة الطباع، تهوى الإيذاء والاعتداء، لا تقنع بالقليل؛ ولا ترضى إلا بأكبر حصّة من كل شيء!!. يُلقى الطعام.. فتسبق الأخريات إلى التهامه، ولا تُبقي لتلك السمكات المسكينات غير النزر اليسير!. ولا تكتفي بذلك؛ بل تحول بينهنّ وبين مواضعَ تستأثر بها وتحرّمها على غيرها.. ثم لا تنفكّ تلطمهنّ بذيلها القوي، وتدفعهن بزعانفها الكبيرة، وتخدش أجسادهنّ بتلك النتوءات التي تملأ فمها المستدير!!. وعلى الرغم من أن السمكات أحسنّ ضيافتها، وحاولنَ إكرامها وإسعادها.. إلا أنها أصرّت على مواقفها المزعجة وتعاملها السيء.. وهي تردد على مسامعهن دائماً وبكل وقاحة: - ابتَعدْنَ عن طريقي.. أنا الأكبر والأقوى. - دعْنَ الطعام لي.. أنا الأكبر والأقوى. - إياكنّ وغضبي.. فأنا الأقوى، الأقوى، الأقوى!!. *** ومرت الأيام، والسمكة السوداء تزداد صلافة وشراسة، والسمكات الأخريات يزدَدْنَ ضعفاً وخوفاً.. وكنّ كثيراً ما يلجأن إلى السمكة الزرقاء... لأنها أقدمهنّ عهداً وأكثرهنّ حكمة.. كنّ يطلبْنَ منها المساعدة والنصيحة، فتنظر إليهنّ بإشفاق، وتتمتم بكلمات قليلة لا تزيد ولا تنقص: - انتظرْنَ يوم التبديل. ولم تدرك السمكات الصغيرات ما تقصده الزرقاء!!.. مع ذلك لم يتوقّفْنَ عن استعطافها، خاصة عندما تمعن تلك الكبيرة في إيذائهن، فتكرّر قولها نفسه: - ترقّبْنَ يوم التبديل!. وعندما أصرّت السمكات على معرفة ما تعنيه هذه الكلمات؛ أضافت: - يومئذ.. يعرف كلٌّ منا حجمَه وقوّتَه!!. *** جميعهنّ ينتظرنَ ذلك اليوم، وهنّ -في الوقت نفسه- لا يعرفْنَ ماذا سيجري!!. وجاء يوم الجمعة، وأقبل عماد كعادته كي يبدّل الماء القديم.. فتح مصرفاً في أسفل الحوض، فتدفق الماء خارجاً، وبدأ مستواه يهبط شيئاً فشيئاً. السمكات جميعاً -باستثناء السوداء- اعتدْنَ هذا الأمر، فهو يتكرر كل أسبوع، وعماد يترك لهن في أسفل الحوض ما يكفي من الماء، ريثما يمسح -هو- الزجاج، وينظف الحصى، ويدلك القوقعة والناعورة. ينخفض الماء أكثر فأكثر، والسمكات الصغيرات لا يأْبَهْنَ لذلك.. السمكة السوداء وحدها بدأت تشعر بالقلق!. أدركت أن أمراً غير طبيعي يجري هنا... أمراً لم تعتد عليه ولم تره من قبل!!. لقد هبط الماء حتى وصل إلى زعنفتها الظهرية، بل ها هو ذا ينزل وينزل حتى يلامس ظهرها المقوّس، آه.. ضحالة الماء لا تليق بحجمها الكبير، غلاصمها لا تجد كفايتها فيما يغمرها منه!.. تكاد تختنق، تجد صعوبة بالغة في التنفس، تميل بجسمها علّها تبقى تحت سطح الماء، تشعر بالخوف الشديد!!. أنقذْنَني أيتها السمكات العزيزات.. أنْقذْنَني!. تلطم بذيلها القاع، تضرب بزعانفها الحصى، ارتطامها يزداد أكثر فأكثر.. أنقذنني، أنقذْنَني.. إني أختنق!!!.. *** السمكات الأخريات يسبَحْنَ بحريّة، يتنفّسْنَ بيسْر، فالماء المتبقي ملائم لأحجامهن الصغيرة!!. لكنهن عندما أحسَسْنَ بما تعانيه زميلتهن الكبيرة، نسين كل ما فعلته، وتغاضين عن إساءتها، وأسرعن إلى فتحة المصرف يحاولنّ سدّها بأجسامهن الصغيرة!. لكن محاولتهن باءت بالفشل، فالماء يتسرّب بسرعة، ويكاد يلحق بهنّ أذى. وطال الوقت، وعماد منهمك في تنظيف الحوض، غير آبه بالسمكة التي أشرفت على الهلاك.. في اللحظات الأخيرة؛ فطن إليها.. أسرع في سكب الماء، فارتفع مستواه وعادت السمكة ثانية إلى حركتها الطبيعية، وهي تلهث.. بعد أن أعياها التعب، وهدّ قواها الخوف. *** ومنذ ذلك الحين، والسمكة الكبيرة تعامل الأخريات أطيبَ معاملة، فقد تلقّت درساً لن تنساه، درساً علّمها حقائق الحياة.. فهل عرفتم هذه الحقائق.. أيها الأصدقاء الصغار!!
|
#75
|
||||
|
||||
القصة الثالثة والأربعون
حكاية المهر"دحنون" بقلم الكاتب: موفق نادر منذ أن ولد المهر الأحمر امتلأت الدار بالفرحة وكأنَّ عرساً يدور فيها، فكنت ترى الناس يروحون ويجيئون، وكلهم يريدون أن يروا هذا المهر الذي يشبه لون زهر"الدحنون" فعلاً ذلك الزهر المعروف جداً في سهول فلسطين، حتى أن الشمس لحظة شروقها على تلك السهول تبدو واحدة من زهور الدحنون الحمراء! قال أبي: نسميه دحنون ومن يومها كلما سمع اسمه رفع أذنيه، وأرهف السمع، شاعراً بمحبة الناس له وبخاصة الصغار، فكان يقترب منهم ويبدأ يشم أصابعهم الصغيرة بفمه الدافئ. وهم يربّتون على غرة بيضاء في جبينه، ويمسحون شعر عرفه الأشقر. مرة، حينما رأى أخي الصغير يتدحرج فوق المرج الأخضر جاء المهر"دحنون" وانبطح إلى جانبه وهو يصهل وكأنه يقول: هيا نكمل اللعبة! هكذا بدا لنا جميعاً أن المهر أليف وقريب إلى قلوبنا جميعاً حتى أننا أحسسنا بغيابه حين كان يرافق أمه إلى الحقل أيام الحراثة فننتظر عودته بشوق ولهفة! كنا نراه يمرق من أمامنا مثل سهم ثم يعود ليتوقف قليلاً بالقرب منا، وقد ينحني ليقضم خصلة من العشب النامي قرب الجدار، ثم يرفع رأسه فجأة وينطلق راكضاً وكأنه يرقص منقّلاً قوائمه بأسلوب غريب لا تتقنه إلاّ الخيول الأصيلة! وقد سمعت أبي يشهد أن هذا المهر الرائع ينتمي إلى سلالة أصيلة فعلاً ثم راح يسمّي عدداً من أجداد"دحنون" ويذكر أسماء الفرسان الذين خاضوا حروباً قاسية على صهوات تلك الخيول الرائعة ضد العدو التركي ثم الإنجليزي أيام الثورات التي مضت. لكن، يا بني-قال أبي- كم تغيّرت الأحوال: وظروف العمل فرضت علينا أن نروّض هذه الخيول الأصيلة لتساعدنا في أعمالنا الزراعية، هذا محزن حقا ولكن أعتقد أنه لا حيلة لنا! وروى أبي كيف أن فرساً من هذه الخيول، بيضاء مثل حمامة، حين سقط فارسها في مواجهة مع المحتلين الإنجليز عند إحدى قرى الجليل، حاولت أن تنهضه، فراحت تلمس صدره بفمها، وحين شعرت أن حرارة الروح قد فارقت جسده، وأنه لن ينهض بعد وقفت عند رأسه وبدأت تذرف الدمع! نعم، حين وصل الناس رأوا ثياب الشهيد مبللة بالدم ثم بدموع فرسه الأصيلة. شيء واحد كان يبدو غريباً لنا هو أن هذا المهر تتغير ملامحه سريعاً، فقد بدأ وبره الناعم كالزغب يتساقط بعد شهور قليلة من ولادته ويظهر تحته شعر خشن لامع يجعل لونه أكثر سطوعاً. وصارت قوائمه تطول حتى صار صعباً على بعضنا أن نلمس ظهره الممتلئ، وما عدنا نتجرّأ على أن نقترب منه كثيراً، فقد صار لعبه أكثر خشونة من قبل، وكنا نخشى أن يدوس أرجلنا بحوافره التي غدت قاسية جداً. لكن هذا كله لم ينقص من حبنا له وتعلّقنا به، وهو يشعر بذلك حتى أنه صار يترك أمه فلا يبقى ملتصقاً بها كظلها، ويتبعنا إذا ناديناه حين نذهب إلى الكرم القريب أو البيدر فيبدأ ركضه وإظهار براعته ذهاباً وإياباً، وكلما مرَّ بنا صهل وحمحم وكأنه يقول: هل ترون قوتي؟! وأكثر ما كان يبهج"دحنون" على ما يبدو هو موسم الحراثة وبخاصة أرضنا التي في سفح التل، فما إن يصل الموكب المؤلف من أمه وعدة الحراثة إلى هناك، ويرى الأرض الممتدة حوله حتى يبدو في أقصى فرحته ونشاطه، فيبدأ الركض في كل اتجاه، وكم يفرحه أن يرى الكلب يهرب أمامه فيزيد من سرعته حتى يوشك أن يدوسه فيملأ قلبه بالرعب ويعوي مذعوراً وهو يقذف بنفسه خلف شجيرة أو صخرة. وسألت أبي مرة: ألا يتعب"دحنون" من كل هذا الركض؟! فابتسم.. : يا بني، الخيول العربية مخلوقات قوية، وهي تحتاج إلى الحركة والنشاط لتنمو أجسادها جيداً، فيظل عندها رغبة للانطلاق والجموح! حين جلس أبي عند المصطبة في المساء قال لأمي: أنا سعيد جداً بهذا المهر، إنه يبدو قوياً متين البنية وأريده أن يحلّ قريباً مكان أمه التي بدأت تهرم ويحب أن ترتاح، إنَّ أرضنا العالية تحتاج حراثتها إلى حصان قوي وأعتقد أن"دحنون" هو ذلك البطل! - ولكن، هل تعتقد أن ترويضه سيكون سهلاً؟ إنه يبدو متوحشاً جامحاً مثل حصان برّي! - طبعاً، ليس الأمر سهلاً: أتنسين كم صبرنا على عناد أمه يوم بدأت الحراثة؟ أتذكرين كم من المحاريث حطّمت؟! فلابد من الصبر على كل حال. منذ الموسم القادم سأبدأ تدريبه، لكن ليس هذا ما يشغل بالي إنني مستعدّ أن أروّض كل خيول الأرض، نعم، كلها، أهون عليّ من أن يحدث ذلك الذي أخشاه! - لقد أقلقتني، قالت أمي، هل حدث مكروه؟ - ومن غيرهم، أبناء الشياطين.؟! بالأمس وصلوا بسياراتهم المصفحة حتى حدود كرمنا. ثم جرّوا أسلحتهم حتى قمة التلة وهم يتلفتون مثل المجانين ويسألون كلّ واحد من أصحاب الأراضي أن يريهم أوراق ملكيته لأرضه. - هكذا إذاً؟! - وأنت تعرفين بقيّة الحكاية، يأتون بجرّافاتهم، ثم المواجهات والدم! - لكن ألم يكفهم ما نهبوه من البيوت والأراضي، أين قرانا التي كانت بالأمس فقط تملأ السفوح؟ وفجأة صارت مستوطنات لهم ولنا فقط فوّهات الرشاشات والتعذيب.. يا إلهي..! - الحمد لله على كل حال، أيّ يوم يمرّ فلا نشيّع فيه شهيداً؟ حتى صارت قبور الشهداء أكثر من أشجار البرتقال في جبال الجليل وسفوح يافا! لم يكن"دحنون"، الذي كبر ورغم ذلك ظللنا ندعوه مهراً، لم يكن مشاكساً وعنيداً جداً، كما توقعنا، عندما شُدَّ إلى المحراث أول مرة، صحيح أنه رفس الأرض بقائمته حين وضعنا النير حول عنقه، وهزّه بقوة يريد أن يسقطه ليظل حرّاً كما اعتاد لكن أبي ربّت على عنقه. ومسح جبينه وراح يقبلّه بين عينيه وهو يقول له مثلما يهمس لصديق حميم: إهدأ يا مبارك، هُسْ يا أصيل! أتعتقدون أن"دحنون" يفهم كلامنا؟! فقد راح المهر ينقل بصره بيننا وبين أمه التي كانت ترعى العشب في طرف الحقل القريب، وحينما صهلت ونظرت إليه، حمحم واستكان سائراً وراء أبي، بينما أمسك عمّي بالمحراث وراح يسنده بخفّة ويوجهه محاولاً منع السكة أن تنغرس عميقة في الأرض. لقد كان أبي سعيداً جداً بهذا الحصان الفتيّ القوي وهو يرى عضلات صدره تكشف عن بنيته الصلبة وقدرته الأكيدة! لكن الحصان رغم هذا المظهر لم ينس ميله إلى اللعب، فقد ظلّ إلى الآن كلما رأى طفلاً صغيراً مدَّ عنقه الطويل وراح يتمسّح به ويداعبه، فكان الصغار لا يخافونه أبداً، ويحبّون جداً الاقتراب منه، حتى كان أبي يضطر أحياناً إلى أن يبعدهم عنه صائحاً: احذر يا ولد! هيه أنت ابتعد دع الحصان يأكل ألا ترى أنه متعب؟ الآن فقط انتهى من الحرث!. شيء واحد كنّا نخشاه، ونحسب له ألف حساب، رغم أنه كان متوقعاً في أية لحظة، هو أن يجيء الصهاينة الجنود إلى كرمنا بينما"دحنون" موجود هناك! لقد كان هذا المهر منذ صغره يذعر كلما رأى أحداً منهم أو لمح واحدة من سياراتهم فيبدأ الركض حتى يغيب عن الأنظار، ولا يعود إلاّ بعد ذهاب الجنود الأعداء، ولكننا لم نفطن إلى أنه ينفر منهم كل هذا النفور إلاّ بعد أن كبر فصار يجنّ جنونه عند رؤيتهم فيبدأ ينخر ويحمحم، ثم يدور في مكانه أو يقف على قائمتيه الخلفيتين صاهلاً صهيلاً مخيفاً، حتى أن جندياً صهيونياً شاباً، يضع نظارة سميكة حينما رأى الحصان هكذا ما عاد يفعل شيئاً وقد جمد في مكانه لحظات ثم قفل عائداً إلى السيارة المصفحة وهو يقول: عربي!! كلما مرّ الجنود بكرمنا في سفح التل كان لابدّ أن تحدث مشكلة، ولهذا فقد كان أبي دائماً يحذر أن يحدث ذلك بينما"دحنون" مشدود إلى المحراث، فأوصانا أن نخبره قبل وصول الجنود ليسارع إلى حلّ المحراث عن الحصان وأخذه بعيداً عن الأنظار إلى زاوية من زوايا الكرم حيث تنمو الأعشاب البرّية التي يحبّها جداً، ويبدأ بقضمها بشهية واضحة منذ وصوله إليها، فلا يرفع رأسه إلاّ إذا سمع صوتاً مباغتاً كأنْ يزقزق عصفور في الشجرة القريبة، أو ينبح كلب في الكرم المجاور، فيرهف الحصان أذنيه لحظة ثم يعود ليأكل من العشب مطمئناً. كل هذه الأشياء تبدو بسيطة، بل عادية، أما أن يجعلنا"دحنون" نذهب إلى قيادة"البوليس" وأن نتعرّض للسجن وزمجرة رجال الشرطة وتهديداتهم الوقحة، فهذا لم يخطر لنا ببال! وأكثر من ذلك أن أبي أمضى شهوراً طويلة في السجن قبل أن يستطيع المحامي أن يجعلهم يفرجون عنه بعد دفع مبلغاً كبيراً من المال كل ذلك يبدو قريباً إلى الخيال رغم أن الصهاينة يسجنون العرب بسبب ومن غير سبب، ومع ذلك يبقى الذي حدث غريباً جداً! كان صباحاً رائعاً من أيام الربيع، رطباً حتى أن غمامات راحت تنتشر قريبة من الأرض، فتملأ زوايا الكروم والبيارات بجوّ منعش من برودة الصباح، راحت هذه الغيمات، تنثّ رذاذاً ناعماً كان يلمس وجوهنا وأيدينا برقة قبل أن تصعد الشمس من مخبئها وراء الأفق فتغسل الأرض والأشجار بنورها البهيّ. وكان أبي منذ الفجر قد خرج بالحصان، فشدّ إليه المحراث وبدأت الخطوط الحمراء الزاهية تزداد سريعاً بين أشجار البرتقال والزيتون، ومن بعيد كنت تسمع صوت أبي وهو يوجّه الحصان: "دحنون" ثلمك! أو عشت دحنون، الله يعينك" ثم تسمعه ينشد مقاطع من أهزوجته المحبوبة التي يغنيها بصوته القاسي دائماً كلما راح يحصد الغلال أو يحرث الأرض أي حينما يشعر أنه يتحد بهذه الطبيعة الرائعة، طبيعة أرض الآباء والأجداد. وحينما كان يصلنا صوته وهو يردد: " يا ديرتي ما لكْ علينا لومْ.. لا تعتبي لومكْ على من خانْ" نشعر أن الحقول تردد صدى صوته الحزين دفعة واحدة. لم يستطع أبي ذلك اليوم أن يميّز وسط الضباب أو يرى الجنود القادمين، ولم يسمع كذلك هدير السيارة المصفحة التي تركوها عند أول السفح، وما كان أحد منّا قادراً على أن يصل إلى أبي ليحذره ليسارع إلى حلّ عُدّة الحرث عن الحصان! فما أحسّ إلاّ والجنود يحيطون به وهم يتمنطقون برشاشاتهم، بينما اعتمروا خوذاً مكسوّة بقماش مموّه بألوان كثيرة تشبه أرضاً مفروشة بزهر مهروس، فبدوا وكأنهم ذاهبون لاحتلال جبهة من جبهات القتال: ارتعش قلب أبي فجأة حين رآهم، وشدّ بكلتا يديه على الحبل الذي يوجّه به الحصان علّه ينقذ الموقف! لكن الوقت على ذلك كان قد انتهى، ففي لحظة كرفّة الجفن كان"دحنون" قد قفز إلى الأعلى واقفاً على قائمتيه الخلفيتين ثم بدأ يرفس الهواء، ثم يهبط ويرمح مرةً، مرتين.. فإذا المحراث يتفكك ويتطاير قطعاً رغم أنه من الخشب القوي! كان صوت صهيله يملأ البرية فيبدو مخيفاً مثل ذئب ضخم شرس حتى أن الجنود سارعوا إلى الاختباء خلف الأشجار البعيدة لكن هذا لم يُرضِ الحصان الغاضب فانفلت يركض بين الأشجار، يدور ويدور وكأنه يطارد أشباحاً لا نراها.. ثم غاب فجأة حتى أن قائد الدورية تجرّأ وتقدّم من أبي ثم راح يسأله أسئلته المعتادة وهو يشير ببندقيته نحوه، لكن عينيّ الضابط الصهيوني ظلّتا تنظران إلى الجهة التي غاب فيها الحصان وكأنه يخشى شيئاً لا يعرفه. وقد كان ظنّه صادقاً فقد ظهر "دحنون" قادماً مثل السهم، وقبل أن يهمّ الضابط بالعودة إلى مخبئه خلف الشجرة كان يعلو في الهواء ويطير الرشاش من يده حين صدمه الحصان برأسه وكأنه أحسّ الخطر الذي يتهدد صاحبه. سقط الصهيوني مرتطماً بالأرض بلا حراك فبدا وكأنه كيس من القنّب، وسمعنا صوت تلقيم الرشاشات من خلف الأشجار لكن الحصان طار مثل عاصفة حمراء وغاب خلف الربوة، ولم يستطع أحد من الجنود أن يصيبه ولو بطلقة من رصاصاتهم الكثيرة التي صُوّبت إليه، ومعها انخلعت قلوبنا خوفاً! وهكذا انتهت الحفلة، غاب الحصان، واقتيد أبي إلى السجن بتهمة أنه علّم الحصان أن يكره الصهاينة، وصار المحراث حزمة من عصيّ عدنا بها إلى البيت مساءً. ومن يومها أُضيفت مهمة جديدة إلى جنود الدوريات فصاروا، إضافة إلى بحثهم عن الفدائيين وعن الأطفال من راجمي الحجارة، صاروا اليوم يسألون عن الحصان حتى أنهم حفظوا اسمه فكانوا كلما جاؤوا يبدؤون بسؤال غريب مضحك: هيا قولوا أين"دخنون"! ثم يروحون يقلبون الأثاث ويبحثون كما لو أنه قطعة حلوى يسهل إخفاؤها. ولكن الحصان لم يعد حتى الآن، وأبي بعد أن عاد من سجنه الطويل حدّثنا إنه في ليالي الشتاء المظلمة كان كلُّ مَنْ في السجن يسمعون صهيلاً يملأ الجوّ. فيتراكض السّجانون والجنود، ولكنهم لا يجدون شيئاً، أما نحن فلا نزال حتى اليوم، وكلّما حلَّ الربيع، وامتلأت السفوح بزهور الدحنون الحمراء نهمّ لنجمع منه باقات كثيرة لكن دوريات العدد المنتشرة كانت تصادرها منا ونحن نسمعهم يقولون: "دخنون" ممنوع!
|
#76
|
||||
|
||||
القصة الرابعة والأربعون
حديقة الألحان بقلم الكاتب: خير الدين عبيد فكّت أنغام جديلتها، أطفأت المصباح، واندسّت في فراشها، كقطّة صغيرة. في المنام، رأت نفسها في حديقة بيتها، فجاءها طائر الكروان، وحطّ على شجرة الورد ثمّ شدا قائلاً: - مرحباً أيتّها الحلوة، ماذا تفعلين في الحديقة؟ نظرت أنغام حولها، فشاهدت على شجرة الورد، طائراً ذا ريش ملوّن جميل ابتسمت له وقالت: - أنا آكل البوظة، تفضّل، الحس، إنها لذيذة ومدّت إليه يدها. - شكراً لكِ، الثلّج يؤثّر على حنجرتي، وأخشى أن يبحّ صوتي. - إذا سمحت، غرّد قليلاً، أنا أحبّ صوت الطيور. حرّك الكروان حنجرته، وشدا، فتمايلت أغصان الوردة طرباً، صفقت أنغام ناسية البوظة فسقطت على الأرض، وذابت. توقف الكروان، وقال: - أأعجبك تغريدي؟ -الله... إنه رائع، ولكن أين تعلمت الغناء؟ - تعلمته في حديقة الألحان! - وهل أستطيع أن أتعرّف إليها؟ - بالتأكيد... إنها حديقة رائعة. ثمّ رفع الكروان رأسه إلى السّماء، وشدا بصوت عال، فجاء سرب من الكروان، يحمل سلّة قشّ صغيرة، مربوطة بخيوط ملوّنة، وقد أمسك كلّ كروان طرف خيط بمنقاره. هبطت الكراوين بالسّلة، نطّت أنغام وجلست فيها، بينما وقف صديقها الطائر على كتفها، ثمّ طرن بها نحو السماء. شاهدت أنغام أطفالاً يلعبون على أسطحة البيوت، كانوا صغاراً كالدمى بينما بدا النهر مثل خيط أزرق. مرّ السرب على غيمة بيضاء، فحاولت أن تكمش بيدها قطعة صغيرة، لكنّها لم تستطع، لأن ذرّات البخار، كانت تفرّ من بين أصابعها، كالماء. وصل السرب إلى الحديقة، أعطى الكروان أوامره بالنزول، فهبطت، قفزت أنغام من السلّة شكرت الكراوين، وسارت نحو مدخل الحديقة. كانت حديقة الألحان، مسوّرة بأعواد القصب الصفراء، بينما كان الطريق مفروشاً بأزاهير بيضاء، أمّا الأزاهير الحمراء، فقد شكلّت خمسة خطوط متوازية. سألت أنغام الكروان: - ما هذه الخطوط، أيّها الصديق؟ - إنها المدرج الموسيقي! دخلا الحديقة، فرحت الأشجار واهتزّت مصدرة أصواتاً حلوةً ناعمة. رفعت أنغام عينيها، فشاهدت أعداداً كبيرة من الأجراس، معلقة على الأشجار، سألت دهشةً: - لماذا تحمل الأشجار أجراساً؟ ابتسم الكروان وقال: - لكي تشارك الطيور في ألحانها. وصلت أنغام إلى ساحة الحديقة، والكروان ما يزال يقف على كتفها، فتوقفت فجأة أمام نصب كبير، له شكل غريب، التفتت إلى صديقها وسألته: - ما هذا الشكّل؟ - إنه مفتاح صول!! جلست أنغام على مقعد خشبي، وراحت تتأمّل بإعجاب، ذاك المفتاح الجميل. فجأة، سمعت صوتاً حزيناً، كصوت أمّها، ينبعث من ورائها، التفتت نحوه فشاهدت آلة الكمان، تقف على حافة بركة ماء، تحرّك قوسها فوق أوتارها وتصدر لحناً شجيّاً. طار الكروان إليها، وقف على قوسها، وسألها مستفسراً: - لماذا تعزفين بمفردك يا صديقي... أين العود والطبلة؟ تأوّهت الكمان، وأجابت: - في الصباح، عندما طرتِ إلى المدينة، جاء العود وأهانني! - العود؟! - نعم.. اتهمّني بأن زندي قصير، وأوتاري أربعة، بينما يملك هو خمسة أوتار. - وماذا أجبته؟ - قلت، إن الإبداع لا يتعلق بكثرة الأوتار وقلّتها، فأنا أصدر طبقات صوتية عالية، لا يستطيع غيري، وإن كان له ستة أوتار، أن يصدرها. تنهّد القوس قائلاً: - واللّه، أيّها الكروان الحبيب، لو لم تمنعني الكمان، لألهبت ظهر العود ضرباً. نظر الكروان إلى القوس، وقال: - لا يا قوس، يجب ألاّ نقابل الإساءة بمثلها. ثمّ طار الكروان، واختفى بين الأشجار، وبعد مدّة قصيرة، عاد بصحبة العود والطبلة. اعتذر العود من صديقته الكمان، وأهداها ميدالية، على شكل مفتاح صول صغير. دقّ قلب الطبلة، وأصدرت ضربات فرحة، ثم قالت: - لن تختلفا بعد اليوم، فأنا سأضبط إيقاعيكما. عزفت الآلات، وشدا الكروان. اهتزت الأجراس، حام الفراش، وزقزقت العصافير. فتحت أنغام عينيها، نظرت حولها، فلم تجد الحديقة، لكنّ صدى الألحان بقي يرنّ في أذنيها الصغيرتين.
|
#77
|
||||
|
||||
شكرا على الجهود الجبارة
عندي اقتراح لو يتم نقل هذا الرابط لقسم عالم الطفل لافادة الامهات
|
#78
|
|||||||||||||||||||||||||
|
|||||||||||||||||||||||||
أثمن مداخلتكِ المميزة لهذا الموضوع ولحرصكِ على قسم عالم الطفل. ولكن هل المقصود من الاقتراح نسخ الرابط في قسم عالم الطفل مع بقاء الموضوع مكانه في قسم القصص والروايات؟
|
#79
|
||||
|
||||
هذا ما قصدته فعلا
ليتمكن الامهات من الاطلاع على الرابط والاستفادة من القصص
|
#80
|
||||
|
||||
القصة الخامسة والأربعون
متعة الحياة بقلم الكاتب: يحيى الصوفي تعبت البذرة من البحث عن قطرة ماء، طافت الصحراء تزروها الرياح لأكثر من ألف عام، فتأخذ بها ذات اليمين وذات الشمال، قطعت وهي معلقة بوبر الجمال المدن الكثيرة، شاركت بمعارك الفرسان، وبأفراح العرائس وبالجنازات الملفوفة بالأكفان، سمعتهم يتحدثون عن الحياة ...عن الحب...عن الموت ... عن الأحزان ؟ ! ملت الترحال وهي تلتهم تارة مخلوطة بطعام القطعان....ليتخلصوا منها بعد ذلك مع البراز في أرض جديدة خاوية من كل إنسان... سئمت حياة الترحال ...رغبت بتذوق طعم الأمان... طعم الحياة، فاقتربت ذات صباح من نبتة صبار ترجوها قطرة ماء، هزتها وهي أسيرة أشواكها صائحة: -أرجوك قطرة ماء؟...من الندى الفائض بين إبرك السمحة علني اعرف الاستقرار ! نظرت ثمرة الصبار مستغربة منها وقالت: -أتستعجلين على الحياة ؟ ألا تعرفين بأنك ستلتصقين بعدها بالأرض وتفقدين حرية القرار بالترحال عبر البوادي والتجوال بين الأمصار ؟ ! وقبل أن تجيبها بالإيجاب سقطت فوقها قطرة من ندى فانزلقت بها إلى ثغرة بسيطة بين الحصى والرمال وبدأت تشعر ببعض الانتفاخ، فضحكت من منظرها الغريب وقالت: - أخيرا سأستدل على أصلي ونوعي... أخيرا سأتذوق طعم الحياة !. نظرت ثمرة الصبار إليها بحزن وقالت: - إنها بداية النهاية يا عزيزتي فلا تتعجلي ! قاطعتها البذرة وقد أخذت بالانفلاق و تخلصت من غلافها وبدأت تمد بالأرض جذورها بفرح: - بداية أم نهاية فأنت ولا شك تدركين تلك المتعة الفائقة التي تحل بنا ونحن نمر بتلك المراحل من التحول... مررت بلا شك باللذة التي تحتكرين؟. أجابتها ثمرة الصبار مستغربة: - لأجل هذا تستعجلين ؟ إلى الموت بعد أن كنت تحتفظين بالحياة منذ آلاف السنين ؟ !. أجابتها البذرة وهي تمد سيقانها بافتخار وغرور: - احتفظ بالحياة ولكن لم أذقها !....لم أذق متعة التربة تحتضني بدفئها... لم أتمتع بقطرات الماء تسري في الخلايا والعروق.... لم أتعرف على أنواع المعادن والفيتامينات ولا ثاني أكسيد الكربون ولا الأكسجين... ولا بدغدغة الفراشات تستثير زهوري البهية ولا بغناء الطيور... ولا حتى بدفء الشمس عند الشروق لتغمرني بالحنان ولا بالنسمات العليلة تهز علي الأغصان... بكل بساطة لم أكن إلا بذرة تافهة ؟. تفاجأت ثمرة الصبار من حماسها للحياة وقالت: - ولكن أنت تدركين بأنك بعد كل هذا ستذبلين وتموتين وما الحياة التي تأملين إلا بضع ساعات لا تتجاوز دورة يوم واحدة هل فهمت ؟ ألا زلت بهذه التجربة تتمسكين ؟ !. ابتسمت البذرة وقد أصبحت نبتة كاملة تحمل بين أغصانها الزهور وبعض من الثمار التي عقدت وقد حوت في بطنها البذور وقالت بغرور: - أنها الحياة يا عزيزتي... أنها بكل بساطة هي الحياة وبعد أن كنت بذرة بسيطة وحيدة لا نفع منها ها أنا ذا استمتع بها وأطعم وانثر بعد موتي الحياة الجديدة محفوظة ليوم موعود . ثم تابعت وهي تهتز بفرح وقد شعرت بأوصالها ترتخي وببعض أغصانها الذبول: - أنا لم أتذوق الحياة بكل عطائها فقط ها أنا اترك بعض مني للأجيال القادمة لأحمل لكل جائع بعض من طعام... ولكل عاشق بعض من الفرح والسرور... أنها الحياة بكل ما فيها أعيشها فلا عتب بعد الذبول ولا ندم مهما ضاع منا في بطون السحالي أو الطيور... ومهما جمع منا في القبور... سيبقى بعض منا - مهما تعاقبت الأيام والسنين- يعيش الحياة ثم يعطها بكل ما تحمله من أمل وشقاء وسعادة وحبور. -------------------------
|
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 3 ( الأعضاء 0 والزوار 3) | |
|
|
راديو قصيمي نت | مطبخ قصيمي نت | قصص قصيمي نت | العاب قصيمي نت |