19-02-11, 07:43 AM
|
|
وقفات مع آيات ( الوققة الرابعة) قوله تعالى : ( إنا نحن نحيي الموتى ... )
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الآية الرابعة قال الله جل وعلا في سورة يس: (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي المَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآَثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ(12)}هذه من الآيات التي أثنى الله جل وعلا بها على نفسه، والله جل وعلا لا أحد أحب إليه المدح منه ولهذا مدح نفسه، ومما تمدّح الله به قدرته على إحياء الموتى لما ذكر الغيث قال: (فَانْظُرْ إِلَى آَثَارِ رَحْمَةِ اللهِ كَيْفَ يُحْيِي الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي المَوْتَى) [سورة الروم/50]وقال: (أَفَعَيِينَا بِالخَلْقِ الأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ(15)} [سورة ق] وقال جل وعلا: (مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى(55)} [سورة طه]هنا يقول ربنا مثنياً على ذاته العليا (إِنَّا نَحْنُ) ويمكن لبعض أهل الدنيا أن يستعمل هذا الضمير فيقول الملك يقول الأمير يقول الثري: نحن أردنا هذا، نحن فعلنا هذا لكنها في أعظم أحوالها عند المخلوقين لا تبلغ شيءً عند ثناء الله جل وعلا على ذاته العليا،( إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي المَوْتَى) وإحياء الموتى مما أنكره كفار مكة الأوائل، ولهذا جاء كثيراً في القرآن إثباته لأن المقصود الأول في مخاطبة القرآن كان الكفار الأوائل من كفار مكة، قال الله جل وعلا: (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي المَوْتَى)ثم قال: (وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآَثَارَهُمْ) أما نكتب ما قدموا فهذه ظاهرة أي نكتب أعمالهم، (وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ(80)} [سورة الزخرف]وهذا لا خلاف فيه بين أهل العلم لكن الإشكال في قول الله جل وعلا: (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي المَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآَثَارَهُمْ)ما المراد بقول الله جل وعلا(وَآَثَارَهُمْ)؟ وبعض أهل العلم من المفسرين من السلف والخلف: ذهب إلى أن المراد توابع أعمالهم مما سنوه من أعمال صالحة فتبعها الناس عليهم أو من أعمال سيئة فتبعها غيرهم عليه، وذهب فريق من أهل العلم وهذا ما أراه راجحاً والعلم عند الله المراد آثار الخطى، ويدل عليه أن رجلٌ من الأنصار كان أبعد الناس بيتاً عن المسجد فقال له: من ينصحه ويرشده لو اتخذت حماراً تركب عليه إلى المسجد يقيك البرد والحر قال: والله ما يسرني أن يكون بيتي بجوار المسجد وإني لأحتسب عند الله غدوتي وروحتي فلما بلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم قال: صلوات الله وسلامه عليه [قد كتب الله له ذلك كله]،وينجم من هذا معرفة تعين العبد على الطاعة، وهو أن الله جل وعلا جعل الرياح تعفوالأشياء تبُدل ومع ذلك قد تأتي الرياح وتعفو على آثار قدميك وأنت ذاهبٌ إلى المسجد فلو عدت بعد صلاتك تبحث عن آثارك لما وجدتها، لكن الرياح على عظيم سلطانها لا تستطيع أن تمحو ما كتبه الملكان عنك إلى رب العزة والجلالة، فأنت تمشي تسير بخطاك إلى بيت فيه فقراء إلى والدة تريد أن تدخل السرور عليها، إلى صلاة فجر سمعت المؤذن والشاشة أمامك تغريك والهاتف بجوارك يناديك وصاحبك ينتظر منك موعداً وأخريات من فتن الدنيا، فتجعل هذا برحمة الله وفضله كله وراء ظهرك ثم تخطو بقدميك إلى بيت من بيوت الله تردد مع المؤذن آذانه، وتدخل بيتاً من بيوت الله. فإن كان ذاك اليوم يوم ريح فجاءت الرياح تمحو آثار قدميك فإنها تعجز والله أن تمحو ما كتبه الملك عنك، ويُرفع ما كتبه الملك عنك إلى رب العالمين، فإذا لقيت الله جل وعلا وجدت ما كتبه الملك عنك، هنا قال الله جل وعلا أخبر أن هؤلاء إذا لقوا الله يشعرون بأعظم سعادة وأجل مبتغى، هي بالعقل من لم يفرح حين يلقى الله سواءً بالعقل من لم يفرح حين يلقى الله متى يفرح؟! محال أن يفرح!! لأنه إذا لم يفرح وهو يلقى أرحم الراحمين فلن يفرح وهو يلقى غيره، وإذا لم يجد الرحمة عند الله عند من سيجده، وإذا لم يجد العفو عند الله عند من سيجده؟! وإن لم يجد الأمن عند الله عند من سيجده؟!! فأكثر ما ينبغي للعاقل أن يحاسب به نفسه أن يدخر له عند الله وديعة يلقاها يوم يلقى الله، يدخرها ليومٍ يلقى الله جل وعلا فيه فليست الوفادة على الله بالأمر الهين(يَا أَيُّهَا الإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ(6)} [سورة الانشقاق]وهذا يجتمع فيه بنو آدم كلهم برهم وفاجرهم لكن كما قلنا أن الإنسان يعلم تقصيره وضعفه وعجزه
إن تغفر اللهم تغفر جما ** وإي عبد لك ما ألمّ
لكن الإنسان إذا رزق الانكسار ورزق الوجل وعدم الإعجاب بعمله وخاف على نفسه أن يختم له بسوء عظم رجاءه في الله وحسن ظنه بربه، كل ذلك يجعله برحمة الله يشعر بالفرح إذا لقي ربه تبارك وتعالى، قال الله جل وعلا هنا: (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي المَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآَثَارَهُمْ)ثم قال: (وَكُلَّ شَيْءٍ) وكل من ألفاظ العموم بالاتفاق (وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ)إمام مبين أي: أم الكتاب، والقرآن يفسر بعض بعضاً (وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ(39)} [سورة الرعد]فالإمام المبين المراد به هنا أم الكتاب الذي كتب الله جل وعلا فيه كل شيء، فلا يمكن أن يقع شيئاً اليوم إلا وقد كتبه الله جل وعلا أصله في أم الكتاب قال ربنا: [وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي البَرِّ وَالبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ(59)][سورة الأنعام]هذا الكتاب المبين هو أم الكتاب قال ربنا هنا: (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي المَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآَثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ)
|