العاب اون لاين: العاب بلياردو | العاب سيارات | العاب دراجات | العاب طبخ | العاب تلبيس |العاب بنات |العاب توم وجيري | العاب قص الشعر |
للشكاوي والاستفسار واستعادة الرقم السري لعضوية قديمة مراسلة الإدارة مراسلتنا من هنا |
|
|
|
أدوات الموضوع | تقييم الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#11
|
||||
|
||||
كلامك جميل ورائع سيدي الكريم ولكن أصحاب هذا الاعلام من علية القوم!!!!!!!!! في كل دول المنطقه ولن نستطيع إلاستنكار إلا بالكلمه وهذا أضعف الايمان يجب أن يكون للمؤسسات الدينيه أثرٌ في محاربة هذا الاعلام الذي شوه كل معاني العقيده السمحه في نظر العامه. وأصبح مفهوم الحياة عندهم,,, لعبُ ولهو هناك خطوط حمراء وسياج لايمكن أن تتقطع إلأ بحبل من الله ثم بعزيمة الرجال أكتفي بهذا القدر لكي لا ألج في ماليس لي . بارك الله فيك
|
#12
|
||||
|
||||
أبــو حمــزة المهــاجر سيدي لأبدا بعقيبي بقول آميــــــــن لدعائك ، ومن ثم كل عام وأنتم بخير سيدي الكريــمـ .. أما بخصوص محبي الصور والطرق الجنسيــة فجعلوها شغلهم الشاغل وكأنه أتى برأس أبى زيــد .. ومن على شاكلتهم فهم بين إثنيـــن الأول : تافــه .. ويحيا حياة التافهيــن ، ينطبق عليه القول إذا حضرَ لا يُعد وإن غابَ لا يفتقــد ، وهؤلاء لا حسرة عليهــمـ أعانهم الله في يوم تقوم فيه الأشهـاد على أنفسهم . الثاني : ما زال كريستالٌ لم يُصقل ، حيث أنه يعيش حر نفسـه ولكــنه مرة إلى هؤلاء وأخرى إلى هؤلاء ، لم يترسخ في نفسه الهدف والمبدأ ، وهذا النوع يحتاج دليل ودليله واجب أن يكون في مصاف القادة ، فهو لا يسمع إلا من تغلب عليه بالحجـة وزينها بالأدب الجمـ ، وهؤلاء قلــة ولكــنهم في عملهم وفعلهم قوة .. الشــــــاهد تدبر النوع الثانـي من الناس وعامل كل الناس كما تعامل النوع الثانــي فربما كان حولك وأنت لا تعلم به ، عندها سيصفو الذهب من كدره وسيخرج لك المعدن الأصيل من العصيـل وتعود الفائدة عليــك أولاً ثم من دللتهُ على الطريق القويــمـ .. سيدي .. إني والله لأرجــوا أن تفهمت ما أعنــي وهو مربوطٌ ربط كامل بالجهاد في سبيل الله تبارك وتعالـى ، فحاول إن فهمت قصدي أن تفعل ما أشرتُ عليك تفضلاً لا أمرا .. وسترى بأم عينك ما تقرُ به نفسك وتقبل كل الشكر الجزيـل والإحتـرام الوافـر ..
|
#13
|
||||
|
||||
الــوافي 3 سيدي الحبيب قد قلتَ الحق يا بن الأكرميــن ولكن وضعت الدواء بمن فيهم الداء فبالأمس القريب .. خذلت المؤسســات الدينيـه عن نصرة رسول الله عليه الصلاة والسـلام المسلمين عامـة والســؤال _ هل نعتمد على من لا يقيــمُ وزناً لرسول الله عليه الصلاة والسلام بأن ينصرنـا والأمـة الغاليـة ؟ تفكـر وتدبــر فالغالبية العظمـى من المؤسسـات الدينيــة ذات رواتب حكوميــة يقولون ما يقول فرعــون وهامان .. فأصبحــوا هم الملأ ملأ فرعــون نسأل الله الثبــات مما يجعلـني آتيك بسؤال آخــر _ هل إن صمتَ بمن نظن به خير عن حق الأمـة والإسلام العظيــمـ نقفُ معه صامتيــن ؟ لا والله لا نفعـل فهذا فعل العجزة المشلولي العقل والروح ، ممن يحمل الإســلام ولا يعمــل على رفعته بل وممن يصلي الفجر ويمنَّ على رب العزة والجلال والعياذ بالله بعبادتــه .. لا والله سيدي ما ذاك بحـل بل الحــل أن نجمع أموالنـا ولو القليل القليل منهــا ومن ثم نضعها في CD أو شريط أو مطويـة أو كلــمة لنصرة هذا الديـن ، بل الكتاب وما أدراك ما الكتـاب هناك كتب تتكلم عن العقيدة وأصولها فعليك بها .. حاول إنشاء مجموعة من الصحبة الفاضلـة واشتر ووزع .. تكلم . .. أكتب . .. ناقش . .. تفحص . وتذكر أنك من أبناء الصحابـة رضوان الله عليهم وأبناء الصحابـة العامليــن الفدائييـن لدينهم العظيـم الذي إرتضاه رب العزة والجلال لنا ديـنا ولا تكــن ولا أكن ممن قال فيــهم أبى مصعب الأمير الأديب تقبل الله شهادته دخلتُ على المُروئة وهي تَبكي = فقلتُ على ما تَنتَحب الفتاةُ قالتُ ولما لا أبكـي وأهلــي = دونَ خلقْ الله مَـاتوا إحتــرامي سيدي والتقديـر.
|
#14
|
|||
|
|||
بارك الله فيك أخي صاحب السعادة لا أدري كيف فاتني هذا الموضوع الرائع و لم اعلق عليه
أظن أنني كنت مسافرة وقتها لقد سطرت أخي العزيز بحروفك الذهبية ما يجول في نفس كل محب للجهاد فلو كانت ظروفنا تمنعنا من الجهاد في سبيل الله فلنجاهد بكلماتنا و لننصر المجاهدين بالدعاء لهم و الذب عن أعراضهم و هذا أضعف الإيمان........ اللهم انصر المجاهدين في مكل مكان و أخذل الشرك و المشركين و من والاهم
|
#15
|
||||
|
||||
جزاااك الله خيرااااااااااا
|
#16
|
|||
|
|||
سلامي واحترامي لك ياصاحب السعاده بين يدي موضوع عن العقيده 0 ( مبسط مع الأمثله وتاريخ وحقايق غائبه أعذرني واسمحلي بتنزيله وهو مهم لسؤال !! خلاصة عقيدة السلف وهي عقيدة المؤلف الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين، أرسله ربه بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا . وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إقرارا به، وتوحيدا بربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلي الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه تسليما كثيرا ، أما بعد : فهذه عقيدتنا وهي عقيدة الفرقة الناجية المنصورة إلى قيام الساعة (أهل السنة والجماعة) وهي: الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله والبعث بعد الموت والإيمان بالقدر خيره وشره . الإيمان بالأسماء والصفات : ومن الإيمان بالله الإيمان بما وصف به نفسه في كتابه وعلى لسان رسوله صلي الله عليه وسلم من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف، ولا تمثيل، بل نؤمن ونعتقد أن الله ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، فنحن نثبت لله عز وجل أسماءه الحسنى وصفاته العليا التي وردت في الكتاب والسنة الصحيحة . ونعتقد أن السلف (رضوان الله عليهم) وأهل السنة والجماعة يعلمون معنى الصفات ولكنهم يفوضون علم الكيفية والكنه إلى الله عز وجل، فنحن نعتقد كما اعتقدوا أن الله عز وجل موصوف بهذه الصفات حقا لا مجازا على الوجه الذي يليق بجلاله، من غير أن يشابه خلقه شيء من صفاته. وكما قال مالك : (الإستواء معلوم والكيف مجهول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة)، فنحن نؤمن أن لله يدا ليست كأيدينا، وله بصر ليس كأبصارنا، ونؤمن بنزول الله عز وجل إلى السماء الدنيا، فنقول: النزول معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة. الإستواء والفوقية : ونحن نؤمن أن الله عزوجل مستو على عرشه بائن عن خلقه فوق السماء السابعة (ولا نقول الإستواء بمعنى الإستيلاء أو الهيمنة)، مع تنزيهه سبحانه وتعالى عن أن يحد بزمان أو مكان. المعية : وهو معنا بسمعه وبصره وعلمه. الإيمان بالقدر : ونؤمن أن الله خالقنا وخالق أفعالنا مع كون العبد مختارا في أفعاله، ونؤمن أن الله فعال لما يريد .. ألا يكون شيء إلا بإرادته عن تقديره، ولا يصدر عن تدبيره ولا محيد لا حد عن القدر المحدد، ولا يتجاوز ما خطه له في اللوح المحفوظ، وعقيدتنا وسط بين القدرية التي تسند الفعل إلى العبد وتجعله خالقا لفعله من خير أو شر، ونخالف الجبرية فلا نقول العبد مجبور على فعله من خير أو شر، بل كما قلنا نعتقد أن الله خالقنا وخالق أفعالنا والعبد مختار بفعله. الإيمان : نحن نعتقد أن الإيمان اعتقاد بالجنان وقول باللسان وعمل بالأركان، تزيده الطاعة وتنقصه المعصية. الذنوب والكبائر : وعقيدتنا وسط بين المرجئة والحرورية (الخوارج) والمعتزلة، فنحن لا نقول كالخوارج أن مرتكب الكبيرة كافر، ولا نقول كالمرجئة أن الإيمان لا يضر معه معصية، ولا نقول كالمعتزلة أن مرتكب الكبيرة في منزلة بين المنزلتين، بل نرجو للمحسن ونخاف على المسيء، وإن مات ولم يتب فأمره إلى الله إن شاء عذبه وإن شاءغفر له. الصحابة : وعقيدتنا وسط بين الروافض (الشيعة) والخوارج، فنحن نعتقد بفضل الصحابة كلهم، ولا نغلو في أهل البيت، وبخلاف الخوارج فإنهم قد كفروا عثمان وعليا وطلحة والزبير ومعاوية وعمرو بن العاص، ونؤمن أن أفضل أمة محمد صلي الله عليه وسلم أبو بكر الصديق، ثم عمر الفاروق، ثم عثمان ذو النورين، ثم علي كرم الله وجهه، ثم بقية العشرة (سعد وسعيد وطلحة والزبير وأبو عبيدة وعبد الرحمن بن عوف)، ثم أهل بدر، ثم أهل الشجرة (بيعة الرضوان)، ثم سائر الصحابة رضوان الله عليهم. ونتولى أصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم كلهم، ونستغفر لهم، ونذكر محاسنهم، ونكف عن مساوئهم، ونسكت عما شجر بينهم، ونقر بفضلهم، ولا نكفر أحدا من أهل القبلة بذنب ما لم يستحله، أو يعمل عملا لا يحتمل إلا الكفر، مثل السجود للصليب، ونرجو للمحسنين أن يغفو الله عنهم ويدخلهمالجنة برحمته، ولا نأمن عليهم ولا نشهد لهم بجنة ولا نار إلا من شهد له رسول الله صلي الله عليه وسلم ، ونترضى عن أمهات المؤمنين المطهرات من كل سوء. الأولياء : ونقربكرامات الأولياء، والمؤمنون المتقون كلهم أولياء الرحمن، وأكرمهم عند الله أطوعهم وأتبعهم للقرآن والسنة. التشريع بغير ما أنزل الله : ونرى بأن التشريع بغير ما أنزل الله كفر ينقل عن الملة، ونرى القضاء في ظل القوانين الوضعية باطلة لا تلحقها الإجازة ولا التصحيح، ونعتقد أن الجهاد ماض إلى يوم القيامة (منذ بعث الله محمدا صلي الله عليه وسلم) إلى أن يقاتل آخر أمته الدجال، لا يبطله جور جائر ولا عدل عادل. وأهل الكبائر من أمة محمد صلي الله عليه وسلم لا يخلدون في النار إذا ماتوا موحدين -وإن لم يكونوا تائبين- فهم في مشيئته وحكمه، إن شاء غفر لهم بفضله وإن شاء عذبهم بعدله. ونرى الصلاة خلف كل بر وفاجر من أهل القبلة، وعلى من مات منهم، ولا نشهد على مسلم بكفر ولا نفاق ولا شرك ما لم يظهر منهم شيء من ذلك، وندع سرائرهم إلى الله تعالى، ولا نصدق كاهنا ولا عرافا ، ونكره أصحاب البدع، ونرى أن الإستغاثة بالأموات وطلب الحاجات منهم شرك، وأما التوسل بأي أحد من الخلق فهو غير جائز ويجب تركه. ونرى أن البناء على القبور واتخاذ المساجد عليها ووضع السرج فوقها والرايات وتعليق الستور عليها وإقامة السدنة حولها من البدع المحرمة التي يجب محاربتها . ونؤمن بفتنة القبر، ونعيمه، وبإعادة الأرواح إلى الأجساد، وبقيام الناس لرب العالمين حفاة عراة غرلا، وينصب الموازين، وتنشر الدواوين، ونؤمن بالصراط المنصوب على شفير جهنم يمر به الناس على قدر أعمالهم، ونؤمن بحوض نبينا صلي الله عليه وسلم وبشفاعته، وأنه أول شافع ، وأن الجنة والنار مخلوقتان لا تفنيان وأنهما الآن موجودتان، وأن المؤمنين يرون ربهم بأبصارهم يوم القيامة كالقمر ليلة البدر، وأن النبي صلي الله عليه وسلم خاتم النبيين والمرسلين وخير الخلق أجمعين. وأن الله تعالى عن الحدود والغايات والأركان والأعضاء والأدوات، ولا تحويه الجهات الست كسائر المبتدعات، ونؤمن أن العرش والكرسي حق، وهو مستغن عن العرش وما دونه، محيط بكل شيء وفوقه، ونسمي أهل قبلتنا مسلمين مؤمنين، فمن صلى صلاتنا واستقبل قبلتنا وأكل ذبيحتنا فهو مسلم له ما لنا وعليه ما علينا . ونعتقد أن القرآن منزل من عند الله، وهو كلام الله غير مخلوق، منه بدأ وإليه يعود، وأنه سبحانه تكلم به حقيقة، وأنزله على عبده ورسوله وأمين وحيه، وسفيره بينه وبين عباده نبينا محمد صلي الله عليه وسلم . وسبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك . بسم الله الرحمن الرحيم ( رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري) (طه: 25) (ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب) (آل عمران: 8) (ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا، ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين) (البقرة: 286) (ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدا) ( الكهف: 10) (ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار) (البقرة: 201) (ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما) (القرقان:74) (ربنا اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين يوم يقوم الحساب) (إبراهيم: 41) (ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم) (الحشر: 10) بسم الله الرحمن الرحيم أحببت أن أضع بين يدي القارىء الكريم حقائق ضخمة غائبة عن الأذهان في كتيب صغير، مع أن الحياة كلها تدور على محور هذه الحقائق، ويقوم الكون كله على معرفة هذه المبادىء والإلتزام بها، ولقد نوهت في مقدمة هذا الكتيب بأهمية العقيدة في الحياة البشرية، وأن شقاء البشرية راجع إلى انفلاتها من حوزة هذه العقيدة . ثم أتبعت المقدمة بتسعة فصول : كان الفصل الأول منها حول معاني العقيدة والتوحيد، وبينت فيه أن الكون كله يوحد الله ويعبده. ثم تلاه الفصل الثاني : الذي يبين أن ضنك البشرية راجع إلى تحريف العقيدة، وأن الصراع بين العلم والدين مرده إلى عدم معرفة العقيدة الصحيحة. ثم جاء الفصل الثالث : ليبين بعض خصائص العقيدة، ويضع الإنسان في مستقره الأساسي منها. ثم تلاه الفصل الرابع : الذي يبين صفات الله عزوجل، وحاولت فيه إقامة معبر بين رأي السلف والخلف في الصفات. ثم أتبعه الفصل الخامس : الذي يبين القضية الكبرى التي جاء هذا الدين ليقررها وهي الرضا بحكم الله. وجاء الفصل السادس في مكانه المكين : الذين يبين أن رفض شريعة الله خروج من حوزة هذا الدين. وأما الفصل السابع : فهو التأويلات التي تتردد على ألسنة الناس لآيات التشريع، وتنقل نصوصا ليست في موضع النزاع وتريد أن تطبقها على واقع مختلف تماما عن الواقع الذي قيلت فيه. وتلاه الفصل الثامن : الذي جاء فيه براهين قاطعة بإحصائيات عددية ووقائع حسية أن الشقاء اليوم هو بسب البعد عن هذه العقيدة. واختتمت الفصول بتاسعها الذي أوردت فيه نماذج ممن ربتهم هذه العقيدة وصنعتهم هذه المبادئ وأخرجتهم هذه القيم إلى الوجود منارات يهتدي بهم المدلجون، ويقتفي أثرهم كل من أراد السعادة والنجاة . المقدمة المنهج الرباني في بناء النفس الإنسانية ( أفغير دين الله يبغون وله أسلم من في السموات والأرض طوعا وكرها وإليه يرجعون) (آل عمران: 83) العقيدة : هي الضابط الأمين الذي يحكم التصرفات، ويوجه السلوك، ويتوقف على مدى انضباطها وإحكامها كل ما يصدر عن النفس من كلمات أو حركات، بل حتى الخلجات التى تساور القلب والمشاعر التي تعمل في جنبات النفس، والهواجس التي تمر في الخيال، هذه كلها تتوقف على هذا الجهاز الحساس. وباختصار : فالعقيدة هي دماغ التصرفات، فإذا تعطل جزء منها أحدث فسادا كبيرا في التصرفات، وانفراجا هائلا عن سوي الصراط. ولذا فقد عني القرآن الكريم ببناء العقيدة، فلا تكاد تخلو أية سورة -مكية كانت أو مدنية- من شد الإنسان بكليته إلى ربه، وربط كل تصرف بهذه العقيدة التي تمثل القاعدة الأساسية لهذا الدين الذي لا يقوم بدونها، وبخاصة السور المكية التي أفردت لبناء هذه العقيدة، فلقدكانت العقيدة هي الموضوع الوحيد الذي عالجته السور المكية. وعلى هذا فإن كل الإنحرافات التي نعانيها في سلوكنا -أفرادا أو جماعات- راجعة بكليتها إلى الإنحراف في التصور العقدي، فالناس في هذه الأيام بحاجة إلى بناء العقيدة من جديد، وإلى تصحيح التصور الإعتقادي، فلا بد من إفراد الله -سبحانه- بالألوهية، ولا بد من أن تستقر عظمة الله عزوجل في الأعماق، وأن يعمر النفوس حبه، ولا مناص من أن تحيا القلوب وهي تستشعر هيبته وجلاله. ويقوم هذا الدين على : 1- حقيقة الألوهية. 2- حقيقة العبودية. 3- الصلة بين العبد وربه. هذه أمور ثلاثة لا بد من استقرارها في النفوس : معرفة الله وقدره، ومعرفة العبد وحده، والصلة بين الخالق والمخلوق. وعلى هذا فإنه من العبث تتبع فروع الشرع وطلبها من شخص لا ترسخ في قلبه حقيقة هذا الدين، ولا تستقر في كيانه عظمة الله التي تهيمن على كل سكنة ونأمة وحركة في هذا الكون . والحق أن الناس اليوم غابت عنهم حقيقة هذا الدين العظيم، ومثل كثير منهم -حتى الذين يقيمون الشعائر التعبدية- كمثل الأعمى الذي أمسك بذنب الفيل ويحسب أنه يمسك بين يديه جسم الفيل، حتى إذا طلبت منه أن يصف لك الفيل انبرى يصوره بأنه شعرات مرتبطة بعضلة قاسية، ولواجتمع أهل الأرض لإقناعه أن الفيل سوى ذلك ما استطاعوا أن يصرفوه عن ظنه. وقد أصبح اليوم لدينا شيء مألوف أن نرى شخصا يداوم على العبادات وهو في نفس الوقت يزوال أعمالا تخرجه من إطار هذا الدين، كالاستهزاء بسنة ثابتة عن رسول الله صلي الله عليه وسلم ، أو بفرضية وردت في محكم التنزيل، وهو لا يعلم أنه بالإستهزاء إنما يهزأ من أوامر الله، ويسخر منها، وهذا الذي اتفق أهل الذكر من هذه الأمة، أنه يعني ردة المستهزئ وخروجه من الإسلام . ومن هذا القبيل سب الدين، أو سب الله أو رسوله، فمن فعلها حكم عليه بالردة، وقد قال بذلك مالك والشافعي وأحمد والليث وإسحق مستندين إلى قوله تعالى : (وإن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم وطعنوا في دينكم فقاتلوا أئمة الكفر)(2) [راجع الجامع لأحكام القرآن (تفسير القرطبي). تفسير آية: (وطعنوا في دينكم)] التوبة : 12) وقد غاب عن أذهانهم كذلك ما يترتب على هذه الكلمة من نتائج . أقول : إن كلمة الطعن في الدين وما يترتب عليها من بينونة زوجته منه رأسا ، واعتبار العقد مفسوخا مباشرة، ومن خروجه من إطار الدين، وسقوط حجة الإسلام، وحرمانه من الإرث من أقاربه المسلمين، وحرمان أبنائه من الإرث منه، وغير ذلك من الأحكام خافية على معظم الناس، وكأين من رجل يسب دين زوجته ثم يبقى متصلا بها ينكحها، ولا شك أن هذا كالزنا تماما وأن أولاده حكمهم حكم أبناء الزنا. أعود لأقرر الحقيقة الكبرى أن الناس لا يعرفون حقيقة هذا الدين، ويخلطون بين مناهج متعددة في حياتهم، قسم ضئيل من منهاج حياتهم من دين الله، وأما معظم المنهاج الذي يوجه حياتهم فهو من صنع هواه أو هوى غيره من البشر . (أرايت من اتخذ إلهه هواه أفأنت تكون عليه وكيلا ، أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا) (الفرقان: 43-44) و على هذا فإني أرى أن التركيز على مسائل فرعية من الشريعة بالنسبة للناس أمر غير منطقي، بل محاولة عابثة لاستنبات البذور في الهواء، ولا يمكن أبدا بتجميع أغصان نضرة مع بعضها في الهواء أن يتكون منها شجرة ذات جذور ضاربة في أعماق الأرض، لا بد من سلوك المنهاج الرباني الذي رسمه الله لهذا الخلق . فلا بد من زرع البذرة في التربة، ثم تعهدها حتى تستوي قائمة على أصولها، ثم تمتد بفروعها وأفنانها. وهكذا بالنسبة لهذا الدين العظيم لا بد من اقتفاء السبيل الذي رسمه الله لهذا الكائن حتى يحمل هذا الدين. لا بد من بناء الأساس بغرس البذرة في أعماق الأرض -أي غرس العقيدة في أعماق القلب-. والعقيدة هي الأساس المكين الذي ترتكز عليه فروع هذا الدين كله، ومن العبث محاولة إشادة بناء ضخم بلا أساس . ومن هنا : فإن محاولة تتبع فروع الشريعة بالتفصيل والتعليل هو اشتغال بالمهم قبل الأهم، ولا يمكن أن تؤتي هذه المحاولة أكلها التي نرجو، والثمار التي نأمل. ومن الأولى أن نتبع المنهاج الرباني في بناء هذا الدين للنفس البشرية، وذلك بترسيخ العقيدة أولا في الأعماق، ثم مطالبة النفس بعدها بأوامر الشريعة كلها، إذ المنهاج الرباني في تربية النفس جزء من العقيدة ذاتها. ولا ننسى أن الداعية إلى رب العالمين لا بد أن يتمثل فيه المنهاج الإلهي كاملا ، ولا بد أن يكون مصحفا يمشي على الأرض، يتحرك فيتحرك بحركته القرآن، فالداعية يطالب بالشريعة كاملة، ولكنه في الوقت نفسه لا يطالب الناس بفروع الشريعة قبل أن يعلمهم هذا الدين، ويشد أنظارهم إلى إطاره الكامل الشامل، وبعد أن يرسموا في أذهانهم الصورة الكاملة للإطار، يدخل معهم داخل الإطار ليعلمهم تفاصيل هذا الدين وتفريعاته . وهكذا قام الإسلام أول مرة في النفوس البشرية، وهكذا يقوم في كل مرة يحاول فيها بناء هذه النفوس بالإسلام، ولا مناص من اقتفاء هذا السبيل، ولا مفر من انتهاجه. فكما أن هذه الأوامر والنواهي فريضة من عند الله، واتباعها فرض لازم في رقابنا، فكذلك اقتفاء المنهج الرباني في بناء النفس فرض كذلك، وكل محاولة لإقامة هذا الدين بغير المنهاج الرباني لا بد أن تبوء بالفشل، وذلك لأن هذا الدين لا يكون ولن يكون إلا كما أراد الله، ولن يبنى إلا بنفس المنهج الدي رسمه رب العالمين، وكل منهاج بشري نستعمله لإيصال حقيقة هذا الدين إلى الناس هو فاشل لا محالة، وهو عبث وملهاة ولعب. لا بد من اتباع المنهج الرباني القيم الذي رسمه رب العالمين، وسلكه سيد البشرية محمد صلي الله عليه وسلم لإيصال دين الله إلى قلوب البشر، ولا بد من البدء بالعقيدة من تعريف الناس بإلههم الحق، وبحقيقة وجودهم على هذه الأرض، والمهمة المنوطة بهم إبان مرورهم بهذه الدنيا، من المسؤول عنهم؟ أي منهاج يجب أن يحكمهم؟ صلة هذا الإنسان بالكون من حوله، مكانة هذا الكائن من الكون، وبعبارة أقصر . إقرار جلال الله ورهبته وهيبته في أعماق قلب الإنسان وطريقة الوصول إلى رضاه. ومن ثم وفي هذا الوقت فإني لا أرى تتبع الجزئيات من هذا الدين في سلوك الناس، كالشرب باليمين، وترك التدخين، والشرب جالسا، إلى غير ذلك من هذه التفاصيل التي لا تحتملها ولا تطيق الدوام عليها إلا نفوس بنيت على العقيدة، وجبلت بعظمة الإيمان . لابد أن نيدأ مع النفس البشرية من حيث هي، بحيث نلتقطها من هذا الحضيض الذي هبطت إليه، ثم نسير معها صعدا نعطيها الإيمان جرعة جرعة، نواكبها في نموها ونقيل لها عثراتها، ونردها من هنا، ونهذبها من هناك، حتى تشب قائمة على عودها، صلبة لا تهزها الزلازل، ثابتة لا تجتثها الأعاصير . وهنا فقط نطلب منها كل ما يريده الله منها، فتنفذ وهي راضة مستسلمة مطمئنة أن الخير كله فيما نفذت، لأن الخير كله منحصر في منهاج الله، والشر كل الشر في الخروج عن منهاج الله : فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى ومن اعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ) (طه: 123-124) وأعود فأذكر أن النفوس التي تقدم الإسلام للناس لا مناص لها من أن تكون شريعة تدب على الأرض، وتأخذ بالعزائم، ولا بد لها من أن تكون المرآة الصافية التي تعكس حقيقة هذا الدين أصوله وفروعه، إذ لا بد لها من أن يكون لحمها ودمها هو هذا الدين الذي إليه تدعو، والمنهاج الذي تهتف بالناس أن ينهجوا . (هذا بلاغ للناس ولينذروا به وليعلموا أنما هو إله واحد وليذكر أولو الألباب) (إبراهيم: 25)
|
#17
|
|||
|
|||
المؤلف الفصل الأول التعريف بالعقيدة والتوحيد نعنى بالعقيدة: الإيمان بأركانه الستة، كما جاء في الحديث الذي رواه الإمام مسلم بإسناده عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : ... قال يا رسول الله ما الإيمان؟ .. قال: أن تؤمن بالله وملائكته وكتابه ولقائه ورسله وتؤمن بالبعث وتؤمن بالقدر كله (1) [صحيح مسلم (ص13) ط/صبيح]. وفي حديث عمر الذي أخرجه مسلم مرفوعا إلى رسول الله صلي الله عليه وسلم : قال فأخبرني عن الإيمان؟ قال: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره (2) [أنظر شرح الأربعين النووية (ص91) ط/قطر]. والعقيدة لغة فعيلة: من عقد بمعنى معقودة (بمعنى اسم المفعول) عقد الحبل والبيع والعهد يعقده: شده، والعقد: العهد(3) [القاموس المحيط، باب الدول. فصل العين (ج1ص513)]. فكأن العقيدة هي العهد المشدود والعروة الوثقى، وذلك لاستقرارها في القلوب ورسوخها في الأعماق. أما الشهادتان: (لا إله إلا الله محمد رسول الله)فهما القاعدة الأساسية والأولى التي يقوم عليها صرح هذا الدين، وهو الطريق الوحيد الذي يوصل سالكه دار السلام: (قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرحهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم) (المائدة: 16) وهذه القاعدة -توحيد الله في الألوهية- هي الركن الأساسي بل الأساس المكين الذي قام عليه كل دين نزل من عند الله: (وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون) (الأنبياء: 25) وهذه القاعدة (لا إله إلا الله) تعني في أبسط صورها أن هذا الكون منبثق عن إرادة هذا الإله الواحد، بأمره يسير، وبقدره تدبر أموره، وكل خلق من مخلوقاته أمره بيده، لا يخرج عن إرادته، ولا يند عن مشيئته: (قال ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى) (طه: 50) (سبح اسم ربك الأعلى الذي خلق فسوى والذي قدر فهدى) (الأعلى: 1-3) (سبحان الذي خلق الأزواج كلها مما تنبت الأرض ومن أنفسهم ومما لا يعلمون) (يس: 26) هذه نقطة لا تغيبن عن بالنا، أن كل شيء في الكون صنع بيد الله العزيز الحكيم. (الذى أحسن كل شيء خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين) (السجدة: 7) وأما النقطة الثانية فهي، أن كل مخلوق في هذا الكون جندي من جنود الله، يؤمر ويطيع، ويدعى فيلبي. (أفغير دين الله يبغون وله أسلم من في السموات والأرض طوعا وكرها وإليه يرجعون) (آل عمران: 83) - (ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها ، قالتا أتينا طائعين) (فصلت: 26) فالسموات والأرض وما فيهن جنود مطيعة لرب العالمين. - (وله من في السموات والأرض، كل له قانتون) (الروم: 26) أي مطيعون خاشعون. - (سبح لله ما في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم) (الحديد: 1) - (وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم) (الإسراء: 44) ولذا فالجبال والماء والأرض والسماء كلها مخلوقات لله، وجند من جنوده. (ولله جنود السماوات والأرض، وكان الله عليما حكيما) (الفتح: 4) - فلقد وجه رب العالمين الأمر إلى النار فاطاعت: (يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم) (الأنبياء: 69) - ونادى الجبال فأصغت: (ولقد آتينا داود منا فضلا يا جبال أوبي معه والطير وألنا له الحديد) (سباء: 10) وأما الثالثة: فقد يسخر الله بعض جنوده لطاعة عبد من عبيده. (ولسليمان الريح غدوها شهر، ورواحها شهر وأسلنا له عين القطر ومن الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه ومن يزغ منهم عن أمرنا نذقه من عذاب السعير، يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات) (سبأ: 11-12) ويقول لموسى عليه السلام: (اضرب بعصاك الحجر فانبجست منه اثنتا عشرة عينا) ( الأعراف: 160) وأما المسألة الرابعة: فكل كائن من مخلوقات الله له منهاج رباني يسير عليه لا يستطيع الخروج عنه قيد أنملة ولا شعرة، فالشمس لا يمكنها أن تخرج عن المدار الذي أمرها الله أن تدور فيه، ولو خرجت زاوية واحدة عن محورها لتحطمت وحطمت الكثير، وكذلك القمر، والأرض، وهذا هو ناموس الله في هذا الكون لكل خلق عدا الثقلين: الإنس والجن. وقد تتجلى مظاهر هذه العبودية أحيانا لعبد من عبيد الله بإرادة الحاكم الآمر، ومن ذلك ما يحدثنا الإمام أبو الحسين مسلم بإسناده عن جابر بن سمرة رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : إنى لأعرف حجرا بمكة كان يسلم على قبل أن أبعث، وإني لأعرفه الآن (1)[مختصر صحيح مسلم للمنذري تحقيق الألباني 2/361]. وإن أخبار حنين جذع النخل ( بكائه) لفراق الرسول صلي الله عليه وسلم متواترة معنويا. هذا وقد يكشف الله طرفا من هذه العبودية لغير الأنبياء، فقد تتجلى بإسفار ووضوح لعباده الصالحين، ومن ذلك ما يروى أنه: لما بعث أبو بكر الصديق رضي الله عنه العلاء بن الحضرمي في حرب المرتدين إلى البحرين فسلكوا مفازة، وعطشوا عطشا شديدا ، حتى خافوا الهلاك، فنزل وصلى ركعتين، ثم قال: يا حليم، يا عليم، يا علي، يا عظيم، اسقنا! فجاءت سحابة كأنها جناح طائر، فقعقعت عليهم وأمطرت، حتى ملأوا الآنية وسقوا الركاب، ثم انطلقنا حتى أتينا دارين، والبحر بيننا وبينهم، وفي رواية أتينا على خليج من البحر ما خيض فيه قبل ذلك اليوم، ولا خيض بعد، فلم نجد سفنا ، وكان المرتدون قد أحرقوا السفن، فصلى ركعتين، ثم قال: يا حليم، يا عليم، يا علي، يا عظيم، أجزنا، ثم أخذ بعنان فرسه ثم قال: جوزوا باسم الله، قال أبوهريرة: فمشينا على الماء، فوالله ما ابتل لنا قدم، ولا خف ولا حافر، وكان الجيش أربعة آلاف. وفي هذا يقول عفيف بن المنذر: ألم تر أن الله ذلل بحره وأنزل بالكفار إحدى الجلائل دعانا الذى شق البحار فجاءنا بأعظم من فلق البحار الأوائل(1) [ أنظر أسباب سعادة المسلمين وشقائهم في ضوء الكتاب والسنة للكاندهلوي (ص06)]. ثانيا : وأما الإيمان بالملائكة فهو جزء من عقيدتنا، ويخبرنا القرآن أن الملائكة موكلون بحفظ البشر وحمايتهم، وهم مكلفون بإحصاء أعمالهم وتسجيلها. (إن كل نفس لما عليها حافظ) (الطارق:4) (ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد) (ق: 18) (سواء منكم من أسر القول ومن جهر به ومن هو مستخف بالليل وسارب بالنهار له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله) (الرعد: 10،11) فالملائكة حفظة للبشر، يحصون عليهم أعمالهم، ويقدمون كتب أعمالهم إلى رب العالمين، ومنهم موكل بقبض أرواح البشر، وهم كذلك يستغفرون للذين آمنوا، ويحضرون مجالس الرحمة والذكر والتلاوة كما في الأحاديث الصحيحة، وهنالك ملكان حافظان يلازمان الإنسان حيث حل وأينما سار، لا يفارقانه أبدا إلا في بعض المواطن كالخلاء مثلا . ثالثا : وأما الإيمان بالكتب السماوية فهو جزء من العقيدة، الإيمان بصحف إبراهيم، والتوراة المنزلة على سيدنا موسى، والإنجيل على عيسى، والزبور على داود، والقرآن الكريم على سيدنا محمد عليهم الصلاة والسلام أجمعين، هذا مع الانتباه الشديد إلى مسألتين: 1- الأولى: نحن نؤمن أن هذه الكتب بأصلها من عند الله إلا أن يد البشر امتد إليها تعبث وتحرف وتؤول وتغير، كما أخبرنا القرآن الكريم عن أهل الكتاب. (فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون) (البقرة: 79) (وإن منهم لفريقا يلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون) (آل عمران: 78) فهذا القرآن الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه يخبرنا أن البشر قد عبثوا بالكتب الربانية ولم يبق على وجه هذه البسيطة كتاب بكلماته وحروفه كما أنزل من عند الله إلا القرآن. (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) (الحجر: 9) 2- وأما المسألة الثانية فهي أن القرآن هو المنهاج الرباني الأخير للبشر، وهو آخر أمر يسأل الله عنه البشر يوم القيامة، فنزل القرآن ناسخا لما قبله، مهيمنا على ما قبله من الكتب: (وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه) (المائدة: 48) (هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا) (الفتح: 28) ولا يقبل دينا إلا هذا الدين، ولن يحاسب يوم القيامة أحدا بعد نزول القرآن إلا عما ورد فيه من أوامر ونواه. (ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين) (آل عمران: 85) رابعا : وأما الإيمان بالرسل:فالعقيدة الإسلامية تعتبر أن الإيمان بكل رسول مرسل هو جزء منها، بحيث يعتبر من يجحد رسالة أي رسول خارجا من إطار هذا الدين ولا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا. (آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير) (البقرة: 285) فمن كفر بأي رسول فقد كفر بأصل الرسالات وكفر بالقرآن، لأنه صرح بأسماء الرسل في النصوص القطعية الدلالة والثبوت. خامسا : وأما الإيمان باليوم الآخر، فهو كذلك من القواعد المكينة في هذا الدين، ويكون حجر الأساس في كل دين نزل من عند رب العالمين: (إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا) (البقرة: 62) فالإيمان بالله واليوم الآخر والعمل الصالح هذه القاعدة بأركانها الثلاثة هي عماد كل دين. وهذا الدين الذي بعث به محد صلي الله عليه وسلم يعتبر أن الحياة جسر إلى الآخرة، وأن الإنسان يمر بأطوار ومراحل، فمن رحم الأم إلى هذه الأرض إلى القبر، فالبعث فالحشر فالميزان فالصراط، ثم إلى جحيم أو إلى نعيم مستقر في مقعد صدق عند مليك مقتدر. والحق أن الإيمان بالآخرة هو صمام الأمان في هذه الأرض، وهو الضابط الوثيق الذي يحرس الأخلاق، والحارس الأمين الذي يضمن تنفيذ الشريعة في هذه الدنيا، فهو الذي يمنع لحظة العين أن تمتد إلى محرم، ويمنع النفس أن تهجس بهواجس الشر، ويردع الفم أن يهمس ولو بكلمة واحدة لا يرضاها ربه، لأنها كلها مسجلة معروضة محصية عليه أنفاسه وكلماته وحركاته. (ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا) (الإسراء 13-14) سادسا : وأما القدر فهو المحرك الأصيل للنفس البشرية، وهو الدافع الحقيقي للعمل في ميدان الحياة، وأول ما يطالعنا من نصوص القدر الرزق والأجل، فقد ذكرت في أكثر من موضع في الكتاب العزير مع إقرار أنها ثابتة محددة، ولا يغادر المرء هذه الأرض قبل أن ينال كل رزقه ويستنفد جميع أجله، فلن يموت إلا بقدر، ولن يستطيع أحد أن ينقص من رزقه قرشا واحدا مهما علا جاهه، وعظم سلطانه. (وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يمسسك بخير فهو على كل شيء قدير) (الأنعام: 17) واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف (3)[حديث حسن صحيح رواه الترمذي عن عبد الله بن عباس مرفوعا . أنظر شرح متن الأربعين النووية، ط/ قطر، صفحة (37)]. والأجل المحدود والرزق المحدود مع العلم القطعي أن الله عزوجل بيده ملكوت كل شيء، وإليه يرجع الأمر كله، وله من في السموات ومن في الأرض، وأنه إليه ترجع الأمور. هذه الأمور كلها كانت تدفع بأحدهم في أتون المعركة تاركا وراءه أهله دون معيل ولا كفيل إلا الله. وحسبك كلمة أبي بكر يوم تبوك إذ جاء إلى الرسول صلي الله عليه وسلم بجميع ماله، فقال له صلي الله عليه وسلم : ماذا تركت لأهلك؟ فقال: تركت لهم الله ورسوله. ولذا فإنا نرى أن آيات العقيدة جاءت منبثة في معرض آيات القتال والجهاد، خاصة الآيات التي تقرر أن الحياة والموت بيد الله: (وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتابا مؤجلا) (آل عمران:145) إن استقرار هذه العقيدة في أعماق النفس يجعلها عزيزة فلا تذل، تقف أمام كل قوى الأرض، لا ترهب سلطانا ولا تستخذي أمام صولة الملك وإغراء المال، هذه العقيدة ترفع صاحبها من أوحال الأرض ومستنقع الطين، فيقف في المرتقى السامي ينظر إلى الأرض من علو مع التواضع، وبالعزة مع المحبة والتضامن، دون استطالة ولا بغي على الناس، يود لو يرفعهم إلى هذا المستوى الذي رفعه الله إليه. بهذه العقيدة أضحى الرعيل الأول من الصحب الكرام يعيشون بحسهم وأرواحهم في الآخرة، مع أن أجسادهم تدب على هذه الأرض، هم يتحركون فوق هذه المعمورة، مع أن أنظارهم مشدودة بقوة إلى الجنة، إلى الحساب .. وحسبي في هذا الشأن أن أورد مثلا واحدا ، ولكنه يدل كيف كان ذلك الرهط الكريم يفكر ويعيش ويتحرك. روى الطبراني بإسناده عن الحارث بن مالك الأنصارى أنه مر برسول الله صلي الله عليه وسلم فقال له: كيف أصبحت يا حارث؟ فقال: أصبحت مؤمنا حقا ، قال: أنظر ما تقول، فإن لكل شيء حقيقة، فما حقيقة إيمانك؟ فقال: عزفت نفسي عن الدنيا، فأسهرت ليلي وأظمأت نهاري، وكأني أنظر إلى عرش ربي بارزا ، وكأني أنظر إلى أهل الجنة يتزاورون فيها، وكأني أنظر إلى أهل النار يتضاغون فيها، فقال: يا حارث عرفت فالزم -ثلاثا - (3) [في ظلال القرآن (ج9ص142)]. ولقد ذكر هذا الصحابي الذي استحق شهادة الرسول صلي الله عليه وسلم له بالمعرفة من حال نفسه ما يصور مشاعره، ويشي بما وراء هذه المشاعر من عمل وحركة، فالذي كأنه ينظر إلى عرش ربه بارزا ، وينظر إلى أهل الجنة يتزاورون فيها، وإلى أهل النار يتضاغون فيها، لا ينتهي إلى مجرد النظر إنما هو يعيش ويعمل ويتحرك في ظل هذه المشاعر القوية المسيطرة التي تصبغ كل حركة وتؤثر فيها، وذلك إلى جانب ما أسهر ليله وأظمأ نهاره، وكأنما هو ناظر إلى عرش ربه بارزا . هذا مثل من كثير يبين كيف تترجمت العقيدة في نفوس الصحابة، وتجسدت في أناس من لحم ودم، يدبون على الأرض فيتحرك بحركتهم القرآن. والآن دعنا نصغ إلى أحد أعيان القرن الثالث الهجري لنرى كيف يحيا بهذه العقيدة، دعنا نستمع إلى الإمام أحمد(1) [أنظر إملاءات في العقيدة للدكتور محمد أمين المصري (ص71) دمشق]. وقد دخل عليه رجل فقال: عظني يا إمام، فقال له: إن كان الله قد تكفل بالرزق فاهتمامك لماذا؟ وإن كانت النار حقا فالمعصية لماذا؟ وإن كانت الدنيا فانية فالطمأنية لماذا؟ وإن كان الحساب حقا فالجمع لماذا؟ وإن كان كل شيء بقضاء الله وقدره فالخوف لماذا؟ و إن كان سؤال منكر ونكير حقا فالأنس لماذا؟ فخرج الرجل من عند الإمام وعاهد نفسه أن يرضى بقضاء الله وقدره.
|
#18
|
|||
|
|||
الفصل الثاني شقاء البشرية اليوم بسب تحريف العقيدة الصراع بين العقيدة المحرفة والحقائق العلمية هنالك نقاط يجب أن لا تغيب عن بالنا كلما تحدثنا عن هذا الدين أو تكلمنا عن هذه العقيدة وهي: 1- ربانية هذه العقيدة، وهي المنهاج الأخير للحياة البشرية إلى يوم الدين. 2- ان هذه العقيدة التي يقام عليها صرح الشريعة هي فقط التي تكفل سعادة الإنسان في الدين. 3- وهي -وحدها- التي تجمع بين الروح والجسد في نظام الإنسان، والأرض والسماء في نظام الكون، وبين العبادة والعمل في نظام الدين، كما قال الأستاذ سيد قطب في العدالة الإجتماعية. 4- أن الاعمال كلها والتصرفات جميعها مبنية على العقيدة وهي انعكاسات لها. 5- كل عمل لا يرتبط بالعقيدة فلا وزن له: (مثل الذين كفروا بربهم أعمالهم كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف لا يقدرون مما كسبوا على شيء) (إبراهيم: 18) هذه الأمور الخمسة لا بد أن تكون المنارة السامقة لكل من أراد النجاة من الشقاء، ولمن أراد الطمأنينة والسلامة والسعادة. ومن أجل أهمية العقيدة: فلقد أفرد لها رب العزة مساحة واسعة من كتابه، وأعطاها فترة طويلة حتى تستقر في الأعماق وتعيش مع النفوس، فالفترة المكية كلها تقريبا لا تكاد تخرج بنصوصها عن هذه القضية الكبرى، ولا تناقش إلا هذا الموضوع، وذلك لأن بناء النفوس بالعقيدة عملية بطيئة شاقة، قد يحتاج هذا العمل مدة توازي نمو الجسم نفسه. (وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث) (الإسراء: 106) فالفرق مقصود والمكث مقصود، وكذلك فإن استقرار العقيدة في الأفئدة يتوقف عليه تنفيذ جميع التشريعات، ومن هنا تأخر نزول التشريع إلى المدينة حتى تستقر العقيدة في نفوس الصحب الكرام الذين جعلهم الله ستارا لقدره، ونصر هذا الدين على أيديهم. يقول الأستاذ أبو الحسن الندوي في كتابه: (ماذا خسر العالم بانحاط المسلمين)(1) [ماذا خسر العالم بانحاط المسلمين (ص88)]. تحت عنوانانحلت العقدة الكبرى). وأنتهزها فرصة لأنوه بقيمة هذا الكتاب فلو قرأه كل واحد من المسلمين، وحبذا لو احتوته كل مكتبة. يقول: (انحلت العقدة الكبرى، عقدة الشرك والكفر، فانحلت العقد كلها، وجاهدهم رسول الله صلي الله عليه وسلم جهاده الأول، فلم يحتج إلى جهاد مستأنف لكل أمر أو نهي، وانتصر الإسلام على الجاهلية في المعركة الأولى، فكان النصر حليفه في كل معركة .. نزل تحريم الخمر والكؤوس المتدفقة على راحاتهم، فحال أمر الله بينها وبين الشفاه المتلمظة والأكباد المتقدة، وكسرت دنان الخمر فسالت في سكك المدينة« كلمة واحدة اجتثت عادة متأصلة في القوم ورثوها كابرا عن كابر (فهل أنتم منتهون؟) قالوا: انتهينا، انتهينا، بينما حاولت أمريكا(2) [أنظر في ظلال القرآن، الطبعة الرابعة (ج5ص27) أخذا من كتاب تنقيحات للأستاذ أبو الأعلى مودودي]. أن تحرم الخمر، واستعملت جميع الوسائل المدنية الحاضرة كالمجلات والجرائد والمحاضرات والصور والسينما لبيان مضارها، وأنفقت ما يزيد على (60) ستين مليون دولارا ضدها، وطبعت حوالى عشرة بلايين صفحة، وتحملت لتنفيذ القانون حوالى (250) مليون جنيها، وأعدمت ثلاثمائة نفس، وسجنت ما يزيد على نصف مليون، وصادرت من الممتلكات بحوالى أربعمائة مليون وأربعة بلايين جنيه، ومع هذا لم يزد الشعب الأمريكي إلا معاقرة للخمرة، مما اضطر الحكومة إلى إباحته سنة (1033م). والسبب بسيط: إن التنفيذ للأوامر يكون ناتجا عن الإعتقاد. وكذلك فإن العقيدة تمثل الجذور لشجرة هذا الدين، وما لم تكن الجذور ضاربة في أعماق الأرض، فإنها لن تحمل فروع هذه الشجرة الضخمة الباسقة، فالعمل الصالح لا بد له من إيمان متمكن في جوانب النفس وأغوارها وأعماق الفؤاد ومسارب الضمير. وكذلك فالعقيدة تمثيل الأساس للبناء، والعمارة الضخمة لا بد لها من أساس مكين وقاعدة صلبة حتى يستقر فوقها البناء. وهنا يبرز عامل آخر انبثق عن هذه الحقيقة، وهى آنه لا بد من بناء الأساس قبل الشروع برفع البناء وإلا فسينهار البناء كله، لا بد من البداية مع أي نفس ندعوها إلى هذا الدين أو نريد تربيتها على أساس الإسلام من الإيمان أولا وقبل كل شيء، خاصة في هذا العصر الذي بهت فيه مفهوم العقيدة في نفوس أبناء هذا الجيل المنتسب إلى الإسلام، لا بد من انتهاج نفس الطريق الذي انتهجه رسول الله صلي الله عليه وسلم من تثبيت العقيدة في النفس ثم مطالبتها بعدها بالفروع، لا بد أن نعرف الناس بربهم وعظمته وهيمنته على الكون، فهو مالك الملك، وهو الذي بيده ملكوت كل شيء، وهو القاهر فوق عباده، وهو الذى إليه يرجع الأمر كله، وهو الخالق الرازق.. لا بد من هذه البداية، أما أن نبدأ نطالبهم بتطبيق فروع الشريعة وهم لم يعرفوا صاحب الخلق والأمر، فهذا عبث ومحاولة لاستنبات البذور في الهواء. ومن أجل أهمية العقيدة وحساسية موضوعها وجوهريتها: فقد كانت معظم نصوص العقيدة في القرآن بكلمة (قل) التلقينية، (قل هو الله أحد) (قل يا أيها الكافرون) (قولوا: آمنا بالله وما أنزل إلينا) . وكذلك فإن علماء الأصول اشترطوا لبناء العقيدة نصوصا قطعية الثبوت وقطعية الدلالة(1) [قال ابن عبد البر من المالكية عن خبر الآحاد (والذي عليه أكثر أهل الحذق منهم أنه يوجب العمل دون العلم (أي اليقين والقطع) وهو قول الشافعي وجمهور أهل الفقه والنظر ولا يوجب العلم عندهم إلا ما شهد الله به وقطع، وقال قوم كثير من أهل الأثر وبعض أهل النظر: أنه يوجب العلم والعمل جميعا . منهم أبو الحسين الكرابيسي. ثم قال ابن عبد البر: أنه يوجب العمل دون العلم) أنظر المسودة في أصول الفقه لآل تيمية صفحة (542)]. والآن لا بد أن أشير إلى نقطة هامة وهي: (التفريق بين التصور الإعتقادي والفلسفة): إن التصور الإعتقادي تصور يستقر في القلب، ويرتضيه العقل، ويتفاعل مع المشاعر، وينعكس على التصرفات في واقع الحياة، والعقيدة -غالبا - هي من أكبر العوامل التى لها تأثير في سير التاريخ وتغيير واقع الناس وحياتهم، وليس غريبا عليك التغيير الكبير الذى حدث في الحياة منذ نزول العقيدة الإسلامية، وأما الفلسفة(2). [قال السيوطي: أنه يحرم إلاشتغال بالفلسفة كالمنطق لإجماع السلف وأكثر المفسرين المعتبرين من الخلف، وممن صرح بذلك -التحريم- ابن الصلاح والنووي وخلق لا يحصون، وقد جمعت في تحريمه كتابا ، وقد رجع الغزالي إلى تحريمه. أنظر شرح الفقه الأكبر (4)]. فإنها ترف عقلي لا يتجاوز الأخيلة وغالبا يعيش في أذهان الفلاسفة، ولم تدفع الفلسفة بالبشرية خطوة واحدة إلى الأمام، فمعظمها نظريات تعيش في عقول الفلاسفة الذين يفكرون من أبراجهم العاجية، دون أن يكون لها حرارة التفاعل مع القلوب، أو الحياة مع المشاعر والنفوس أو انعكاس السلوك في الحياة. وهنا أريد أن أنبه إلى قضية مهمة، أصبحت وكأنها حقيقة مسلمة في أذهان الذين يدرسون ما يسمى بالفلسفة الإسلامية. إنه ليس من السهل أن تنقل العقيدة الربانية بوسائل بشرية وتفكيرات إنسانية، كما أنه لا يمكنك أن تنقل اللبن الطاهر بكأس أثرها خمرة، ولذا فليس من السهل أن تنقل التصور الإسلامي الرباني الصافي بقوالب فلسفية، لأنها تطفىء نوره وإشعاعه وتقتله، وتصبح العقيدة جافة بعد نداوتها، سلبية بعد إيجابيتها، معقدة بعد سهولتها: (ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر) (القمر: 22) ولقد حاول بعض الجهابذة من العلماء الأفاضل نقل العقيدة عن طريق علم الكلام والمنطق -بعد أن افتتنوا بها-، وذلك كحجة الإسلام أبي حامد الغزالي المتوفي سنة (505هـ ) وإمام الحرمين الجويني، وفخر الدين الرازى سنة (606هـ.). إلا أن التجربة كانت لديهم مرة، وكانت حصيلتها أن كادت تنزلق نفوسهم، وتضطرب تصوراتهم، مما اضطر الثلاثة أن يرجعوا عن الكلام أخيرا. فقد كتب الغزالي رسالته التي أسماها (إلجام العوام عن علم الكلام) وقال: (فلم يكن الكلام في حقي كافيا ولا لدائي الذي كنت أشكوه شافيا )، وقال: (الحق أن علم الكلام حرام إلا لشخصين)(3) [فيصل التفرقه بين الإسلام والزندقة للغزالي (ص90) عيسى الحلبي]. وأما الجويني فكان يبعض أصابع الندم في أواخر سنين حياته لما فرط فيه في البحث عن الكلام، وكان يقول(4): [تلبيس إبليس لابن الجوزي (93)]. (عليكم بدين العجائز، فإن لم يدركني الحق بلطيف بره فأموت على دين العجائز ويختم عاقبة أمري عند الرحيل بكلمة الإخلاص، فالويل لابن الجويني«. ويقول الرازي(10) [شرح الفقه الأكبر لملا علي القاري صلي الله عليه وسلم (7)]. نهاية إقدام العقول عقال وغاية سعي العالمين ضلال ولم نستفد من بحثنا طول عمرنا سوى أن جمعنا فيه قيل وقالوا ويقول الشهرستاني: سنة (548 هـ) (صاحب كتاب الملل والنحل): لعمري لقد طفت المعاهد كلها وسيرت طرفي بين تلك المعالم فلم أر إلا واضعا كف حائر على ذقن أو قارعا سن نادم(1)[أنظر شرح الفقه الأكبر ص (7)]. نعم لقد تراجع الأعلام الثلاثة عن علم الكلام، ولكن متى؟ بعد أن أغرقوا العقيدة بالمنطق والكلام اليوناني المشوب بالأساطير الوثنية، (وكيف يمكن لعقيدة التوحيد الخالصة التي نزلت من رب العالمين أن تنقل بالتفكير الإغريقي الملوث بالوثنية؟ إنه محال). وكذلك فإن هؤلاء الأئمة كانوا عباقرة في علم الأصول، فحاولوا أن ينقلوا الأصول بواسطة علم الكلام والمنطق، فعقدوا الأصول، وأصبح علم الأصول جافا بعد أن كان سهلا مبسطا ، وإن كنت في ريب مما أقول فاقرأ رسالة الإمام الشافعي وانظر يسرها وبساطتها، وقارن - إن شئت- بينها وبين كتاب مثل جمع الجوامع للسبكي، والتحرير للكمال بن الهمام، وانظر الفرق الشاسع والبون الواسع. وأعجب أن يبقى المنطق وعلم الكلام يدرسان إلى يومنا هذا، بحجة أن هذين ضروريان للعقيدة والأصول. إن العقيدة الربانية التي تكفل القرآن ببيانها وإظهارها بيسر وبساطة لا يجوز أن تنقل بوسائل من تفكير بشرى، يقول الشافعيلأن يبتلى العبد بكل شيء نهي عنه -غير الكفر- أيسر من أن يبتلى بعلم الكلام).(2)[أنظر اعلام الموقعين لابن القيم (4/842) وتلبس إبليس (19)]. وقال الإمام أحمد: (لا يفلح صاحب كلام أبدا ، علماء الكلام زنادقة)(3) [تلبس إبليس (19)، قال الإمام مالك : (لا تجوز شهادة أهل البدع والأهواء)، قال بعض أصحابه: أراد أهل الكلام. أنظر شرح الفقه الأكبر (6)]. ضرورة صفاء العقيدة مهمة ونقائها من آراء البشر: وهذه نقطة مهمة جدا بل أساسية في العقيدة التي نزلت من عند الله، إذا اختلطت بآراء البشر فإنها لا تبقى ربانية، ولا تبقى هى التى تقود إلى السعادة في الدارين، ولعلك بحاجة إلى زيادة تفسير (فتعال معي يا أخي نسأل التاريخ ونجول عصوره). لقد حدثنا القرآن (الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه) أن الرسل أجمعين جاءوا بعقيدة التوحيد الخالصة. (وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون) (الأنبياء: 25) هذه شهادة القرآن الصادقة. والآن لنفتح معا صفحات أخرى لنرى كيف بدل اليهود والنصارى هذه العقيدة. (وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله ذلك قولهم بأفواههم يضاهئون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم الله أنى يؤفكون) (التوبة: 30) ولو فتحت الكتاب المقدس لوجدته حافلا بهذه اللوثات الوثنية، ففي الإصحاح الثالث: (فنادى الرب الإله آدم، وقال له أين أنت؟) سبحانك يا رب وتعاليت عما يقولون علوا كبيرا. إنه لا يعرف أين آدم، فمن هذا الإله؟! أوليس يعلم السر وأخفى كما حدثنا القرآن؟ (ألم تر أن الله يعلم ما في السموات وما في الأرض، ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أينما كانوا ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة إن الله بكل شيء عليم) (المجادلة: 7) ألم يسمعوا قوله تعالى: (وأسروا قولكم أو اجهروا به إنه عليم بذات الصدور، ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير) (الملك: 13-14) ماذا حصل من جراء التحريف والتغيير في الكتب السماوية وفي العقيدة الربانية؟ لقد حصل الشقاء الذي نعانيه وتعانيه البشرية كلها اليوم، لقد أدخل رجال الدين اليهودي والنصراني كلاما من عند أنفسهم، وهذا ما صرح به القرآن: (فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذه من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون) (البقرة: 79) وكان مما أدخلوه عقيدة التثليث، وكذلك معلومات بشرية تعتمد على التجارب البشرية في الجغرافية والفلك وغيرها، وكتبوا كتبا في الجغرافية سموها (الجغرافيه النصرانية)(1) [أنظر كتاب ماذا خسر العالم بإنحاط المسلمين للندوي (571)]. وكفروا كل من يخالفها، وأخذت الكنيسة تبحث عن علماء الفلك والجغرافيا الذين أعلنوا اكتشافاتهم العلمية، فأنشأت الكنيسة محاكم التفتيش، فاختبأ العلماء -الذين هم ملحدون في نظر الكنيسة- في الغابات والمغاور، وعاقبت من النصارى الذين يحملون هذه الآراء الجغرافية والفلكية المخالفة لنظر الكنيسة حوالي ثلاثمائة ألف، أحرق منهم اثنان وثلاثون ألفا أحياء، كان منهم العالم الطبيعي (برونو) سنة (1600)، وكذلك العالم الطبيعي الشهير جاليلو سنة (1642)، لأنه يعتقد بدوران الأرض، وعذبت كوبر نيكوس. حتى قال أحد العلماء النصارى: (لا يمكن لرجل أن يكون مسيحيا ويموت حتف أنفه)(2) [أنظر هذا كله في (ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين) للندوي ص571، وارجع إلى (التطور والثبات في حياة البشرية) لمحمد قطب ص (61)]. أي يموت موتا طبيعيا ، بل لا بد أن يقتل أو يحرق. ماذا كانت النتيجة؟ العداء بين العلم والدين. بدأ العلماء يفكرون كيف يخلصون من سلطان الكنيسة وسطوتها واستطالتها؟ (لا بد من إسقاط إله الكنيسة حتى تسقط الكنيسة، لأن الكنيسة تستطيل باسم الله). وقد سبق الإنكار محاولة للاصلاح بمحاربة بعض تعاليم الكنيسة، كالتي قام بها لوثر المتوفى سنة (1546)، كلفن المتوفى سنة (1564)، وأخذوا يحاربون تعاليم البابا التي كانوا يسمونها تعاليم الشيطان، مثل عقيدة التثليث، وكذلك بيع صكوك الغفران، والاعترافبالخطيئة، وقامت حرب ضروس بين هذين وبين البابا. وفي النصف الثاني من القرن الثامن عشر بدأ العصر الذي سموه (عصر التنوير أو عصر سيادة العقل) وظهر فيه نيشته : الذي أعلن سيطرة العقل على الدين سنة (1714م)، وظهر (هيجل) : الذي حاول أن يؤيد الدين بتخبط، إذ أن الله عند هيجل عقل -سبحانه وتعالى عما يشركون-. وزاد الصراع بين الدين والعلم ببزوغ فجر القرن التاسع عشر الذي سمي بعصر (الوضعية) أو عصر سيادة الحس، الذي يعتبر الواقع أو الطبيعة هو مصدر المعرفة، وسيادة الطبيعة على الدين والعقل، وأن عقل الانسان هو وليد الطبيعة، وطريق الانسان يبتدىء بالفردية وينتهي بالجماعة التي يجب أن يذوب فيها الفرد، والطبيعة هي التي تنفش الحقيقة في العقل. وأشهر أبطال هذا العصر (أوجست كونت)(1) [الفكر الإسلامى الحديث وصلته بالإستعمار الغربي (972) وكذلك ص (813)]. ولكن لا ندرى كيف تنقش الحقيقة في العقل، وهل الحقيقة التي تنقشها الطبيعة في عقل البقرة والقرد كالتي تنقشها في عقل كونت وغيره؟ وقد ظهر في هذا العصر (دارون) الذي وضع كتابه أصل الأنواع سنة (1859م)، وكتابه الآخر أصل الانسان سنة (1817م)، وزاد النزاع واحتدم الخصام بين دارون وبين الكنيسة التي كفرته، ووقف الناس بادىء ذي بدء مع الكنيسة، ولكن الموقف أخذ يتحول تدريجيا لصالح دارون، وقد وجد الناس أن هذه فرصة سانحة للتخلص من الغول البشع الذي يضطهد الناس باسم الدين(2) [التطور والثبات في حياة البشرية ص(61)]. وأنكر دارون تدخل الله في عملية النشوء والإتقاء، وقال: (إن تفسير النشوء والإرتقاء بتدخل الله هو بمثابة إدخال عنصر خارق للطبيعة في وضع ميكانيكي بحت). ثم جاء (ماركس) ليعلن الإلحاد من خلال أبحاثه في الإقتصاد، فهو يرى أن الدين والقيم الروحية والأخلاقية والسلوك هو عبارة عن انعكاس عن المادة، وتاريخ العالم هو تاريخ البحث عن الطعام، وحدد في (المنيفستو) البيان الشيوعي المطالب الرئيسية للإنسان: المأكل والمسكن والإشباع الجنسي)(3) [الفكر الإسلامي الحديث لمحمد البهي (623) فما بعدها]. والدين عنده هو أفيون الشعوب. ثم جاء (فرويد) ليعلن صرخته في عالم الجنس.. وقال بأن الغرائز هي التي تحكم الإنسان، وأن الروح لا وجود لها على الإطلاق، والحياة كلها جنس، حتى الدين والأخلاق فإنها انبثاق جنسي، فالطفل يحب أمه جنسيا ، ثم يجد الأب حائلا دونها فينشأ عنده (عقدة أو ديب)، والطفلة تعشق أباها جنسيا ، ولكن أمها تحول بينها وبين أبيها، فينشأ لديها (عقدة ألكترا)!! ومن المعلوم أن الصهيونية العالمية كانت وراء هؤلاء. تقول بروتوكولات حكماء صهيون(4) [البروتوكول الثاني. أنظر بروتوكولات حكماء صهيون (الخطر اليهودي) ترجمة التونسي، صفحة (231)]. (لقد رتبنا نجاح دارون وماركس ونيتشه بالترويج لآرائهم، وإن الأثر الهدام للأخلاق الذي تنشئه علومهم في الفكر غير اليهودي واضح لنا بكل تأكيد). وبعد هذه المعارك المتواصلة بين الكنيسة وبين هؤلاء انزوى رجال الكنيسة بين جدرانها الأربعة، ورجعت كسيفة حزينة، وسقط إله الكنيسة في نفوس الناس، هذا الذي كانت تخضع الناس باسمه، والسبب في هذا بسيط جدا : (إن دين الله السماوي وعقيدته الصافية لم تدخل المعركة، إنما دخل المعركة آراء البشر الفجة المرتجلة، وأخذت تقاوم حقائق علمية وإحصائيات دقيقة تدعمها التجارب والبراهين). يقول الأستاذ محمد البهي(1) [أنظر الفكر الإسلامي الحديث لمحمد البهي فصل الدين مخدر صفحة (592) فما بعدها]. (ومن هذا يتضح أن صراع العقل مع الدين هو صراع الفكر الإنساني مع مسيحية الكنيسة، وإن دوافع هذا الصراع هي الظروف التي أقامتها الكنيسة في الحياة الأوروبية). والآن ما هو موقف الكنيسة؟ لقد عادت تجري وراء الناس وتلهث على أثرهم، ترجوهم أن يحضوا ساعة أو أقل في الأسبوع مع الإعلانات والمغريات، ودونك إحدى الإعلانات(2) [الإسلام ومشكلات الحضارة لسيد قطب صفحة (18)]. المعلقة بباب إحدى الكليات لإقامة حفلة كنسية. يوم الأحد أول أكتوبر سنة (1950م) في الساعة السادسة مساء: عشاء خفيف، ألعاب سحرية، الغاز، مسابقات، تسلية، رقص! أسمعت؟ عادت ترجو الناس أن يجتمعوا داخل الكنيسة ولو على الرقص والتسلية!! ولكن رغم أن الكنيسة هزمت إلا أن العداء بقي قائما بين العلم والدين، وبقي هذا العداء الذي أتعب البشرية وأشقاها، ولا زلنا نعاني آثاره، وندفع ضريبته من راحتنا وأبنائنا وأجيالنا، لا زلنا ندفع الثمن بما نعيشه من حيرة واضطرب ونكد وشقاء.
|
#19
|
|||
|
|||
الفصل الثالث بعض خصائص العقيدة ومكانة الإنسان فيها لقد بدأ الصراع في أوروبا بين العقيدة المحرفة وبين الحقائق العلمية، ثم امتد الصراع إلى أرضنا وإلى أبنائنا، وأخذ أبناؤنا -خاصة الذين يتخرجون من المؤسسات العلمية الغربية، ومن الجامعات الأمريكية والأوروبية هناك أو فروعها هنا- أخذوا يعادون الدين ظانين أن عقيدتنا تعادي العلم، وأن ديننا كالدين الكنسي يصارع ويصطدم بالبحوث العلمية، ولكنها الصبغة التي اصطبغ بها العلم الغربي من جراء المعارك الطاحنة، صبغة الجفوة بين الدين والعلم والعداء بينهما، ونقله أبناؤنا دون تريث وبلا تفكير قليل في مصدر هذا النزاع وفي سبب هذا الشقاء، وأخذنا نتبع التفكير الأوروبي المادي حذو القذة بالقذة، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلناه. لقد نسي أبناؤنا أن قرآننا يقول: (يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات) (المجادلة: 11) وكأنهم لا يقرأون: (قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون) (الزمر: 9) نسوا أن القرآن من عند الله، والله يعلم ما سيحدث، وما سيجد من الأجيال والإكتشافات والعلوم. إن الاكتشافات هي عبارة عن معرفة سنن الله في هذا الكون، والله الذي خلق هذه السنن والنواميس والأنظمة في الكون هو الذي أنزل القرآن، وهو الذي أنطق رسوله صلي الله عليه وسلم بالسنة (وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى) (النجم: 3) فلا يمكن أن يصطدم نظام الله في الكون ونظام الله في القرآن. (فالكون هو كتاب الله المنظور والقرآن هو كتاب الله المسطور، فلا يمكن أن يصطدم الكتابان معا )، هذا إذا كنا مسلمين، ونعتقد أن القرآن منزل من عند الله، وأنه قطعي الثبوت متواتر، ومن شك في حرف من القرآن فقد كفر. (لا يمكن لأية نظرية علمية أن تصطدم مع آية قرآنية أو حديث نبوي ثابت صحيح، وإن اصطدمت فإن هذا يعني أن النظرية لم تثبت بعد، وما أكثر النظريات العلمية التي كنا نعدها حقائق علمية مسلمة) ثم تراجع عنها أصحابها في حياتهم أو أثبت خطأها من بعدهم. ولا ننسى أن العلماء في ميادين الطب والفلك والجغرافيا وغيرها من العلوم التجريبية المحضة في هذا القرن -العشرين- قد ألقوا السلم وكفوا أيديهم عن محاربة الدين والغيب، وأخذوا يعترفون-تحت ضغط الحقائق العلمية- بوجود الله، الإرادة المدبرة لهذا الكون وما فيه. وأصبح العلم يثبت وجود الله، وأصبح العلم مرادفا للغيب لا مناقضا له ومصطدما معه. ونحن عندما نقول: إن العلم يثبت وجود الله وينفي الإلحاد لا نعني به أننا نورده لتصديق نفوسنا، فلقد آمنا قبل أن يأتي العلم، آمنا بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا ورسولا ، نعتقد بالله قبل أن يقول فلان فلان .. ولكننا نورد هذا لنحاكم الذين يدعون العلم ليثبتوا جحودهم وليعلنوا إلحادهم، لقد أصبح في هذا القرن من يدعي الإلحاد عن طريق العلم جاهلا في نظر الذين فاقوه في ميدان أبحاثه -هذا إن كان باحثا - إن لم يكن ببغاء تلوك ما تسمع. (ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء صم بكم عمي فهم لايرجعون) (البقرة: 171) وإن أردت الإستزادة في هذا الموضوع فاقرأ كتاب (الله يتجلى في عصر العلم) وليسمع فيه قول (رسل أرنست) الأستاذ بجامعة فرانكفورت بألمانياإن ملايين الملايين من الخلايا الحية الموجودة على سطح الأرض تشهد بقدرته شهادة تقوم على الفكر والمنطق، ولذا فإنني أومن بوجود الله إيمانا راسخا)(1) [أنظر في ظلال القرآن (7/332) ط/ الرابعة]. واقرأ إن شئت .. (العلم يدعو إلى الإيمان لكريسي موريسون) وإن استطردت فارجع إلى سلسلة كتب الأستاذ عبد الرزاق نوفل: الله والعلم الحديث، الإسلام والعلم الحديث، القرآن والعلم الحديث، طريق إلى الله، بين الدين والعلم. والآن لنرجع إلى حديثنا عن عقيدتنا وديننا الذي تكفل الله بحفظه: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون). ولنرى (مركز الإنسان في هذه العقيدة): إن الإنسان في العقيدة كريم، يحتل المكانة الأولى في هذا الكون، فقد سخر الله له ما في السموات وما في الأرض: (وسخر لكم ما في السموات وما في الأرض جميعا منه إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون)(الجاثية: 13). والذي يسخر له السموات والأرض هو أثمن من السموات والأرض وأغلى منهما: (وما خلقنا السموات والأرض وما بينهما لاعبين، ما خلقناهما إلا بالحق ولكن أكثرهم لا يعلمون)(الدخان: 38-39). ومن اللحظة الأولى التى أعلن فيها ميلاد الإنسان أمر الملائكة بالسجود له إيذانا بكرامته عند الله، ولقد حرصت الآيات الكثيرة بتكريمه: (ولقد كر منا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا) (الإسراء: 70) (لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم، ثم رددناه أسفل سافلين، إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات) (التين: 4-6) وعلى هذا فالإنسان كريم في هذا الدين، وتكريمه من صلب هذه العقيدة، إذن لا بد أن يكون له دور كبير، ولقد حددت الآية التي أعلنت عن خلقه وظيفة من وظائفه (وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة) (البقرة: 30) وحددت الآية الأخرى قصر وظيفته على العبادة: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون، ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون، إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين) (الذاريات: 56-58) (إلا ليعبدون) وإلا عندما تأتي بعد النفي تكون للحصر والقصر، فقد حصر الله وظيفته في العبادة التي تقول بأنه لعمارة الأرض وإصلاحها وبأنه خليفة في الأرض. إذن لا بد أن تكون خلافة الأرض وعمارتها جزء من العبادة، فالعبادة تشمل كل جوانب الحياة، فالصلاة عبادة، وزيارة الأرحام عبادة، وغض البصر عن المحارم عبادة، والعدل في الحكم عبادة، ولبس الجلباب الطويل للمرأة عبادة، والأمانة في البيع، والجهاد في سبيل الله عبادة، بل يصبح الطعام عبادة والمودة بين الزوجين عبادة. وتصبح كل كلمة وكل حركة وكل خالجة عبادة، بل النيه الطبية عبادة، والبغض في الله عبادة. هذا كله بشرط واحد أن تكون هذه الأعمال مرتبطة بالله، بحيث تكون متجهة إلى الله عزوجل، خالصة لوجهه الكريم. ولذا فإن قيمة الأعمال في العقيدة الإسلامية مستمدة من بواعثها لا من نتائجها، لأن النتائج بيد الله، لأن جزاء الإنسان لا يتوقف على نتائجها، بل الجزاء من النية في عملها، ولذا فإن موقف الإنسان يتغير تغيرا كاملا تجاه الواجبات. ومن ثم فإن جزاء الإنسان في الإسلام لا يتعلق بالنتائج، وتخلص نفسه من حظ نفسه، ولا يترقب ثمارا لعمله -حتى انتصار هذا الدين على يديه-، ومن أجل هذا (فإن الغاية لا تبرر الواسطة في العقيدة الإسلامية)، فلا يمكن أن يستعمل المسلم ولا يجوز له استعمال الوسائل الخسيسة لتحقيق غاية كريمة، فلا يحق له الغش في الإمتحان من أجل نيل الشهادة التي يظن أنه يخدم بها الإسلام، ولا يحق له السرقة من أموال الكافر للتصدق بها على المسلمين. وهنا أريد أن أشير إلى قضية تتعلق بشمول العبادة للحياة، هذه القضية هي قضية الفصل بين (العبادات والمعاملات). إن هذه القضية جاءت مؤخرا عندما بدأ الفقهاء يؤلفون في الفقه، وذلك من ناحية علمية فنية لا بد منها للتدريس، فهي للتسهيل على الطالب والمعلم، إلا أن هذا التقسيم ترك آثار سيئة في الحياة الإسلامية، إذ تعلق في أذهان الناس، أن العبادة فقط هي الشعائر التعبدية، أما المعاملات فقد ثبت في عقول الناس أنها ليست عبادة، ولقد رسخ في ذهن الكثيرين أن الصلاة عبادة، أما أداء الأمانة وصدق الحديث والأمر بالمعروف فإنهم لا يكادون يصدقون أنها عبادات. إن تنفيد كل أمر جاء في الكتاب أو السنة واجتناب كل نهي ورد فيهما عبادة، إن كل تصرف في الحياة عبادة، إن العبادة تشمل كل نشاط للإنسان في هذه الحياة، هذا مع صدق النية وإخلاصها وتجردها لله. (يقول الأستاذ محمد أسد (ليوبولد فايس) وهو رجل له مكانته في النمسا ترك النصرانية وأسلم: (ان الإسلام لا ينظر إلى الحياة على أنها صدفة فارغة عادية، ولا على أنها طيف خيال للآخرة، ولكن على أنها وحدة إيجابية تامة في نفسها، وعبادة الله في أوسع معانيها تؤلف في الإسلام معنى الحياة الإنسانية، هذا الادراك -وحده- يرينا إمكان بلوغ الإنسان الكمال في إطار حياته الدنيوية، إن الإسلام لا يؤجل هذا الكمال إلى ما بعد إماتة الشهوات الجسدية، ولا بعد سلسلة متلاحقة من تناسخ الأرواح، كما هو في الهندوكية، إن العبادة في الإسلام ليست محصورة في أعمال من الخشوع الخالص كالصلاة والصيام مثلا ، ولكنها تتناول كل حياة الإنسان العملية)(1) [(الإسلام على مفترق الطرق) لمحمد أسد]. والآن دعنا نتعرف ( على خصائص العقيدة الإسلامية وآثارها في حياة البشر): 1- إن أولى خصائص هذه العقيدة أنها ربانية من عند الله، وأنها لم تتغير ولم تتبدل، وهذا يطمئن النفس أنها خير لأنفسنا، وأن السعادة تكمن في تنفيذها، وأن الشقاء يترتب على تركها: أ. فالخير والبركة والسعادة ووفرة الإنتاج كلها من بركات تطبيق الشريعة المبنية على هذه العقيدة: (ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون) (الأعراف: 96) (ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم منهم أمة مقتصدة وكثير منهم ساء ما يعملون) (المائدة: 66) ب. وما دامت ربانية من الله عزوجل فإنها مبرأة من النقص، سالمة من العيب، بعيدة عن الحيف والظلم، لأن الله له المثل الأعلى في السموات والأرض (أفلا يتدبرون القرآن ..)(النساء: 82). ج-. ومادامت ربانية فهي التي تشبع جوعة الفطرة للعبادة لا يسدها إلا منهاج الله، ولا تملأها النظم الفلسفية، ولا السلطان السياسي، ولا الثراء المالي. وهذه الجوعة الفطرية للجوع إلى قوة عليا تبرز بادية للعيان أمام الأعاصير والكوارث والمحن، فهذا (ستالين) الذي كان يقول: (لا إله والحياة مادة، والدين علقة تمتص دماء الشعوب) يضعف أمام هول الحرب العالمية الثانية، فإذا به يخرج القساوسة من السجن حتى يدعوا له بالنصر. ومرة ثانية أمام شدة المرض يرسل وراء القسيس حتى يصلي له ويستغفر. د. ومادامت ربانية فالناس أمامها سواء لا فضل لعربي على عجمى إلا بالتقوى، فالله خالق الناس أجمعين فكلهم عبيده، وهو لا يفضل لونا على لون. الأبيض على الأسود -كما هو الحال في القانون الأمريكي-، ولا يفضل الرجال على النساء من باب قوله تعالى: (من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون)(النحل: 97) وليس من باب قوله تعالى: (الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم)(النساء:34) فتأمل الفرق.. ولا يحابيهم سبحانه -لأن الرجل والمرأة كلهم خلقه-، ولا يفضل طبقة على طبقة كالأشراف على العبيد، ولا يفضل جنسا على جنس، كتفضيل العرق الآري والجنس الأبيض على غيره (وألمانيا فوق الجميع)، ولذا فهي العقيدة الوحيدة التي تنصف الناس وتعدل بينهم، والناس يقفون فيها على قدم المساواة حاكمهم ومحكومهم سواء. (وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا لا مبدل لكلماته وهو السميع العليم) (الأنعام: 115) 2- ومن خصائص هذه العقيدة أنها ثابتة: (فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها، لا تبديل لخلق الله، ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون) (الروم: 30) وثبات العقيدة ناتج عن أنها منزلة من عند الله، وقد انقطع الوحي بالتحاق رسول الله صلي الله عليه وسلم بالرفيق الأعلى من الجنة، وبقيت النصوص ثابتة إلى يوم الدين لا ينسخها ناسخ ولا يبدلها كافر. والإنسان يتحرك ويتطور وينمو، ولكن داخل إطار العقيدة الثابت الذي يتسع لحركة الإنسان ونموه، وإذا خرج الإنسان من الإطار الثابت فإنه يسبح كالنجم الذي يفلت من مداره، ويسير إلى نهايته التي تؤدي إلى اصطدامه بكوكب آخر، فيتحطم ويحطم معه غيره. ولا بد من شيء ثابت يرجع الناس إليه، حتى يطمأنوا ويستريحوا ويكون عندهم مقياس يعرفون طول الأشياء وعرضها ووزنها، أما الذين يقولون بأن كل شيء متطور في الحياة حتى الدين والأخلاق والنظم، فهذا يؤدي إلى فوضى كبيرة، فلا نعرف الحكم على أي شيء، ولأضرب مثلا: الزنا مثلا ثابتة حرمته وبشاعته في الديانات التي نزلت من عند الله، فلا يختلف في هذه القضية اثنان. فإذا كان المقياس الذي حكمنا به على الزنا أنه قبيح ثابت، فإن الزنا يبقى بشعا ، ويستقر في ذهن الأجيال أن هذا الحكم ثابت لا يتغير، فتتربي قلوبهم على كراهية الزنا واحتقاره. أما إذا كان القانون والدين غير ثابتين، وكانا متطورين، فإنه يعني أن الزنا كان بشعا في فترة من الفترات، ولكن الزنا الآن في عرف الذين يقولون بتطور الأخلاق مثل (فرويد) ضرورة بيولوجية لا بد منها. وكذلك ستر العورات وتغطية اللحم باللباس -خاصة من قبل النساء- كان أمرا طبيعيا وثابتا في الأخلاق والأديان، ويبقى ثابتا إلى يوم الدين، أما فى الأخلاق المتطورة فلقد كان ستر العورة مستحسنا في عصر من العصور، ثم جاء القرن العشرين ورأى أن ستر العورة شيء مستقبح، وأصبح أصحابه ينادون بكشف العورة من أجهزة إعلامهم وأبواقهم التي تفوح منها رائحة الخبث والكيد والغدر بهذا الكائن الإنساني الذي يريدون تحطيمه. وثبات العقيدة يضع ميزانا ثابتا يقيس الناس، فالميزان واحد، الكيلو في هذا الميزان تساوي (1000) غم، فإذا جئنا نزن شخصا فإننا نضعه في هذا الميزان الواحد ونضع مقابله كيلوات حتى نعرف وزنه، وهنا يكون الحكم صحيحا على وزن جميع الناس، لأن الوزن واحد والعيار واحد، فإذا جاء قوم وغيروا الميزان وقالوا عن الكيلو أنها قنطار، فإن الشخص الذي يزن سبعين كيلو غراما في الميزان الأول هو نفسه يزن سبعين قنطارا في الميزان الثاني، والشخص هو الشخص. وعندما يختلف الميزان لا يمكن أن يكون الحكم صحيحا ، ولذا فإن الرجل عند الناس يكون مبجلا مطاعا محترما لأنه ثقيل في ميزانهم، ولكن عندما نضعه في ميزان الله الثابته فإنه قد لا يزن شيئا ، فمثلا الوليد بن المغيرة كانت قريش تعتبره زعيما وتقول: (لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم) (الزخرف: 31) ولكن الله يقول عنه وعن أمثاله: (ولا تطع كل حلاف مهين هماز مشاء بنميم) (القلم: 10-11) ويقول: (إن شر الدواب عند الله الذين كفروا فهم لا يؤمنون) (الأنفال: 55) فقريش لا تقطع أمرا إلا بعد استشارته واستنصاحه، والله يسميه دابة، والمؤمنون يعتبرونه دابة بل أقل من الدابة: (أولئك كالأنعام بل هم أضل) (الأعراف: 179) 3- وثبات العقيدة يجعل أصلا يرجع الناس إليه حاكمهم ومحكومهم على السواء، والناس يستريحون ويسعدون، لأن الحاكم لا يستطيع أن يظلم الناس ويقول قبل أن يظلمهم غيرت القانون، ولا يستطيع المحكومون أن يقولوا للحاكم نحن لا نعرف القانون لأنه جديد. ولكنه إذا كان ثابتا فإن الناس يتربون منذ نعومة أظفارهم على معرفته، ويكون النظام حيا في نفوسهم ويعيش في حسهم. فلا يستطيع الحاكم في الدين الرباني أن يدعي أن الظروف طارئة، ولا أن يقول: أحكام عسكرية يوقف بها تطبيق دين الله، وتحت هذه الأسماء ووراء هذه الشعارات تسفك الدماء، وتداس الكرامة، وتنتهك الحرمة، وهذا هو شأن جميع الأنظمة الوضعية الأرضيه، أو بتعبير أدق (الأديان الأرضية) التي اخترعها البشر من عند أنفسهم، وأبرز ما تكون هذه الظاهرة في الأنظمة العسكرية والإنقلابات الثورية، ففي كل انقلاب قانون جديد، وفي كل مرة تنصب المشانق وتعلق على أعواد في الأسواق، ودعك عن التحقيقات مع النساء في الظلام، والناس الذين يدفنون أحياء أو يوضعون في براميل النيتريك، حتى يذوبوا ثم يطالب أهلهم بهم لأنهم فروا من السجن!! وفي كل مرة يغير فيها النظام تفقد البلد أعز أبنائها، وأقدر كفاءاتها، وأعلى طاقاتها، وأثمن ما لديها وهم العينات من الشباب والمفكرين والقادة وغيرهم. 4- وثبات العقيدة الربانية يجعل الناس جميعا تحت ظل الدستور والحكم، وليس هنالك حاكم فوق القانون ومحكوم تحت القانون، ونظام يسري على الحاكم، ونظام يسري على المحكوم. فالله -سبحانه وتعالى- هو الذي... (لا يسأل عما يفعل وهم يسألون) (الأنبياء: 23) أما الخليفة والأمير والحاكم فهم جميعا خلق الله، ويعبدون الله بتنفيذ هذا القانون الرباني، فماداموا من خلق الله فهم عبيد وليسوا آلهة لا يسألون. وهذا الواقع التاريخي الإسلامي يدل على هذا، فهذا يهودي يشتكي عليه الخليفة علي رضي الله عنه إلى القاضي شريح بشأن درعه فيحكم شريح لليهودي بالدرع. ورجل آخر يشتكي هارون الرشيد إلى القاضي أبي يوسف فيستشهد الرشيد بشهادة جعفر البرمكي فيردها أبو يوسف قائلا : لقد سمعت جعفرا يقول لك: أنت سيدي وأنا عبدك، فإن كان عبدك حقا فشهادة العبد لسيده لا تجوز، وإن كان كاذبا فشهادة الكاذب لا تجوز. ومن هنا فقد كانت الطمأنية تلف المجتمع كله بردائها الحاكم والمحكوم سواء، وهم سعداء بهذا، لا يستطيع الحاكم أن يرفض دين الله فضلا أن يغيره أو يبدله بدين جديد من عنده. وعلى هذا فالتطور يؤدي إلى الإستبداد السياسي والظلم، ويعيش الناس في قلق دائم من تغير القوانين وتبديل الدساتير، زيادة عن التعب النفسي وعدم الطمأنينة من قبل الناس، لأنهم يعلمون أن هذه الأنظمة ليست من عند الله، فإطاعتها ليست عبادة، بل تقديم أية مادة قانونية على ما ورد في القرآن مع الرضا القلبي كفر، لأنك تفضل كلام البشر على القرآن، أي على كلام رب العالمين، فأنت تفضل البشر على رب البشر، ومن فعل هذا فقد خرج من هذا الدين، أما دين الله ونظامه فإطاعته عبادة، ومقابل إطلاق يد الراعي في تغيير الأحكام كما يشاء، هو بدوره يطلق للرعية العنان في اقتناص الشهوات والإنطلاق بالسعار الجنسي إلى أقصاه، وبالنزوات الحيوانية التي لا ترفع عن مستوى البهيمة. فهذه نتيجة طبيعية ومنطقية وواقعية لتطور النظم والأفكار. (انطلاق حيواني للشهوات من قبل الرعية، يقابله انطلاق استبدادي للسلطة).
|
#20
|
|||
|
|||
من أركان العقيدة معرفة صفات الله (عزوجل) من المعلوم أن صفات الله عزوجل وأسماءه توقيفية يعتمد في أخذها على الوحي فقط، سواء كان في القرآن أو السنة. يقول ابن خزيمة في كتابه التوحيد ص 7 ؛ فنحن وجميع علمائنا من أهل الحجاز وتهامة واليمن والعراق والشام ومصر مذهبنا أنا نثبت لله ما أثبته الله لنفسه، نقر بذلك بألسنتنا ونصدق بذلك بقلوبنا«. وأسماء الله عزوجل ليست مقتصرة على تسعة وتسعين اسما كما ورد في الصحيحين والترمذي: لله تسعة وتسعون اسما ، مائة إلا واحدا لا يحفظها أحد إلا دخل الجنة، وهو وتر يحب الوتر وعددتها رواية الترمذي، ولكن ورد في أحاديث أخرى أسماء غيرها: قال أبوبكر بن العربي في شرح الترمذي حاكيا عن بعض أهل العلم: (إنه جمع من الكتاب والسنة من أسمائه تعالى ألف اسم)(1) [أنظر العقائد للإستاذ البنا. مجموعة الرسائل ص (984)]. ومن هذه الأسماء: الحنان، المنان، البديع، الكفيل. (أما صفات الله -عز شأنه- كقول الله عزوجل: (ويبقى وجه ربك ذوالجلال والإكرام) (الرحمن: 27) (إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم) (الفتح: 10) فقد اختلفت آراء الناس في هذه الصفات على أربعة أقوال: الرأي الأول: (رأى المشبهة أو المجسمة):الذين يثبتون لله الصفات، ولكن يقولون -تعالى الله عن ذلك- بأن له جوارح، فله أيد كأيدينا، وعين كأعيننا، ووجه كوجوهنا، ومن هؤلاء : داود الجواربي، وهشام بن الحكم الرافضي، وهذا كفر يخرج من الملة، لأنه عبادة وثن، وترد عليهم الآيةليس كمثله شيء). يقول ابن القيم(2) [أنظر شرح قصيدة ابن القيم (2/212)، وكذلك الروضة الندية شرح العقيدة الواسطية صلي الله عليه وسلم (13)]. لسنا نشبه وصفه بصفاتنا إن المشبه عابد الأوثان كلا ولا نخليه عن أوصافه إن المعطل عايد البهتان من شبه الله العظيم بخلقه فهو النسيب لمشرك نصراني أو عطل الرحمن عن أوصافه فهو الكفار وليس ذا إيمان الرأي الثاني: (رأي المعطلة وهذا رأي الجهمية)(3) [نسبة إلى الجهم بن صفوان المقتول سنة (821هـ) وقد تلقى عن الجعد بن درهم. أنظر العقيدة الواسطية تحقق مصطفى العالم ص (22)].هؤلاء ينفون صفات الله عزوجل، ويزعمون أن الله -سبحانه- لا يسمع ولا يتكلم ولا يبصر، لأن ذلك لا يكون إلا بالجوارح، وهذه الطائفة كافرة خارجة من الملة. وقد قال السلفالمعطل يعبد عدما والممثل يعبد صنما). قال ابن القيم(4) [أنظر الروضة الندية/العقيدة الواسطية صلي الله عليه وسلم (30)]. أصل الشرك وقاعدته التي يرجع إليها هو التعطيل وهو ثلاثة أقسام: 1- تعطيل الصانع عن المصنوع. 2- تعطيل الصانع -سبحانه- عن كماله المقدس: أسمائه وصفاته وأفعاله. 3- تعطيل معاملته عما يجب على العباد من حقيقة التوحيد. وقال ابن القيم: كلا ولا نخليه عن أوصافه إن المعطل عابد البهتان القول الثالث: (مذهب السلف في الصفات وهو إثباتها):وهذا المذهب يمر الصفات كما وردت في القرآن أو السنة، فعندما يواجهون مثل آية: (يد الله فوق أيديهم) يقولون نثبت لله يدا ، نؤمن بهذا، ونصدق به ولا نسأل كيف؟ ولا نعطل. ولقد لخص الإمام ( الخطابي) هذا المذهب ودلل عليه بعبارة جزلة موجزة رصينة وما أجملها! فنوردها يقول: (مذهب السلف إجراء آيات الصفات وأحاديثها على ظاهرها مع نفي الكيفية والتشبيه عنها، إذ الكلام في الصفات فرع على الكلام في الذات، يحتذي فيه حذوه، ويتبع مثاله، فإذا كان إثبات الذات إثبات وجود لا إثبات تكييف، فكذلك إثبات الصفات إثبات وجود لا إثبات تكييف. وقد يعبرون عنها بقولهم: تمر كما جاءت ولا يتعرض لها بتأويل، ومرادهم: إنه يجب إثبات الصفات دون التكييف، وقد يظن من ينسب لهم أنهم أرادوا التفويض، أو أنها من المتشابه، وهذا ظن خاطىء)(1) [المصدر السابق ص(32)]. ويقول ابن تيمية: (ومن الإيمان بالله الإيمان بما وصف الله به نفسه في كتابه، وبما وصفه به رسوله صلي الله عليه وسلم من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل). وقال بعضهم: (صفات الرب تعالى معلومة من حيث الجملة والإثبات، غير مدركة من حيث الكيف والتحديد)(2) [شرح العقيدة الواسطية لمصطفى العالم ص (12)]. التحريف: تغيير النص لفظا أو معنى. التكييف: السؤال بصيغة كيف. التمثيل: اثبات المثل للشيء مساويا له من كل الوجوه. التشبيه: إثبات المثل للشيء مساويا له من بعض الوجوه. وقد روى أبو القاسم اللالكائي في أصول السنة عن محمد بن الحسن -صاحب أبي حنيفه رضى الله عنهما- قال: (اتفق الفقهاء كلهم من المشرق إلى المغرب على الإيمان بالقرآن والأحاديث التي جاء بها الثقات عن رسول الله صلي الله عليه وسلم في صفة الرب عزوجل من غير تفسير ولا وصف ولا تشبيه، فمن فسر اليوم شيئا من ذلك فقد خرج مما كان عليه النبي صلي الله عليه وسلم وفارق الجماعة، فإنهم لم يصفوا ولم يفسروا ولكن أفتوا بما في الكتاب والسنة ثم سكتوا)(3) [رسالة العقائد للبنا، أنظر مجموعة الرسائل من (984)]. وقال أبوحنيفة(4) [شرح الفقه الأكبر (63)]. وله يد ووجه ونفس، فما ذكره الله تعالى في القرآن من ذكر الوجه واليد والنفس فهو له صفات بلا كيف، ولا يقال أن يده قدرته أو نعمته، لأن فيه إبطال الصفة وهو قول أهل القدر والاعتزال، ولكن يده صفته بلا كيف). وقال أحمد بن حنبل(5) [مجموعة الرسائل للبنا (984)]. في مثل (ينزل ربنا إلى سماء الدنيا)، ( إن الله يضع قدمه..). (نؤمن بها ونصدق بها ولا كيف ولا معنى، ولا نرد منها شيئا ، ونعلم أن ما جاء به الرسول صلي الله عليه وسلم حق إذا كان بأسانيد صحاح، ولا نرد قوله، ولا يوصف الله تبارك وتعالى بأكثر مما وصف به نفسه بلا حدود ولا غاية (ليس كمثله شيء). وقد أفتى الإمام مالك بأن الذي يقول: (يد الله فوق أيديهم) ويشير بيده، أو يتلو: (وهو السميع البصير) ويشير إلى عينه أو أذنه فإنه يقطع العضو المشار إليه منه، لأنه شبه الله بنفسه. ويقول فخر الإسلام البزدوي: (إثبات اليد والوجه حق عندنا، لكنه معلوم بأصله، متشابه بوصفه، ولا يجوز إبطال الأصل بالعجز عن الوصف بالكيف، وإنما ضلت المعتزلة من هذا الوجه، فإنهم ردوا الأصول لجهلهم بالصفات على الوجه المعقول فصاروا معطلة). القول الرابع: (مذهب الخلف):وأصحاب هذا المذهب يرون جواز تأويل بعض الصفات تنزيها لله عز وجل، مع أنهم يتفقون مع السلف على أن المراد بالآيات غير ما يتبادر إلى ذهن الإنسان مما يدركه. قال أبو الفرج بن الجوزي في كتابه (دفع شبه التشبه) قال الله تعالى: (ويبقى وجه ربك) قال المفسرون: يبقى ربك، وكذلك قالوا في قوله تعالى: (يريدون وجهه) أي يريدونه، وقال الضحاك وأبوعبيدة: (كل شيء هالك إلا وجهه) أي إلا هو. ويرى ابن الجوزي أن الأخذ بظاهر الآيات تشبيه وتجسيم، إذ أن ظاهر اللفظ هو ما وضع له، فلا معنى لليد حقيقة إلا الجارحة، ويقول بأن مذهب السلف هو السكوت عن الآيات وليس أخذها على ظاهرها. مذهبنا في عقيدة الصفات وهو مذهب أهل السنة والجماعة: مذهبنا الذي ندين به هو مذهب السلف: إثبات الصفات العليا والأسماء الحسنى، وتوحيدها دون تأويل ولا تعطيل ولا تحريف ولا تكييف ولا تمثيل. ونرى أن السلف كانوا يثبتون الصفات ولا يفوضون فيها. ونرى أن السلف لا يعتبرون الاسماء والصفات من المتشابه، بل كانوا يعلمون معناها، ولكنهم لا يسألون كيف، لأن الكيف مجهول، فنحن نقول كما قال الإمام مالك: (الإستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة)وكذلك النزول، ولا نقول الإستواء هو الهيمنة، ونقول كذلك: لله يد ليست كأيدينا، ولا نقول يده قدرته. ونقول: إن مذهب السلف أسلم وأعلم وأحكم. ولا نقول (إن مذهب السلف أسلم ومذهب الخلف أحكم). ونقول: إن مذهب السلف هو مذهب أهل السنة والجماعة (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير). أما الخلف: الذين يؤولون كالأشعرية فهم من أهل السنة والجماعة إلا في تأويل الصفات، فهم ليسوا على مذهب أهل السنة والجماعة. ونحن نعتقد أن الأشاعرة ليسوا كفارا خارجين من الملة بتأويلهم، ولكنهم مخطئون سيما إذا علمنا أن كثيرا من علماء المسلمين عبر التاريخ كانوا يؤولون، وبينهم مجموعة كبيرة من أعلام الحديث الشريف والتفسير والفقه. وقد كان الدافع لهم بالتأويل هو تنزيهه عزوجل، فنرجو الله أن يثبتنا على الحق، وأن يغفر لأهل الزلل والإنحراف (ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب). وقد رجع إلى مذهب السلف كثير من الصادقين، منهم أبو الحسن الأشعري (330 هـ) الذي كان من قادة المعتزلة، ثم رجع وألف أكثر من ثلاثمائة كتاب في الرد على المعتزلة. وقد بين عقيدته في كتابه (الإبانة عن أصول الديانة) و (مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين). يقول الأشعري(1) [الإبانة عن أصول الديانة لأبي الحسن علي بن إسماعيل الأشعري صلي الله عليه وسلم (9)]. وجملة قولنا أنا نقر بالله وملائكته وكتبه ورسله وبما جاءوا به من عند الله، وما رواه الثقات عن رسول الله صلي الله عليه وسلم، لا نرد من ذلك شيئا ..، وأن لله وجها كما قال: (ويبقى وجه ربك) وأن له يدين بلا كيف كما قال: (خلقت بيدي)، (بل يداه مبسوطتان) وأن له عينين بلا كيف كما قال : (تجرى بأعيننا). الفصل الخامس الرضا بحكم الله هو الركن الركين في العقيدة شروط العبودية الأول: التحاكم إلى شريعة الله. إن الحالة التي تردت إليها البشرية، والدرك الذي انتكست فيه الفطرة الإنسانية، والفساد الذي ظهر في البر والبحر بما كسبت أيدى الناس .. كل ذلك بسبب الخروج عن قاعدة التحاكم إلى كتاب الله. الإحتكام إلى الكتاب الذي يملك العلاج الوحيد لما تعانيه البشرية، ليس نافلة، ولا تطوعا ، إنما هو الإيمان، ولا إيمان مع غيابه.. جاء في محكم لتنزيل: (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما) (النساء : 65) هذه الآية الكريمة تمثل القاعدة الكبرى في هذا الدين، هذه القاعدة التي لا يكون بدونها إيمان، ولا إسلام، وهي قضية المسلم الكبرى يوم أن تنزل هذا القرآن، وهي قضيته الأساسية والكبرى كذلك في كل زمان، وهي قضية العصر الراهنة التي يجب أن تشغل اهتمام كل مسلم. إن التحاكم إلى الكتاب والسنة هو الإسلام فحسب، ولذا فلقد جاءت هذه الآية بهذا القسم المزلزل الذي ترتعش حياله الأوصال وترتجف عند سماعه الجبال، وهذه الحقيقة بديهية من المفروض ألا تغيب عن بال بشر، وذلك لأننا عبيد لله، نعيش في ملك الله. نحن خلق من خلقه، ولذا يجب أن ينفذ فينا شرعه، ويطبق علينا حكمه، وإلا فهو تمرد على خالق الأرض والإنسان، وهو تصرف بغير إذن المالك، بل مناوأة للسيد في ملكه وحكمه وعبيده، ومن ثم تصبح القضية خروجا وفسوقا وكفرا بمالك الملك الذي يتصرف في ملكه كما يشاء: (لا يسأل عما يفعل وهم يسألون) (الأنبياء:25) فدين الله هو :أوامره ونواهيه، وهي في جوانب العقيدة، كما أنها تتمثل في إقامة الشعائر -بالعبادات وغيرها-، وأخيرا فهي تكون في جانب الشرائع والقوانين، وهذه الجوانب كلها متكاملة إذا غاب أي جزء من هذه الأجزاء فقد تخلف هذا الدين عن الوجود، لأن الإسلام كالجهاز المتناسق الذي يتوقف إذا رفع منه أي جزء أو أضيف إليه جزء غريب على كيانه. ولله المثل الأعلى، فدينه الذي كمل على صورته النهائية بالشريعة التي تنزلت على محمد صلي الله عليه وسلم لا يتعايش مع أي منهج من صنع البشر، ولا يقبل أي دم غريب عليه، فإن أخذ به البشر على شكل منهاج كامل ورضوا أن يتحاكموا إليه مطمئنين راضين، فهم داخلون في إطاره ويعدون داخلين في دائرته، وإن هم تمردا عن إطاعة أية جزئية منه -مهما كان سبب التمرد- فهم خارجون عليه، باغون في الأرض بغير الحق، يريدون أن يشاركوا الله في ألوهيته وفي تصرفه في ملكه وعبيده، فهم مشركون بالله بهذه الإعتيار. والآن لنرجع إلى هذه الآية من الناحية الأصولية: إن ظاهر هذه الآية يدل: على أنه من لم يتحاكم إلى شريعة الله راضيا مستسلما فليس بمؤمن، ولم ترد هنالك أدلة أقوى أو تساوي هذا الدليل، بل لم ترد أدلة دونه في الدلالة والإثبات تستطيع أن تخرج هذا المعنى الظاهر عن ظاهره. يقول ابن جزم: (هذا نص لا يحتمل تأويلا ، ولا جاء نص يخرجه عن ظاهره أصلا ، ولا جاء برهان بتخصيصه في بعض وجوه الإيمان(1) [الملل والنحل لابن حزم (4/71)]. ولقد نقل الشيخ ابن حجر عن بعض العلماء في معنى قوله: (لا يؤمنون) أي لا يستكملون الإيمان(2) [أنظر الدر النضيد من أقوال الحفيد (461)]. وهذا القول مردود من عدة نواح: 1- فهو مردود من ناحية اللغة: إذ أن (النعت لا يثبت بدون المصدر)(3) [تقويم الأدلة للدبوسي (734)]. كما يقول القاضي أبو زيد الدبوسي في التقويم، إذ لو كانت الآية: (فلا وربك لا يؤمنون إيمانا حتى يحكموك ..) لجاز أن يثبت النعت وتقدر عندها ( كاملا )، أما وقد غاب المصدر فإن الوصف لا يثبت على رأي الدبوسي، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فهو ترك للمعنى الظاهر بلا مبرر، ولا ضرورة لتقدير مضمرات، وترك ظاهر اللغة إلى التأويل بلا قرينة ترجحه غير جائز. 2- وهو مردود من الناحية الأصولية والفقهية: فالمفعول المضمر عند الحنفية من قبيل المقتضى الذي ثبت لضرورة صدق الكلام، والعموم هو زيادة عن الضرورة فلا يثبت، وإذا انتفى العموم انتفى التخصيص، لأن تخصيص ما ليس فيه عموم محال، ولذا لو قال: ؛ إن أكلت فامرأتي طالق« ثم قال نويت طعاما خاصا ، فإنه لا يصدق ديانة ولا قضاء عند الحنفية بخلاف المتكلمين(1) [المتكلمون في الأصول هم: ما عدا الحنفية]. وذكرنا أنه لو قال لامرأته (أنت طالق) ونوى ثلاثا فلا تصح نيته عند الحنفية وتقع طلقة واحدة -رجعية- بينما تصح النية عند الشافعي(2) [أنظر هذه المسألة في الشامل -البردوي (4:60)- وكذلك تقويم الأدلة للدبوسي (742) مخطوطان في دار الكتب المصرية، وأنظر كذلك الأسنوي مع الإبهاج: المنهاج (2: 66) والأسنوي والبدخشي: المنهاج (2: 37) وفصول البدائع (2: 581-581)]. وعلى هذا فالحنفية لا يجيزون تقدير الصفة في هذا الآية. جاء في فتح القدير للكمال بن الهمام : (فيمن حلف لا يغتسل أولا ينكح، وعنى من جنابة امرأة دون امرأة لا يصدق أصلا )(3) [أنظر الوصول إلى قواعد الأصول (45) مخطوط في دار الكتب المصرية]. وأظن أن الرأي الظني لا يقوي على تخصيص النص، ولذا فلقد قال الفخر الرازي الشافعي عند هذه الآية: (ظاهر الآية يدل على أنه لا يجوز تخصيص النص بالقياس، لأنه يدل على أنه يجب متابعة قوله وحكمه على الإطلاق، وأنه لا يجوز العدول منه إلى غيره، ومثل هذه المبالغة المذكورة في هذه الآية، قلما يوجد في شيء من التكاليف، وذلك يوجب تقديم عموم القرآن والخبر على حكم القياس)(4) [تفسير مفاتيح الغيب للرازي (3:352)]. 3- وهو مردود من جهة سياق الآية: لأن الأخذ بالمعني (الإيمان الكامل) يبتر النص ويشوهه، إذ أن الحشد الكبير من الآيات قبل الآية تؤكد معنى الآية الواضح، وهو أنه: إما تحاكم إلى شريعة الله ورسوله فهنا إيمان وإسلام، وإلا فلا إيمان ولا إسلام. فقد ابتدأ السياق بآية تحدد شرط الإسلام وحد الإيمان، ابتدأ بآية: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا) (النساء: 59) يقول ابن كثير عند هذه الآية : (فدل على أن من لم يتحاكم في محل النزاع إلى الكتاب والسنة، ولا يرجع إليهما في ذلك، فليس مؤمنا بالله ولا باليوم الآخر )(5) [تفسير ابن كثير (1/815) وكذلك تفسير القاسمي (4/131)]. أرأيت كلام ابن كثير؟ إنه يعتبر أن عدم التحاكم إلى شريعة الله خروج عن الإيمان مهما ادعى بعد ذلك مدع أنه مؤمن. ولذا جاءت الآية التالية تقطع وتحسم هذا الأمر لتقول: (ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلا لا بعيدا ، وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا) (النساء: 60-61) وإذن فالزعم في أمر هذا الإيمان لا يكفي، ولذا فالتحاكم إلى الطاغوت(6) [يقول ابن القيم في أعلام الموقعين 1/35؛ ثم أخبر سبحانه من تحاكم أو حاكم إلى غير ما جاء به الرسول فقد حكم الطاغوت وتحاكم إليه، والطاغوت كل ما تجاوز به العبد حده من معبود أو متبوع أو مطاع، فطاغوت كل قوم من يتحاكمون إليه غير الله ورسوله، أو يعبدونه من دون الله، أو يتبعونه على غير بصيرة من الله، أو يطيعونه فيما لا يعلمون أنه طاعة لله]. أي غير شرع الله- ليس إيمانا بل هو ضلال بعيد، ثم بين الله سبحانه أن علامة النفاق هو عدم التحاكم إلى شريعة الله والصد عنها، ثم ذكر الله عزوجل أن الرسل ما أرسلوا إلا ليطاعوا وليسوا فقط للبلاغ: (وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله). وتأتي الآية أخيرا : (فلا وربك لا يؤمنون) في مكانها الطبيعي لتركز هذا الأمر في النفوس ولتقطع أي تساؤل بهذا الوضوح وبهذه النصاعة والقوة. والآن دعنا نقف لننظر خطورة هذه القضية في حياة البشرية. إن الحالة لتي تردت إليها البشرية، والدرك الذي انتكست فيه الفطرة الإنسانية، والفساد الذي ظهر في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس، والشقاء والنكد الذي مزق النفوس في كل مكان على وجه هذه الأرض راجع كله إلى سبب واحد: هو الخروج عن هذه القاعدة الأساسية في سعادة البشرية وهى قاعدة التحاكم إلى كتاب الله. ورد مقاليد الأمور إلى صاحبها الحقيقي سبحانه: (له مقاليد السموات والأرض) (الشورى: 12) فالإحتكام إلى الكتاب -الذي يملك العلاج الوحيد لما تعانيه البشرية- ليس نافلة ولا تطوعا ، إنما هو الإيمان، ولا إسلام ولا إيمان بدونه، ولا إسلام مع غيابه: (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذ قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا) (الأحزاب: 33-36) (ويقولون آمنا بالله وبالرسول وأطعنا ثم يتولى فريق منهم من بعد ذلك وما أولئك بالمؤمنين) (النور: 47) والآيات في هذا الموضوع متوافرة.
|
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
راديو قصيمي نت | مطبخ قصيمي نت | قصص قصيمي نت | العاب قصيمي نت |