العاب اون لاين: العاب بلياردو | العاب سيارات | العاب دراجات | العاب طبخ | العاب تلبيس |العاب بنات |العاب توم وجيري | العاب قص الشعر |
للشكاوي والاستفسار واستعادة الرقم السري لعضوية قديمة مراسلة الإدارة مراسلتنا من هنا |
|
|
|
أدوات الموضوع | تقييم الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#41
|
||||
|
||||
المقامة المارستانية لبديع الزمان حَدَّثَنا عِيسِى بْنُ هِشَامٍ قَالَ: دَخَلْتُ مَارسْتانَ البَصْرَةِ وَمَعِي أَبُو داوُدَ المُتَكَلِّمُ، فَنَظَرْتُ إِلَى مَجْنُونٍ تَأْخُذُنِي عَيْنُهُ وَتَدَعُنِي فَقالَ: إِنْ تَصْدُقِ الطَّيْرُ فَأَنْتُمْ غُرَباءُ، فَقُلْنَا: كَذلِكَ، فَقَالَ: مَنِ القَوْمُ للهِ أَبُوهُمْ؟ فَقُلْتُ: أَنَا عِيسَى ابْنُ هِشامٍ وَهَذَا أَبُو دَاوْدَ المُتَكَلِّمُ فَقالَ: العَسْكَرِيُّ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، فَقَالَ: شَاهَتِ الوُجُوهُ وَأَهْلُهَا إِنَّ الخَيْرَةَ للهِ لا لِعَبْدِهِ، وَالأَمُورَ بِيَدِ اللهِ لا بِيَدِهِ وَأَنْتُمْ يا مَجُوسَ هذِهِ الأُمَّةِ تَعِيشُونَ جَبْراً، وَتَمُوتُونَ صَبْراً وَتُسَاقُونَ إِلى المَقْدُورِ قَهْراً، وَلَوْ كُنْتُمْ في بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذينَ كُتِبَ عَلَيْهِم القَتْلُ إِلى مَضَاجِعِهِمْ، أَفَلا تُنْصِفُونَ، إِنْ كَانَ الأَمْرُ كَمَا تَصِفُونَ؟ وَتَقُولونَ: خالِقُ الظُلْمِ ظَالِمٌ! أَفَلا تَقُولُونَ: خَالِقُ الهُلْكَ هَالِكٌ؟ أَتَعْلَمُونَ يَقِينَاً، أَنَّكُمْ أَخْبَثُ مِنْ إِبْليسَ دِيناً؟ قَالَ: رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَني، فَأَقَرَّ وَأَنْكَرْتُمْ وَآمَنَ وَكَفَرْتُمْ، وَتَقُولونَ: خُيِّرَ فَاخْتَارَ، وَكَلاَّ فَإِنَّ المُخْتارَ لاَ يُبْعَجُ بَطْنَهُ، وَلاَ يَفْقَأُ عَيْنُهُ وَلا يَرْمِى مِنْ حالِقِ ابْنَهُ، فَهَلِ الإِكْرَاهُ إِلاَّ مَا تَرَاهُ؟ وَالإِكْرَاهُ مَرَّةً بِالمَرَّةِ وَمَرَّةً بِالدِّرَّةِ. فَلْيُخْزِكُمْ أَنَّ القُرْآنَ بَغِيضُكُمْ، وَأَنَّ الحَديثَ يَغِيظُكُمْ، إِذَا سَمِعْتُمْ: " مَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلا هَادِيَ لَهُ " أَلْحَدْتُمْ وَإِذَا سَمِعْتُمْ: " زُوِيَتْ لِيَ الأَرْضُ فَأُرِيتُ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا " جَحَدْتُمْ وَإِذَا سَمِعْتُمْ: " عُرِضَتْ عَلَيَّ الجَنَّةُ حَتَّى هَمَمْتُ أَنْ أَقْطِفَ ثِمَارَهَا، وَعُرِضَتْ عَلَيَّ النَّارُ حَتَّى اتَّقَيْتُ حَرَّهَا بِيَدِي " أَنْغَضْتُمْ رُؤُوسَكُمْ وَلَوَيْتُمْ أَعْنَاقَكُمْ وَإِنْ قِيلَ: " عَذابُ القَبْرِ " تَطَيَّرْتُم، وَإِنْ قيلَ: " الصِّراطُ " تَغَامَزْتُمْ وَإِنْ ذُكِرَ المِيزَانُ قُلْتُمْ: مِنَ الفِرْغِ كِفَّتَاهُ، وَإِنْ ذُكِرَ الكِتابُ قُلْتُمْ: مِنَ القِدِّ دَفَّتَاهُ، يَا أَعْدَاءَ الكِتابِ وَالحْديثِ، بِماذَا تَطَّيَّرُونَ؟ أَباللهِ وَآياتِهِ وَرَسُولِهِ تَسْتَهْزِئُونَ؟. إِنَّما مَرَقتْ مَارِقَةُ فَكَانُوا خَبَثَ الحَديثِ، ثُمَّ مَرَقْتُمْ مِنْها فَأَنْتُمْ خَبَثُ الخَبِيثِ، يَا مَخَابِيثَ الخَوارجِ، تَرَوْنَ رَأَيَهُمْ إِلاَّ القِتَالَ! وَأَنْتَ يا ابْنَ هِشامٍ تُؤْمِنُ بِبَعْضِ الكِتَابِ وَتَكْفُرُ بِبَعْضِ؟ سَمِعْتُ أَنَّكَ افْتَرَشْتَ مِنهُمْ شَيْطَانَةً! أَلَمْ يَنْهَكَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ تَتَّخِذَ مِنْهُمْ بِطَانَةً؟. وَيْلَكَ هَلا؟ َتَخَيَّرْتَ لِنُطْفَتِكَ، وَنَظَرْتَ لِعَقِبِكَ؟ ثُمَّ قَالَ: الَّلهُمَّ أَْبِدْلِني بِهؤُلاءِ خَيْراً مِنْهُمْ، وَأَشْهِدْنِي مَلائِكَتَكَ. قَالَ عِيسَى بْنُ هِشَامٍ: فَبَقِيتُ وَبَقِي أَبُو دَاوُدَ لا نُحِيرُ جَوَاباً، وَرَجَعْنَا عَنْهُ بِشَرٍ وإِنِّي لأَعْرِفُ فِي أَبي دَاوُدَ انْكِسَاراً، حَتَّى إِذَا أَرَدْنَا الافْتِراقَ قَالَ: ياعِيسَى هَذا وَأَبِيكَ الحَدِيثُ، فَمَا الَّذي أَرَادَ بِالشَّيْطَانَةِ؟ قُلْتُ: لاَ واللهِ مَا أَدْرِي، غَيْرَ أَنِّي هَمَمْتُ أَنْ أَخْطُبَ إِليَّ أَحَدِهِمْ وَلَمْ أُحَدِّثَ بِما هَمَمْتُ بِهِ أَحَداً، وَاللهِ لا أَفْعَلُ ذَلِكَ أَبَداً، فَقَالَ: مَا هَذا وَاللهِ إِلاَّ شَيْطَانٌ فِي أَشْطَانٍ، فَرَجِعْنَا إِلَيْهِ، وَوَقَفْنَا عَلَيْهِ، فَابْتَدَرَ بِالْمَقَالِ، وَبَدأَنَا بِالسُّؤَالِ، فَقالَ: لَعَلَّكُمَا آثَرْتُمَا، أَنْ تَعْرِفَا مِنْ أَمْرِي ما أَنْكَرْتُمَا، فَقُلْنَا: كُنْتَ مِنْ قَبْلُ مُطَّلِعَاً على أُمُورِنَا، وَلَمْ تَعْدُ الآنَ مَا في صُدُورِنَا، فَفَسِّرْ لَنَا أَمْرَكَ، وَاكْشِفْ لَنَا سِرَّكَ، فَقالَ: أَنَا يَنْبُوعُ الـعَـجَـائِبْ *** فِي احْتِيَالِي ذُو مَرَاتِبْ أَنَا فِي الحَـقِّ سَـنَـامٌ *** أَنَا في البَاطِلِ غَارِبْ أَنَا إِسكَنْدَرُ دَارِي *** فِي بِلادِ اللهِ سِـــارِبْ أَغْتَدِي فِي الدَّيْرِ قِسِّيساً *** وَفي المَسْجِدِ رَاهِبْ.
|
#42
|
||||
|
||||
المقامة المجاعية لبديع الزمان حَدَّثَنا عِيسَى بْنُ هِشَامٍ قَالَ: كُنْتُ بِبَغْدَادَ عَامَ مَجاعَةٍ فَمِلْتُ إِلى جَماعَةٍ، قَدْ ضَمَّهُمْ سِمْطُ الثُّرَيَّا، أَطْلُبُ مِنْهُمْ شَيَّا، وَفِيهمْ فَتىً ذُو لَثْغَةٍ بِلِسَانِهِ، وَفَلَجٍ بِأَسْنَانِهِ، فَقَالَ: مَا خَطْبُكَ، قُلْتُ: حَالاَنِ لا يُفْلِحُ صَاحِبُهُما فَقِيرٌ كَدَّهُ الجُوعُ وَغَرِيبٌ لايُمْكِنُهُ الرُّجُوعُ فَقَالَ الغُلامُ: أَيُّ الثُّلْمَتَينِ نُقَدِّمُ سَدَّها؟ قُلْتُ: الجُوعُ فَقَدْ بَلَغَ مِنِّي مَبْلَغاً! قَالَ: فَمَا تَقولُ فِي رَغيفٍ، عَلى خِوَانٍ نَظيفٍ، وَبَقْلٍ قَطِيف إِلى خَلٍّ ثَقِيفٍ، وَلَوْنٍ لَطِيفٍ، إِلَى خَرْدَلٍ حِرِّيفٍ، وَشِوَاءٍ صَفِيفٍ، إِلَى مِلْحٍ خَفِيفٍ، يُقَدِّمُهُ إِلَيْكَ الآنَ مَنْ لا يَمْطُلُكَ بِوَعْدٍ وَلا يُعَذِّبُكَ بِصَبْرٍ، ثُمَّ يَعُلكَ بَعْدَ ذَلِكَ بِأَقْداحٍ ذَهَبِيةٍ، مِنْ راحٍ عِنَبِيَّةٍ؟ أَذَاكَ أَحَبُّ إِلَيْكَ أَمْ أَوْسَاطٌ مَحْشُوَّةٌ، وَأَكْوابٌ مَمْلُوَّةٌ، وَأَنْقَالٌ مُعَدَّدَةٌ، وَفُرُشٌ مُنَضَّدَةٌ، وَأَنْوَارٌ مُجَوَّدَةٌ، وَمُطْرِبٌ مُجِيدٌ، لَهُ مِنَ الغَزَالِ عَيْنٌ وَجِيدٌ؟ فَإِنْ لَمْ تُرِدْ هذَا وَلا ذَاكَ، فَمَا قَوْلُكَ في لَحْمٍ طَرِيٍّ، وَسَمَكٍ نَهْرِيٍ، وَبَاذِنْجَانٍ مَقْليٍّ، وَرَاحٍ قُطْرُبُّليٍّ، وَتُفَّاحٍ جَنِيٍ، وَمَضْجَعٍ وَطِيٍّ، عَلَى مَكَانٍ عَليٍّ، حِذَاءَ نَهْرٍ جَرَّارٍ، وَحَوْضٍ ثَرْثَارٍ، وَجَنَّةٍ ذَاتِ أَنْهَارٍ؟ قَالَ عِيسَى بْنُ هِشَامٍ: فَقُلْتُ: أَنَا عَبْدُ الثَّلاَثَةِ، فَقَالَ الغُلاَمُ: وَأَنَا خَادِمُهَا لَوْ كَانَتْ، فَقُلْتُ: لا حَيَّاكَ اللهُ، أَحْيَيْتَ شَهَوَاتٍ قَدْ كَانَ اليَأَسُ أَمَاتَها، ثُمَّ قَبَضْتَ لَهَاتَهَا، فَمنْ أَيِّ الخَرَابَاتِ أَنْتَ؟ فَقالَ: أَنَا مِنْ ذَوِي الإِسْكَنْـدَرِيَّةْ *** مِنْ نَبْعَةٍ فِيهِـمْ زِكِـيَّةْ سَخُفَ الزَّمَانُ وَأَهْـلُـهُ *** فَرَكِبْتُ مِنْ سُخْفيِ مَطِيَّهْ
|
#43
|
||||
|
||||
المقامة الوعظية لبديع الزمان حَدَّثَنا عِيسَى بْنُ هِشَامٍ: بَيْنَا أَنا بِالْبَصْرَةِ أَمِيسُ، حَتَّى أَدَّانِي السَّيْرُ إِلَى فُرْضَةٍ قَدْ كَثُرَ فِيها قَوْمٌ عَلَى قَائِمٍ يَعِظُهُمْ وَهْوَ يَقُولُ: أَيُّها النَّاسُ إِنَّكُمْ لَمْ تُتْرَكُوا سُدَى، وَإِنَّ مَعَ اليَوْمِ غَداً، وَإِنَّكُمْ وَاردُو هُوَّةٍ، فَأِعُّدوا لهَا مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ، وَإِنَّ بَعْدَ المَعَاشِ مَعاداً، فَأَعِدُّوا لهُ زَاداً، أَلا لاَ عُذْرَ فَقَدْ بُيِّنَتْ لَكُمُ المَحَجَّةُ، وَأَخِذَتُ عَلَيْكُمُ الحُجَّةُ، مِنَ السَّماءِ بِالخَبَرِ، وَمِنَ الأَرْضِ بَالعِبَرِ، أَلا وَإِنَّ الَّذِي بَدَأَ الخَلْقَ عَلِيماً، يُحْيِ العَظامَ رَمِيماً، أَلا وَإِنَّ الدُّنْيا دَارُ جَهَازٍ، وَقَنْطَرَةُ جَوَازٍ، مَنْ عَبَرَها سَلِمَ، وَمَنْ عَمَرها نَدِمَ، أَلا وَقَدْ نَصَبَتْ لَكُمُ الفَخَّ وَنَثرَتْ لَكُمُ الْحَبَّ؛ فَمَنْ يَرْتَعْ، يَقَعْ، وَمَنْ يَلْقُطْ، يَسْقُطْ، أَلا وَإِنَّ الفَقْرَ حِلْيَةُ نَبِيِّكُمْ فَاكْتَسُوهَا، وَالغِنى حُلَّةُ الطُّغْيَانِ فَلاَ تَلْبَسُوها، كَذَبَتْ ظُنْونُ المُلْحِدِينَ، الَّذَينَ جَحَدُوا الدِّينَ، وَجَعَلُوا القُرْآنَ عِضِينَ إِنَّ بَعْدَ الحَدثِ جَدَثاً، وَإنَّكُمْ لَمْ تُخْلَقُوا عَبَثاً، فَحَذَارِ حَرَّ النَّارِ، وَبَدَارَ عُقْبَى الدَّارِ، أَلا وَإِنَّ العِلْم أَحْسَنُ علَىَ عِلاَّتِهِ، وَالجَهْلَ أَقْبَحُ عَلَى حَالاتِهِ وَإِنَّكُمْ أَشْقَى مَنْ أَظَلَّتْهُ السَّماءُ، إِنْ شَقِيَ بِكُمُ العُلماءُ، النَّاسُ بِأَئِمَّتِهمْ، فإِنِ انْقَادُوا بِأَزِمَّتِهِمْ، نَجَوْا بِذِمَّتِهمْ، وَالنَّاسُ رَجُلاَنِ: عَالِمٌ يَرْعَى، وَمُتَعَلِّمٌ يَسْعَى، وَالبَاقُونَ هامِلُ نَعامٍ، وَرَاتِعُ أَنْعَامٍ، وَيْلُ عَالٍ أُمِرَ مِنْ سَافِلِهِ، وَعَالِمِ شَيْءٍ مِنْ جاهِلِهِ، وَقَدْ سَمِعْثت أَنَّ عَلِيَّ بْنُ الحُسَيْنِ كَانَ قَائِماً يَعِظُ النَّاسَ وَيَقُولُ: يا نَفْسُ حَتَّامَ إِلى الحَياةِ رُكُونُكِ، وَإِلَى الدُّنْيَا وَعِمَارَتِهَا سُكُوُنُكِ؟ أَما اعْتَبَرْتِ بِمَنْ مَضَى مِنْ أَسْلاَفِكِ، وَبِمَنْ وَارَتْهُ الأَرْضُ مِنْ أُلاَّفِكِ، وَمَنْ فُجِعْتِ بِهِ مِنْ إِخْوَانِكِ، وَنُقِلَ إِلَى دَارِ البِلَى مِنْ أَقْرانِكِ؟؟ فُهْم في بُطُونِ الأَرْضِ بَعْدَ ظهورها *** مَحاسِنُهُمْ فِيهَا بَوَالٍ دَوَاثِرُ خَلَتْ دُورُهُمْ مِنْهُمْ وَأَقْوَتْ عِرَاصُهُمْ *** وَسَاقَتْهُمُ نَحْوَ المَنايَا المَقادِرُ وَخَلُّوْا عَنِ الدُّنْيا وِما جَمَعُوا لهَا *** وَضَمَّتْهُمُ تَحْتَ التُّرابِ الحَفائِرُ كَمْ اخْتَلَسَتْ أَيْدي المَنُونِ، مِنْ قُرُونٍ بَعْدَ قُرُونٍ؟ َوكَمْ غَيَّرَتْ بِبِلاهَا، وَغَيَّبَتْ أَكْثَرَ الرِّجَالِ في ثَرَاها؟؟؟ وَأَنْتَ عَلَى الدُّنْيا مُكِبٌ مٌنافِـسٌ *** لِخُطَّابِها فيها حَريصٌ مُكاثِـرُ عَلَى خَطَرٍ تَمْشِي وَتُصْبِحُ لاهِياً *** أَتَدْري بِمَاذَا لَوْ عَقَلْتَ تُخاطِـرُ وَإِنَّ امْرَأً يَسْعى لِدُنْياهُ جـاهِـداً *** وَيُذْهَلُ عَنْ أُخْرَاهُ لا شَكَّ خَاسِرُ انْظُرْ إِلى الأُمَمِ الخَالِيةِ، وَالمُلُوكِ الفَانِيَةِ، كَيْفَ انْتَسَفَتْهُمُ الأَيَّامُ، وَأَفْنَاهُمُ الحِمَامُ؟ فَانْمَحَتْ آثارُهُمْ، وَبَقِيَتْ أَخْبارُهمْ. فَأَضْحَوْا رَمِيماً في التُّرَابِ وَأَقْفَرَتْ *** مَجالِسُ مِنْهُمْ عُطِّلَتْ وَمَقَاصِرُ وَخَلَّوْا عَنِ الدُّنْيَا وَما جَمَعُوا بِها *** وَما فَازَ مِنْهُمْ غَيْرُ مَنْ هُوَ صَابِرُ وَحَلوا بِدَارٍ لاَ تَزَاوُرَ بَيْنَهُمْ *** وَأَنَّى لِسُكَّانِ القُبورِ التزَاوُرُ فَمَا إِنْ تَرَى إِلاَّ رُمُوساً ثَوَوْا بِها *** مُسَطَّحَةً تًسْفِي عَلَيْها الأَعَاصِرُ كَمْ عَايَنْتَ مِن ذِي عِزَّةٍ وَسُلْطانٍ، وَجُنُودٍ وَأَعْوَانٍ، قَدْ تَمكَّنَ مِنْ دُنْياهُ، وَنالَ مِنْهَا مُنَاهُ، فَبَنَى الحُصُونَ وَالدَّسَاكِرَ، وَجَمَعَ الأَعْلاَقَ وَالعَساكِرَ فَمَا صَرَفَتْ كَفَّ المَنِيَّةِ إِذْ أَتَتْ *** مُبادِرَةً تًهْوِى إِلَيْهِ الـذَّخـائِرُ وَلا دَفَعَتْ عَنْهُ الحُصونُ الَّتي بَنَـى *** وَحَفَّتْ بِها أَنْهارُها والـدَّسـاكِـرُ وَلا قَارَعَتْ عَنْهُ الـمَـنِـيَّةَ حِـيلَةٌ *** وَلا طَمِعَتْ في الذَّبِّ عَنْهُ العَساكِرُ يا قَوْمُ الحَذَرَ الحَذَرَ، وَالبِدارَ البِدارَ، مِنْ الدُّنْيا وَمَكايدِهَا، وَمَا نَصَبَتْ لكُمْ من مَصايِدِها، وَتَجَلَّتْ لَكُمْ مِنْ زِينَتِها، واسْتَشْرَفَتْ لَكُمْ مِنْ بَهْجَتِهَا. وَفي دُونِ مَاعَاَينْتَ مِنْ فَجَعاتِهَا *** إِلَى رَفْضِهَا دَاعٍ وَبالزُّهْدِ آمِرُ فَجِدَّ وَلا تَغْفُلْ فَعَـيْشُـكَ بَـائِدٌ *** وَأَنْتَ إِلَى دارِ المَنِيَّةِ صـائِرُ وَلا تَطْلُبِ الدُّنْيا فَإِنَّ طِلابَـهـا *** وَإِنْ نِلْتَ مِنْهَا رَغْبَةً لَكَ ضَائِرُ وَكَيْفَ يَحْرِصُ عَلَيْها لَبيبٌ، أَوْ يُسَرُّ بِهَا أَريبٌ، وَهْوَ عَلى ثِقَةٍ مِنْ فَنَائِهَا؟ أَلاَ تَعْجَبُونَ مِمَّنْ يَنامُ وَهْوَ يَخْشى الْمَوتَ، وَلا يَرْجُو الفَوْتَ؟ أَلاَ، لاَ، وَلكِنَّا نَغُرُّ نُفوسنا *** وَتَغَلُهَـا اللَّذَّاتُ عَمَّا نُحَاذِرُ وَكَيْفَ يَلَذُّ العَيْشَ مَنْ هُوَ مُوقِنٌ *** بِمَوْقِفِ عَدْلٍ حَيْثُ تُبْلى السَرَائِرُ كَأَنَّا نَرى أَنْ لا نُشُورَ، وَأَنَّنَا *** سُدَىً، مَا لَنَا بَعْدَ الفَنَاءِ مَصَائِرُ! كَمْ َغَرَّتِ الدُّنْيا مِنْ مُخْلِدٍ إِلَيْهَا وَصَرَعَتْ مِنْ مُكِبٍّ عَلَيْهَا؛ فَلَمْ تُنْعِشْهُ مِنْ عَثْرَتِهِ؟ وَلَمْ تُقِلْهُ مِنْ صَرْعَتِهِ، وَلَمْ تُداوِهِ مِنْ سَقَمِهِ، وَلَمْ تَشْفِهِ مِنْ أَلَمِهِ. بَلـى أَوْرَدَتْهُ بَعْـدَ عِزٍّ وَرِفْعَةِ *** مَوَارِدَ سُوءٍ ما لَهُنَّ مصادِرُ فَلَمَّا رَأَى أَنْ لاَ نَجَاةَ وَأَنَّهُ *** هُوَ المَوْتُ لاَ يُنْجِيهِ مِنْهُ المُؤازِرُ تَنَدَّمَ لَوْ أَغْناهُ طُولُ نَدَامَةٍ *** عَلَيْهِ وَأَبْكتهُ الذُّنُوبُ الكَبَائِرُ بَكَى عَلى مَا سَلَفَ مِنْ خَطَايَاهُ، وَتَحَسَّرَ عَلى مَا خَلَّفَ مِنْ دُنْيَاهُ، حَيْثُ لَمْ يَنْفَعُهُ الاِسْتِعْبَارُ، وَلَمْ يُنْجِهَ الاعْتَذَارُ. أَحَاطَتْ بِهِ أَحْزَانُهُ وَهُمومهُ *** وَأَبْلَسَ لَمَا أَعْجَزَتْـهُ المَعاذِرُ فَلَيْسَ لَهُ مِنْ كرْبَةِ امَوْتِ فَارِجٌ *** وَلَيْسَ لَهُ مَمَّا يُحاذِرُ نَاصِرُ وَقَدْ خَسِئَتْ فَوْقَ المَنِيَّةِ نَفْسُهُ *** تُرَدِّدُهَا مِنْهُ اللُّهَى وَالحَنَاجِرُ فَإِلَى مَتَى تُرَقِّعُ بِآخِرَتِكَ دُنْيَاكَ، وَتَرْكَبُ في ذاكَ هوَاكَ؟ إِنِّي أَرَاكَ ضَعيفَ اليَقينِ، يَا رَاقِعَ الدُّنْيَا بِالدِّينِ، أَبِهذا أَمَرَكَ الرَّحْمنْ، أَمْ عَلى هَذا دَلَّكَ القُرْآنُ؟ تُخَـرِّبُ مَـا يَبْقَى، وَتعْمُرُ فَانِياً *** فَلاَ ذَاكَ مَوْفُورٌ، وَلاَ ذَاكَ عَامرُ فَهَلْ لَكَ إِنْ وَافَاكَ حَتْفُكَ بَغْتَةً *** وَلَمْ تَكْتَسِبْ خَيْرَاً لَدَى اللهِ عَاذِرُ؟؟ أَتَرْضَى بِأَنْ تُقْضَى الحَياةُ وَتَنْقَضِي *** وَدِينُـكَ مَنْقُوصٌ وَمَالكَ وَافِرُ؟؟ قَالَ عِيسَى بْنُ هِشَامٍ: فَقُلْتُ لِبَعْضِ الحَاضِرِينَ: مَنْ هَذا؟ قَالَ: غَرِيبٌ قَدْ طَرَأَ لاَ أَعْرِفُ شَخْصَهُ، فَاصْبِرْ عَلَيْهِ إِلَى آخِرِ مَقَامَتِهِ، لَعَلَّهُ يُنْبِئُ بِعَلاَمَتِهِ، فَصَبَرْتُ فَقَالَ: زَيِّنُوا العِلْمَ بِالعَمَلِ، وَاشْكُرُوا القُدْرَةَ بِالْعَفْوِ، وَخُذُوا الصَّفْوَ وَدَعوا الكَدَرَ، يَغْفِرِ اللهُ لِي وَلَكُمْ، ثُمَّ أَرَادَ الذَّهَابَ، فَمَضَيْتُ عَلى أَثَرِهِ، فَقُلْتُ: مَنْ أَنْتَ يَا شَيْخُ؟ فَقَالَ: سُبْحَانَ اللهِ! لَمْ تَرْضَ بِالْحِلْيَةِ غَيَّرْتَها، حَتَّى عَمَدْتَ إِلى المَعْرِفةِ فَأَنْكَرْتَهَا! أَنَا أَبُو الفَتْحِ الإِسْكَنْدَرِيُّ، فَقُلْتُ: حَفِظَكَ اللهُ، فَمَا هَذا الشَّيْبُ؟ فَقَالَ: نَذِيرٌ، وَلَكِنَّهُ سَـاكِـتُ *** وَضَعِيفٌ، وَلَكِنَّهُ شَامِتُ وَأَشْخَاصُ مَوْتٍ، وَلَكِنَّهُ *** إِلَى أَنْ أُشَيِّعَهُ ثَـابِـتُ
|
#44
|
||||
|
||||
المقامة الأسودية لبديع الزمان حَدَّثَنا عِيسَى بْنُ هِشَامٍ قَالَ: كُنْتُ أُتَّهَمُ بِمَالٍ أَصَبْتُهُ، فَهِمْتُ عَلى وَجْهِي هَارِبَاً حتّىَّ أَتَيْتُ البَادِيَةَ فَآدَّتْنِي الهَيْمَةُ، إِلى ظِلِّ خَيْمَةٍ، فَصَادَفْتُ عِنْدَ أَطْنَابِهَا فَتىً، يَلْعَبُ بِالتُّرَابِ، مَعَ الأَتْرَابِ، وَيُنْشِدُ شِعْراً يَقْتَضِيهِ حَالهُ، وَلاَ يَقْتَضِيهِ ارْتِجَالهُ، وَأَبْعَدْتُ أَنْ يُلْحِمَ نَسِيجَهُ، فَقُلْتُ: يَا فَتَى العَرَبِ أَتَرْوِي هَذا الشِّعْرَ أَمْ تَعْزِمُهُ؟ فَقَالَ: بَلْ أَعْزِمُهُ، وَأَنْشَدَ يَقُولُ: إِنِّي وَإِنْ كُنْتُ صَغِـيرَ الـسِّـنِّ *** وَكَانَ فِي العَيْنِ نُـبُـوٌّ عَـنِّـي فَإِنَّ شَيْطَـانِـي أَمِـيرُ الـجِـنِّ *** يَذْهَبُ بِي في الشِّعْرِ كُـلَّ فَـنِّ حَتَّى يَرُدَّ عَارِضَ الـتَّـظَـنِّـي *** فَامْضِ عَلَى رِسْلِكِ وَاغْرُبْ عَنِّي فَقُلْتُ: يَا فَتَى العَرَبِ أَدَّتْنِي إِلَيْكَ خِيفَةٌ فَهَلْ عِنْدَكَ أَمْنٌ أَوْ قِرىً؟ قَالَ: بَيْتَ الأَمْنِ نَزَلْتَ، وَأَرْضَ القِرَى حَلَلْتَ، وَقَامَ فَعَلِقَ بِكُمِّي، فَمَشَيْتُ مَعَهُ إِلى خَيْمَةٍ قَدْ أُسْبِلَ سِتْرُهَا، ثُمَّ نَادَى: يَا فَتَاةَ الحَيِّ، هَذا جَارٌ نَبَتّ بِهِ أَوْطَانُهُ، وَظَلَمَهُ سُلْطَانُهُ، وَحَدَاهُ إِلَيْنَا صِيتُ سَمِعَهُ، أَوْ ذِكْرٌ بَلَغَهُ، فَأَجِيرِيِهِ، فَقَالَتِ الفَتَاةُ: اسْكُنْ يَا حَضَرِيُّ. أَيَا حَضَرِيُّ اسْكُنْ وَلا تَخْشَ خِيفَةً *** فَأَنْتَ بِبَيْتِ الأَسْوَدِ بْنِ قِـنَـانِ أَعَزِّ ابْنِ أُنْثَي مِنْ مَعَدٍ وَيَعْـرُبٍ *** وَأَوْفَاهُمُ عَهْداً بِـكُـلِّ مَـكـانِ وَأَضْرَبَهُمْ بِالسَّيْفِ مِنْ دُونِ جَارِهِ *** وَأَطْعَنُهُمْ مِنْ دُونِـهِ بِـسِـنَـانِ كَأَنَّ المَنَايَا وَالعَطَـايا بِـكَـفِّـهِ *** سَحَابان مَقْرُونَانِ مُؤْتَـلِـفَـانِ وَأَبْيَضَ وَضَّاحِ الجَبِينِ إِذَا انْتَمَى *** تَلاَقَي إِلَى عِيصٍ أَغَرَّ يَمَانِـي فَدُونَكَهُ بَيْتِ الجِـوَارِ وَسَـبْـعَةٌ *** يَحُلّوْنَهُ شَفَّعْتَـهُـمْ بِـثَـمَـانِ فَأَخَذَ الفَتَى بِيَدِي إِلَى البَيْتِ الَّذِي أَوْمأَتْ إِلَيْهِ، فَنَظَرْتُ فَإِذَا سَبْعَةُ نَفَرٍ فِيهِ، فَمَا أَخَذَتْ عَيْني إِلاَّ أَبَا الفَتْحِ الإِسْكَنْدَرِيَّ فِي جُمْلَتِهِمْ فَقُلْتُ لَهُ: وَيْحَكَ بِأَيِّ أَرْضٍ أَنْتَ؟ فَقَالَ: نَزَلْتُ بِالأَسْـوَدِ فِـي دَارِهِ *** أَخْتَارُ مِنْ طَيِّبِ أَثْمَارِهَـا فَقُلْتُ: إِنِّي رَجُـلٌ خَـائِفٌ *** هَامَتْ بِيَ الخِيفَةُ مِنْ ثَارِهَا حِيلَةُ أَمْثَالِي عَلَى مِـثْـلِـهِ *** فِي هَذِهِ الحَالِ وَأَطْوَارِهَـا حَتَّى كَسَانِي جَابِراً خَلَّـتِـي *** وَمَاحِـياً بَـيِّنَ آثـارِهَـا فَخُذْ مِنَ الدَّهْرِ وَنَلْ مَا صَفَا *** مِنْ قَبْلِ أَنْ تًنْقَلَ عَنْ دَارهَا إِيَّاكَ أَنْ تُبْـقِـيَ أُمْـنِـيَةً *** أَوْ تَكْسَعَ الشَّوْلَ بِأَغْبَارِهَـا قَالَ عِيسَى بْنُ هِشَامٍ: فَقُلْتُ: يَا سُبْحَانَ اللهِ!أَيَّ طَرِيقِ الكُدْيَةِ لَمْ تَسْلُكْهَا؟ ثُمَّ عِشْنَا زَمَاناً فِي ذَلِكَ الجَنَابِ حَتَّى أَمِنَّا، فَرَاحَ مُشَرِّقاً وَرُحْتُ مُغَرِّبَاً.
|
#45
|
||||
|
||||
المقامة العراقية لبديع الزمان حَدَّثَنا عِيسَى بْنُ هِشَامٍ قَالَ:طِفْتُ الآفَاقَ، حَتَّى بَلَغْتُ العِرَاقَ، وَتَصَفَّحْتُ دَوَاوينَ الشُّعَرَاءِ، حَتَّى ظَنَنْتُني لَمْ أُبْقِ فِي القَوْسِ مِنْزَعَ ظَفَرٍ، وَأَحَلَّتْنِي بَغْدَادُ فَبَيْنَمَا أَنَا عَلَى الشَّطِّ إِذْ عَنَّ لِي فَتَىً فِي أَطْمَارٍ، يَسْأَلُ النَّاسَ وَيَحْرِمُونَهُ، فَأَعْجَبَتْنِي فَصَاحَتُهُ، فَقُمْتُ إِلَيْهِ أَسْأَلَهُ عَنْ أَصْلِهِ وَدَارِهِ، فَقَالَ: أَنَا عَبْسِيُّ الأَصْلِ إِسْكَنْدَرِيُّ الدَّارِ، فَقُلْتُ: مَا هَذا اللِّسَانُ؟ وَمِنْ أَيْنَ هذَا البَيانُ؟ فَقَالَ: مِنَ الْعِلْمِ، رُضْتُ صِعَابَهُ؟ وَخُضْتُ بِحَارَهُ، فَقُلْتُ: بِأَيِّ العُلُومِ تَتَحَلَى؟ فَقَالَ: لِي فِي كُلِّ كِنانَةٍ سَهْمٌ فَأَيَّهَا تُحْسِنُ؟ فَقُلْتُ: الشِّعْرَ: فَقَالَ: هَلْ قَالَتِ العَرَبُ بَيْتاً لا يُمْكِنُ حَلَّهُ؟ وَهَلْ نَظَمَتْ مَدْحَاً لَمْ يُعْرَفْ أَهْلُهُ؟ وَهَلْ لَهَا بَيْتٌ سَمُجَ وَضْعُهُ، وَحَسُنَ قَطْعُهُ؟ وَأَيُّ بَيْتٍ لاَ يَرْقَأُ دَمْعُهُ؟ وَأَيُّ بَيْتٍ يَثْقُلُ وَقْعُهُ؟ وَأَيُّ بَيْتٍ يَشُجُّ عَرْضُهُ وَيَأْسُو ضَرْبُهُ؟ وَأَيُّ بَيْتٍ يَعْظُمُ وَعِيدُهُ وَيَصْغُرُ خَطْبُهُ؟ وَأَيُّ بَيْتٍ هُوَ أَكْثَرُ رَمْلاً مِنْ يَبْرينَ؟ وَأَيُّ بَيْتٍ هُوَ كَأَسْنَانِ المَظْلُومِ، وَالمِنْشَارِ المَثْلُومِ؟ وَأَيُّ بِيْتٍ يَسُرُّكَ أَوَّلُهُ وَيَسُوءُكَ آخِرُهُ؟ وَأَيُّ بَيْتٍ يَصْفَعُكَ بَاطِنُهُ، وَيَخْدَعُكَ ظَاهِرُهُ؟ وَأَيُّ بَيْتٍ لاَ يُخْلَقُ سَامِعُهُ، حَتَّى تُذْكَرَ جَوَامِعُهُ؟ وَأَيُّ بَيْتٍ لا يُمْكِنُ لَمْسُهُ؟ وَأَيُّ بَيْتٍ يَسْهُلُ عَكْسُهُ؟ وَأَيُّ بَيْتٍ هُوَ أَطْوَلُ مِنْ مِثْلِهِ، وَكَأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ؟ وَأَيُّ بَيْتٍ هُوَ مَهِينٌ بِحَرْفٍ، وَرَهِينٌ بِحَذْفٍ؟؟؟ قَالَ عِيسَى بْنُ هِشَامٍ: فَوَ اللهِ مَا أَجَلْتُ قِدْحَاً في جَوَابهِ، وَلا اهْتَدَيْتُ لِوَجْهِ صَوَابِهِ، إِلاَّ لا أَعْلَمُ. فَقَالَ: وَمَا لاَ تَعْلَمُ أَكْثَرُ، فَقُلْتُ: وَمَا لَكَ مَعْ هَذا الفَضْلِ، تَرْضَى بِهَذا العَيْشِ الرَّذْلِ؟ فَأَنْشَأَ يَقُولُ: بُؤْساً لِهَذا الزَّمَانِ مِنْ زَمَنٍ *** كُلُّ تَصَارِيفِ أَمْرِهِ عَجَبُ أَصْبَحَ حَرْباً لِكُلِّ ذِي أَدَبٍ *** كَأَنَّمَا سَـاءَ أُمَّـهُ الأَدَبُ فَأَجَلْتُ فِيهِ بَصَري، وَكَرَّرْتُ فِي وَجْهِهِ نَظَري، فَإِذَا هُوَ أَبُو الفَتْحِ الإِسْكَنْدَرِيُّ، فَقُلْتُ: حَيَّاكَ اللهُ وَأَنْعَشَ صَرْعَكَ إِنْ رَأَيْتَ أَنْ تَمُنَّ عَلَيَّ بِتَفْسيرِ مَا أَنْزَلْتَ، وَتَفْصِيلِ مَا أَجْمَلْتَ، فَعَلْتَ، فَقَالَ: تَفْسيرُهُ: أَمَّا البَيْتُ لا يُمْكِنُ حَلُّهُ فَكَثيرٌ، وَمِثَالُهُ قَوْلُ الأَعْشَى. دَراهِمُنَا كُلُّها جَـيِّدٌ *** فَلا تَحْبَسَّنا بِتَنْقَادِهَا وأَمَّا المَدْحُ الَّذِي لَمْ يُعْرَفْ أَهْلُهُ فَكَثيرٌ، وَمِثالُهُ قَوْلُ الهُذَلِيِّ: وِلِمْ أِدْرِ مَنْ أَلْقَى عَلَيْهِ رِداءَهُ *** عَلَى أَنَّهُ قَدْ سُلَّ عَنْ مَاجِدٍ مَحْضِ وَأَمَّا البَيْتُ الذَّي سَمُجَ وَضْعُهُ، وَحَسُنَ قَطْعُهُ، فَقَوْلُ أَبي نُوَاسِ: فَبِتْنَا يَرَانَا اللهُ شَـرَّ عِـصَـابَةٍ *** تُجَرِّرُ أَذْيَالَ الفُسُوقِ، وَلا فَخْرُ وَأَمَّا البَيْتُ الَّذِي لاَ يَرْفَأُ دَمْعُهُ فَقَوْلُ ذِي الرُّمَّةِ: مَا بَالُ عَيْنِكَ مِنْهَا المَاءُ يَنْسَكِبُ *** كَأَنَّهُ مِنْ كُلىً مَفْرِيَّةٍ سَرَبَ فَإِنَّ جَوامِعَهُ: إِمَّا مَاٌء، أَوْ عَيْنٌ، أَوْ انْسِكَابٌ، أَوْ بَوْلٌ، أَوْ نَشيئَةٌ، أَوْ أَسْفَلُ مَزادَةٍ، أَوْ شِقٌّ، أَوْ سَيَلانٌ. وَأَمَّا البَيتُ الَّذِي يَثُقلُ وَقْعُهُ فَمِثْلُ قَوْلِ ابْنِ الرُّومِيِّ: إِذَا مَنَّ لَمْ يَمْنُنْ بِمَنّ يَمُنُّهُ *** وَقَالَ لِنَفْسي: أَيُّها النَّفْسُ أَمْهِلي وَأَمَّا البَيْتُ الَّذي تَشُجُّ عَرُوضُهُ وَيَأَسُو ضَرْبُهُ فَمِثْلُ قَوْلِ الشَّاعِرِ: دَلَفْتُ لَهُ بِأَبْيَضَ مَشْرَفِيٍّ *** كَمَا يَدْنُو المُصَافِحُ لِلسَّلامِ وَأَمَّا البَيْتُ الَّذِي يَعْظِمُ وَعِيدُهُ وَيَصْغُرُ خَطْبُهُ فَمِثَالُهُ قَوْلُ عَمْرو ابْنِ كُلْثُوم: كَأَنَّ سُيُوفَنا مِنَّا وَمِنْهُمْ *** مَخارِيقٌ بِأَيْدِي لاعِبينَا وَأَمَّا البَيْتُ الَّذِي هُوَ أَكْثَرُ رَمْلاً مِنْ يَبْرِينَ فَمِثُلُ قَوْلِ ذِي الرُّمَّةِ: مُعْرَوْرِياً رَمَضَ الرَّضْرَاضِ يَرْكُضُهُ *** وَالشَّمْسُ حَيْرَى لَها في الجَوِّ تَدْوِيمُ وَأَمَّا البَيْتُ الَّذِي هُوَ كَأَسْنَانِ المَظْلُومِ، وَالمِنْشَارِ المَثْلُومِ؛ فَكَقَولِ الأَعْشَى: وَقَدْ غَدَوْتُ إِلى الحَانُوتِ يَتْبَعُنِي *** شَاوٍ مِشَلٌّ شَلُولٌ شُلْشُلٌ شَـوِلُ وَأَمَّا البَيْتُ الَّذِي يَسُرُّكَ أَوَّلُهُ وَيَسُوؤُكَ آخِرُهُ فَكَقَوْلِ امْرِئ القَيْسِ: مِكَرٍّ مِفَرٍّ مُقْبِلٍ مُدْبِرٍ مَعاً *** كَجُلْمُودِ صَخْرٍ حَطَّهُ السَّيْلُ مِنْ عَلِ وَأَمَّا البَيْتُ الَّذِي يَصْفَعُكَ بَاطِنُهُ وَيَخْدَعُكَ ظَاهِرُهُ فَكَقَوُلُ القَائِل: عَاتَبْتُهَا فَبَكَتْ، وَقَالَتْ يَا فَتىً *** نَجَّاكَ رَبُّ العَرْشِ مِنْ عَتْبِي وَأَمَّا البَيْتُ الَّذِي لا يُخْلَقُ سَامِعُهُ، حَتَّى تُذْكَرَ جَوَامِعُهُ، فَكَقَوْلِ طَرِفَةَ: وُقُوفاً بِهَا صَحْبِي عَلَىَّ مَطِيَّتُهُمْ *** يَقُولُونَ: لاَ تَهْلِكْ أَسىً وَتَجَلَّدِ فَإِنَّ السَّامِعَ يَظُنُّ أَنَّكَ تُنْشِدُ قَوْلَ امْرِئ القَيْسِ. وَأَمَّا البَيْتُ الَّذِي لاَ يُمْكِنُ لَمْسُهُ فَكَقَوْلِ الخُبْزرُزِّيِّ: تَقَشَّعَ غَيْمُ الهَجْرِ عَنْ قَمَرِ الحُبِّوَ *** أَشْرَقَ نُورُ الصُّلْحِ مِنْ ظُلْمَةِ العَتْبِ وَكَقَوْلِ أَبي نُوَاسٍ: نَسِيمُ عَبِيرٍ فِي غِلاَلَةِ مَاءٍ *** وَتَمْثَالُ نُورٍ فِي أَدِيمِ هَوَاءٍ وَأَمَّا البَيْتُ الَّذِي يَسْهُلُ عَكْسُهُ فَكَقَوْلِ حَسَّانَ: بِيضُ الوُجُوهِ كَرِيمَةٌ أَحْسَابُهُمْ *** شُمُّ الأُنُوفِ مِنَ الطِّرَازِ الأَوَّلِ وَأَمَّا البَيْتُ الَّذِي هُوُ أَطْوَلُ مِنْ مِثْلِه فَكَحَمَاقَةِ المُتَنَبي: عِش ابْقَ اسْمُ سُدْ جُدْ قُدْ مُر أَنْه اسْرُفُهْ تُسَلْغِظِ *** ارْمِ صِبِ احْمِ اغْزُ اسْبِ رُعْ زَعْ دِلِ ابْنِ نَلْ وَأَمَّا البَيْتُ الَّذِي هُوَ مَهِينٌ بِحَرْفٍ، وَرَهِينٌ بِحَذْفٍ، فَكَقَوْلِ أَبِي نُوَاسِ: لَقَدْ ضَاعَ شِعْرِي عَلَى بَابِكُمْ *** كَمَا ضَاعَ دُرٌّ عَلَى خَالِصَهْ وَكَقَوْلِ الآخَرِ: إِنَّ كَلاَماً تَرَاهُ مَدْحـاً *** كَانَ كَلاماً عَلَيْهِ ضَاءَ يِعْنِي أَنَّهُ إِذَا أَنْشَدَ " ضَاعاَ" كَانَ هِجَاءً، وَإِذَا أَنْشَدَ "ضَاءَ" كانَ مَدْحاً. قَالَ عِيسَى بْنُ هِشَامٍ: فَتَعَجَّبْتُ واللهِ مِنْ مَقَالِه، وَأَعْطَيْتُهُ مَا يَسْتَعِينُ بِهِ عَلَى تَغْييرِ حَالهِ، وَافْتَرَقْنَا.
|
#46
|
||||
|
||||
المقامة الحمدانية لبديع الزمان حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ هِشامٍ قَالَ: حَضَرْنَا مَجْلِسَ سَيْفِ الدَّوْلةِ بْنِ حَمْدَانَ يَوْماً، وَقَدْ عُرِضَ عَلَيْهِ فَرَسٌ مَتَى مَا تَرَقَّ العَيْنُ فِيهِ تَسَهَّلِ، فَلحَظَتْهُ الجَمَاعَةُ، وَقَالَ سَيْفُ الدَّوْلةِ: أَيُّكُمْ أَحْسَنَ صِفَتَهُ، جَعَلْتُهُ صِلتَهُ، فَكُلٌّ جَهْدَ جَهْدَهُ، وَبَذَلَ مَا عِنْدَهُ، فَقَالَ: أَحَدُ خَدَمِهِ: أَصْلَحَ اللهُ الأَمِيرَ! رَأَيْتُ بِالأَمْسِ رَجُلاً يَطأُ الفَصَاحَةَ بِنَعْلَيْهِ، وَتَقِفُ الأَبْصَارُ عَلَيْهِ، يَسْأَلُ النَّاسَ، وَيَسْقِى اليَاسَ، وَلَوْ أَمَرَ الأَمِيرُ بِإِحْضَارِهِ، لَفَضَلَهُمْ بِحَضَارِهِ، فقَالَ سَيْفُ الدَّوْلةِ: عَلَيَّ بِهِ فِي هَيْئَتِهِ، فَطَارَ الخَدَمُ فِي طَلَبِهِ، ثُمَّ جَاءُوا لِلْوَقْتِ بِهِ، وَلَمْ يُعْلِمُوهُ لأَّيِة حَالٍ دُعِيَ، ثُمَّ قرِّبَ وَاسْتُدْنِىَ، وَهْوَ فِي طِمْرَيْنِ قَدْ أَكَلَ الدَّهْرُ عَلَيْهِمَا وَشَرِبَ، وَحِينَ حَضَرَ السِّمَاطَ، لَثَمَ البِسَاطَ، وَوَقَفَ، فَقَالَ: سَيْفُ الدَّوْلةِ: بَلَغَتْنَا عَنْكَ عَارِضَةٌ فَاعْرِضْهَا في هذا الفَرَسَ وَوَصْفِهِ، فَقَالَ: أَصْلَحَ اللهُ الأَمِيرَ كَيْفَ بِهِ قَبْلَ رُكُوبهِ وَوُثُوبهِ، وَكَشْفِ عُيُوبهِ وَغُيُوبهِ؟ فَقَالَ: ارْكَبْهُ، فَرَكِبَهُ وَأَجْرَاهُ، ثُمَّ قَالَ: أَصْلَحَ اللهُ الأَمِيرَ هُوَ طَويلُ الأُذُنَيْنِ، قَلِيلُ الإِثْنَيْنِ، وَاسِعُ المَرَاثِ، لَيِّنُ الثَّلاَثِ، غَلِيظُ الأَكْرُع، غَامِضُ الأَرْبَعِ، شَدِيدُ النَّفْسِ، لَطِيفُ الخَمْسِ، ضَيّقُ القَلْتِ، رَقِيقُ السِّتِّ، حَدِيدُ السَّمْعِ، غَلِيظُ السَّبْعِ، دَقِيقُ الِّلسَانِ، عَرِيضُ الثَّمانِ، مَدِيدُ الضِّلعَ، قَصِيرُ التِّسْعَ، وَاسِعُ الشَّجْرِ، بَعِيدُ العَشْرِ، يَأْخُذُ بِالسَّابحِ، وَيُطْلِقُ بِالرَّامِحِ. يَطلُعُ بِلائِحٍ وَيَضْحَكُ عنْ قَارِحٍ يَجُزُّ وَجْهَ الجَديدِ، بِمَدَاقِّ الحَدِيدِ، يُحْضِرُ كَالبَحْرِ إِذَا مَاجَ، والسَّيْلِ إِذَا هَاجَ، فَقَالَ سَيْفُ الدَّوْلَةِ: لَكَ الفَرَسُ مُبَارَكاً فِيهِ، فَقَالَ: لا زِلْتَ تَأْخُذُ الأَنْفَاسَ، وَتَمْنَحُ الأَفْرَاسَ، ثُمَّ انْصَرَفَ وَتَبِعْتُهُ وَقُلْتُ لَكَ عَلَيَّ مَا يَلِيقُ بِهَذا الفَرَسِ، ثُمَّ انْصَرَفَ وَتَبِعْتُهُ وَقُلْتُ لَكَ عَلَيَّ مَا يَلِيقُ بِهذَا الفَرَسِ مِنْ خِلْعَةٍ إِنْ فَسَّرْتَ مَا وَصَفْتَ، فَقَالَ: سَلْ عَمَّا أَحْبَبْتَ، فَقُلتُ: مَا مَعْنَى قَوْلِكَ بَعِيدُ العَشْرِ، فقَالَ: بَعِيدُ النَّظَرِ وَالْخَطْوِ وَأَعَالِي اللَّحْيَيْنِ، وَمَا بَيْنَ الوَقْبَيْينِ، وَالجَاعِرَتَيِنِ، وَمَا بَيْنَ الغُرَابَيْنِ وَالمِنْخَرَيْنِ، وَمَا بَيْنَ الرِّجْلَيْنِ، وَمَا بَيْنَ المَنْقَبِ وَالصِّفَاقِ، بَعِيدُ الغَايَةِ فِي السِّبَاقِ، فَقُلْتُ: لاَ فُضَّ فُوكْ فَمَا مَعْنَى قَوْلِكَ قَصِيرُ التِّسْعِ، قَالَ: قصِيرُ الشَّعْرَةِ قَصِيرُ الأُطْرَةِ قَصِيرُ العَسِيْبِ، قَصِيرُ العَضُدَيْنِ، قَصِيرُ الرُّسْغَينش، قَصِيرُ النَّسَا، قَصِيرُ الظَّهْرِ، قَصِيرُ الوَظِيفِ. فَقُلْتُ: للهِ أَنْتَ فَمَا مَعْنَى قَوْلِكَ: عَرِيضُ الثَّمَانِ؟ قَالَ: عَريضُ الجَبْهَةِ، عَرِيضُ الوَرِكِ، عَرِيضُ الصَّهْوَةِ، عَريضُ الكَتِفِ، عَرِيضُ الجَنْبِ، عَرِيضُ العَصَبِ، عَرِيضُ البَلْدَةِ، عَرِيضُ صَفْحَةِ العُنُقِ. فَقُلْتُ: أَحْسَنْتَ، فَمَا مَعْنَى قَوْلِكَ: غَلِيظُ السَّبْعِ؟ قَالَ: غَلِيظُ الذِّرَاعِ، غَلِيظُ المَحْزَمِ، غَلِيظُ العُكْوَةِ، غَلِيظُ الشَّوى، غَلِيظُ الرُّسْغِ، غَلِيظُ الفَخْذَيْنِ، غَليظُ الْحَاذِ. قُلْتُ: للهِ دَرُّكَ! فَمَا مَعْنَى قَوْلِكَ: رَقيقُ السِّتِّ؟ قَالَ: رَقيقُ الجَفْنِ، رَقِيقُ السَّالِفَةِ، رَقِيقُ الجَحْفَلةِ، رَقِيقُ الأَدِيمِ، رَقِيقُ أَعَالِي الأُذْنَيْنِ، رَقِيقُ العُرُضَينِ. فَقُلْتُ: أَجَدْتَ، فَمَا مَعْنَى قَوْلِكَ: لَطِيفُ الخَمْسِ؟ فَقَالَ: لَطِيفُ الزَّوْرِ، لَطِيفُ النَّسْرِ، لَطِيفُ الجَبْهَةِ، لَطِيفُ الرُّكْبَةِ، لَطِيفُ العُجَايَةِ. فَقُلْتُ: حَيَّاكَ اللهُ، فَمَا مَعْنَى قَوْلِكَ: غَامِضُ الأَرْبَعِ؟ قَالَ:غَامِضُ أَعَالشي الكَتِفَيْنِ، غَامِضُ المَرْفَقَيْنِ، غَامِضُ الحِجَاجَيْن، غَامِضُ الشَّظى. قُلْتُ: فَمَا مَعْنَى قَوْلِكَ لَيِّنُ الثَّلاَثِ، قَالَ: لَيِّنُ الْمَرْدَغَتَيْنِ لَيِّنُ العُرْفِ لَيِّنُ العِنَانِ قُلْتُ: فَمَا مَعْنَى قَوْلِكَ قَلِيلُ الإِثْنَثْنِ قَالَ: قَلِيلُ لَحْمِ الوَجْهِ قَلِيلُ لَحْمِ المَتْنَيْنِ، قُلْتُ: فَمِنْ أَيْنَ مَنْبِتُ هَذا الفَضْلِ؟ قَالَ: مِنَ الثُّغُورِ الأَمَوِيَّةِ والبِلادِ الإِسْكَنْدَرِيَّةِ، فَقُلْتُ: أَنْتَ مَعَ هَذا الفَضْلِ تُعَرِّضُ وَجْهَكَ لِهَذا الَبَذْلِ؟ فَأَنْشَأَ يَقُولُ: سَاخِفْ زَمَانَكَ جِدّاً *** إِنَّ الزَّمَانَ سَخِيفْ دَعِ الحَمِيَّةَ نِـسْـياً *** وَعِشْ بِخَيْرٍ وَرِيفْ وَقُلْ لِعَبْـدِكَ هَـذا *** يَجِيئُنَا بِـرَغِـيفْ
|
#47
|
||||
|
||||
المقامة الرصافية لبديع الزمان حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ هِشَامٍ قَالَ: خَرَجْتُ مِنَ الرَّصَافَةِ أُرِيدُ دَارَ الخَلاَفَةِ، وَحَمَارَّةُ القَيْظِ تَغْلِي بِصَدْرِ الغَيْظِ، فَلَمَّا نَصَفْتُ الطَّرِيقَ اشْتَدَّ الحَرُّ وَأَعْوَزَنِي الصَّبْرُ فَمِلْتُ إِلى مَسْجِدٍ قَدْ أَخَذَ مِنْ كُلِّ حُسْنٍ سِرَّهُ وَفِيهِ قَومٌ يَتَأَمَّلُونَ سُقُوفَهُ وَيَتَذَاكَرُونَ وقُوفَهُ، وَأَدَّاهُمْ عَجُزُ الحَدِيثِ إِلى ذِكُرِ اللُّصُوصِ وَحِيَلِهِمْ وَالطَّرَارِينَ وَعَمَلِهِمْ، فَذَكَروا أَصْحَابَ الفُصُوصِ مِنَ اللُّصُوصِ وَأَهْلَ الكَفِّ وَالَقِّف وَمَنْ يَعْمَلُ بِالْطَّفِ، وَمَنْ يَحْتَالُ في الصَّفِّ، وِمِنْ يِخْنُقُ بِالدَّفِّ، وَمَنْ يَكْمُنُ فِي الرَّفِّ، إِلَى أَنْ يُمْكِنَ اللَّفِّ، وَمَنْ يُبَدَِلُ بِالمَسْحِ، وَمَنْ يَأْخُذُ بِالمَزْحِ، وَمَنْ يَسْرِقُ بِالنُّصْحِ، وَمَنْ يَدْعُو إِلى الصُّلْحِ، وَمَنْ قَمَشَ بِالصَّرْفِ، وَمَنْ أَنْعَسَ بِالطَّرْفِ، وَمَنْ بَاهَتَ بالنَّرْدِ، وَمَنْ غَالَطَ بِالْقِرْدِ، وَمَنْ كَابَرَ بِالْرَّيْطِ، مَعَ الإِبْرَةِ والخَيْطِ، وَمَنْ جَاءَكَ بِالقُفْلِ، وَمَنْ شَقَّ الأَرْضَ منْ سُفْلِ، وَمَنْ نَوَّمَ بِالبَنْجِ، أُوْ احْتَالَ بِنِيرَنْجٍ، وَمَنْ بَدَّل نَعْلَيْهِ، ومَنْ شَدَّ بِحَبْلَيْهِ، وَمَنْ كَابَرَ بِالسَّيْفِ، وَمَنْ يَصْعَدُ في البِيرِ وَمَنْ سَارَ مَعَ العِيرِ، وَأَصْحَابُ العَلاَمَاتِ وَمَنْ يَأَتِي المَقَامَاتِ وَمَنْ فَرَّ مِنَ الطَّوْفِ وَمَنْ لاذَ مِنَ الخَوْفِ وَمَنْ طَيَّرَ باِلطَّيْرِ وَمَنْ لاعَبَ بِالسَّيْرِ وَقَالَ: اجْلِسْ وَلا ضَيْرٌ وَمَنْ يَسْرِقُ بِالبَوْلِ وَمَنْ يِنْتَهِزُ الهَوْلَ وَمَنْ أَطْعَمَ فِي السُّوقِ بِمَا يَنْفُخُ فِي البُوقِ وَمَنْ جَاءَ بِبَسْتُوقٍ ، وَأَصْحَابُ البَسَاتِينِ وَسُرَّاقُ الرَّوَازِينِ وَمَنْ ضَبَرَ فِي الصَّرْحِ وَمَنْ سَلَّمَ في السَّطْحِ وَمَنْ دَبَّ بِسِكِّينٍ عَلى الحَائطِ مِنْ طِينٍ وَمَنْ جَاءَكَ فِي الحِينِ يُحَيِّي بِالْرَّيَاحِينِ وَأَصْحَابُ الطَّبْرَزِينِ كَأَعْوَانِ الدَّوَاوِينِ وَمَنْ دَبَّ بِأَنِينٍ عَلى رَسْمِ المَجَانِينِ وَأَصْحَابُ المَفَاتِيحِ وَأَهْلَ القُطْنِ وَالرِّيحِ، وَمَنْ يَقْتَحِمُ البَابَ، علَى زِيِّ مَنِ انْتَابَ، وَمَنْ يَدْخُلُ فِي الدَّارِ، عَلَى صُورَةِ مَنْ زَارَ، وَمَنْ يَدْخُلُ بِالِّلينِ، عَلَى زِيِّ المَسَاكِينِ، وَمَنْ يَسْرِقُ فِي الحَوْضِ، إِذَا أَمْكَنَ فِي الخَوْضِ، وَمَنْ سَلَّ بِعُودَيْنِ، وَمَنْ حَلَّفَ بِالدَّيْنِ، وَمَنْ غَالَطَ بِالرَّهْنِ، وَمَنْ سَفْتَجَ بِالدَّيْنِ، وَمَنْ خَالَفَ بِالْكِيسِ، وَمَنْ زَجَّ بِتَدْلِيسِ، وَمَنْ أَعْطى المَفَالِيسَ، وَمَنْ قَصَّ مِنَ الكُمِّ، وَقَالَ: انْظُرْ وَاحْكُمْ، وَمَنْ خَاطَ عَلى الصَدْرِ، وَمَنْ قَالَ: أَلَمْ تَدْرِ؟ وَمَنْ عَضَّ، وَمَنْ شَدَّ، وَمَنْ دَسَّ إِذَا عَدَّ،وَمَنْ لَجَّ مَعَ القَوْمِ وَقَالَ: لَيْسَ ذَا نَوْمٍ وَمَنْ غَرَّكَ بِالأَلْفِ وَمَنْ زَجَّ إِلَى خَلْفٍ وَمَنْ يَسْرِقُ بِالقَيْدِ وَمَنْ يَأَلَمُ لِلْكَيْدِ وَمَنْ صَافَعَ بِالنَّعْلِ وَمَنْ خَاصَمَ في الحَّقِ وَمَنْ عاَلجَ بِالشَّقِ وَمَنْ يَدُخُلُ في السَّرْبِ وَمَنْ يَنْتَهِزُ النَّقْبَ وَأَصْحَابِ الخَطَاطِيفِ عَلى الحَبْلِ مِنَ الِّليِفِ وَانْجَرَّ الحَدِيثُ إِلى ذِكُرِ مَنْ رَبِحَ عَلَيْهِمْ ، وَأَتَى بِقِصَّةٍ لأَبِي الفَتْحِ الإِسْكَنْدَرِيُّ حذفناها لعدم الفائدة فيها مع وجود ألفاظ تنافي آداب هذه الأيام وليس فيها شيء يستحق الذكر سوى أن الليلة القمراء يقال فيها ليلة في غير زيها وأنشد يقول: وَطَيْفٌ سَرَى وَالْلَّيْلُ فِي غَيْرِ زِيِّهِ *** وِوِافِاهُ بِدْرٌ التِّمِّ فَابْيَضَ مَفْرِقَهُ
|
#48
|
||||
|
||||
المقامة المغزلية لبديع الزمان حَدَّثَنا عِيسَى بْنُ هِشَامٍ قَالَ: دَخَلْتُ البَصْرَةَ وَأَنَا مُتَّسِعُ الصِّيتِ كَثِيرُ الذِّكْرِ، فَدَخَلَ عَلَيَّ فَتَيَانِ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا: أَيَّدَ اللهُ الشَّيْخَ، دَخَلَ هَذَا الفَتَى دَارَنَا، فَأَخَذَ فَنَجَ سُنَّارٍ. بِرَأْسِهِ دُوَارٌ، بِوَسَطِهِ زُنَّارٌ، وَفَلَكٌ دَوَّارٌ، رَخِيمُ الصَّوْتِ إِنْ صَرَّ، سَرِيعُ الكَرِّ إِنْ فَرَّ، طَويلُ الذَّيْلِ إِنْ جَرَّ، نَحيفُ المُنَطَّقِ، ضَعيفُ المُقَرْطَقِ، في قَدْرِ الجَزَرِ، مُقِيمٌ بِالحَضرِ، لا يَخْلُو مِنَ السَّفَرِ، إِنْ أَودِعَ شَيْئاً رَدَّ، وَإِنْ كُلِّفَ سَيْراً جَدَّ، وَإِنْ أَجَرَّ حَبْلاً مَدَّ، هُنَاكَ عَظْمٌ وَخَشَبٌ، وَفيهِ مَالٌ وَنَشَبٌ، وَقَبْلٌ وَبَعْدٌ، فَقَالَ الفَتَى: نَعَمْ أَيَّدَ اللهُ الشَّيْخَ لأَنَّهُ غَصَبَنِي عَلَى: مُرَهَّفٍ سِـنـانُـهُ *** مُذَلَّـقٍ أَسْـنَـانُـهُ أَوْلاَدُهُ أَعْـوانُـــهُ *** تَفْرِيقُ شَمْلٍ شَانُـهُ مُوَاثِبٌ لِصَـاحِـبِـهْ *** مُعَلَّقٌ بِـشَـارِبِـهِ مُشْتَـبِـكُ الأَنْـيَابِ *** في الشِّيبِ وَالشَّبَابِ حُلْوٌ مَليحُ الشَّـكْـلِ *** ضَاوٍ زَهِيدُ الأَكْـلِ رَامٍ كَثيرُ الـنَّـبْـلِ *** حَوْفَ اللِّحى والسَّبْلِ فَقُلْتُ للأَوَّلِ: رُدَّ عَلَيْهِ المُشْطَ لِيَرُدَّ عَلَيْكَ المِغْزَلَ.
|
#49
|
||||
|
||||
المقامة الشيرازية لبديع الزمان
حَدَّثَنا عِيسى بْنُ هِشامٍ قَالَ: لَمَّا قَفَلْتُ مِنَ اليَمَنِ، وَهَمَمْتُ بِالوَطَنِ، ضَمَّ إِلَيْنا رَفيقٌ رَحْلَهُ، فَتَرَافَقْنَا ثَلاثَةَ أَيَّامٍ،حَتَّى جَذَبَني نَجْدٌ، وَالتَقَمَهُ وَهْدٌ، فَصَعَّدْتُ وَصَوَّبَ، وَشَرَّقْتُ وَغَرَّبَ، وَنَدِمْتُ عَلَى مُفَارَقَتِهِ بَعْدَ أَنْ مَلَكَنِي الجَبَلُ وَحَزْنُهُ، وَأخَذَهُ الغَوْرُ وَبَطْنُهُ فَوَ اللهِ لَقْدَ تَرَكَني فِرَاقُهُ وَأَنا أَشْتَاقُهُ، وَغادَرَنِي بَعْدَهُ أَقَاسِي بُعْدَهُ، وَكُنْتُ فَارَقْتُهُ ذَا شَارَةٍ وَجَمالٍ، وَهَيْئَةٍ وَكَمالٍ، وَضَرَبَ الدَّهْرُ بِنا ضُروبَهُ، وَأَنا أَتَمَثَّلُهُ في كُلِّ وَقْتٍ، وَأَتَذَكَّرُهُ في كُلِّ لَمْحَةٍ، وَلا أَظُنُّ أَنَّ الدَّهْرَ يُسْعِدُني بِهِ وَيُسْعِفُني فيهِ، حَتَّى أَتَيْتُ شِيرَازَ، فَبَيْنا أَنا يَوماً في حُجْرَتِي إِذْ دَخَلَ كَهْلٌ قَدْ غَبَّرَ في وَجْهِهِ الفَقْرُ، وَانْتَزَفَ ماءَهُ الدَّهْرُ، وَأَمالَ قَنَاتَهُ السُّقْمُ، وَقَلَّمَ أَظْفَارَهُ العُدْمُ، بِوَجْهٍ أَكْسَفَ مِنْ بالِهِ، وَزِيٍّ أَوْحَشَ مِنْ حالِهِ، وَلِثَةٍ نَشِفَةٍ، وَشَفَةٍ قَشِفَةِ، وَرِجْلٍ وَحِلَةٍ، وَيَدٍ مَحِلَةٍ، وَأَنْيَابٍ َقد جَرَعهَا الضُّرُّ وَالعَيْشُ المُرُّ، وَسَلَّمَ فَازْدَرَتْهُ عَيْني، لكِنِّي أَجَبْتُهُ، فَقالَ: اللَّهُمَّ اجْعَلْنا خَيْرَاً مِمَّا يُظَنُّ بِنا، فَبَسَطْتُ لَهُ أَسِرَّةَ وَجْهِي، وَفَتَقْتُ لَهُ سَمْعِي،وََقُلْتُ لَهُ: إِيهِ، فَقَالَ: قَدْ أَرْضَعْتُكَ ثَدْيَ حُرْمَةٍ، وَشَارَكْتُكَ عِنَانَ عِصْمَةٍ، وَالمَعْرِفَةُ عِنْدَ الكِرَامِ حُرْمَةٌ، وَالمَوَدَّةُ لُحْمَةٌ، فَقُلْتُ: أَبَلَدِيٌّ أَنْتَ أَمْ عَشِيريٌّ فَقَالَ مَا يَجْمَعُنا إِلاَّ بَلَدُ الغُرْبَةِ وَلا يَنْظِمُنا إِلا رَحِمُ القُرْبَةِ فَقُلْتُ: أَيُّ الطَّريقِ شَدَّنَا في قَرَنٍ؟ قَالَ: طَريقُ اليَمَنِ. قَالَ عِيسَى بْنُ هِشَامٍ: فَقُلْتُ: أَنْتَ أَبُو الفَتْحِ الإِسْكَنْدَرِيُّ؟ فَقَالَ: أَنا ذَاكَ، فَقُلْتُ: شَدَّ مَا هُزِلْتَ بَعْدِي! وَحُلْتَ عَنْ عَهْدي! فانْفُضْ إِلىَّ جُمْلَةَ حالِكَ، وَسَبَبَ اخْتِلاَلِكَ، فَقالَ: نَكَحْتُ خَضْرَاءَ دِمْنَةٍ، وَشَقِيتُ مِنهَا بِابْنَةٍ، فَأَنَا مِنهَا في مِحْنَةٍ، قَدْ أَكَلَتْ حَرِيبَتي، وَأَرَاقَتْ مَاءَ شَيْبَتي، فَقُلْتُ: هَلاَّ سَرَّحْتَ وَاسْتَرَحْتَ. ثُمَّ ذَكَر كَلاَماً يَنْدَى لَهُ وَجْهُ الأَدب فَتعفَّفْنَا عَنْ ذِكْرِهِ وَالخَوْضَ فِيهِ.
|
#50
|
||||
|
||||
المقامة الحلوانية لبديع الزمان حَدَّثَنا عِيسَى بْنُ هِشَامِ قَالَ: لَمَّا قَفَلْتُ مِنَ الحَجِّ فِيمَنْ قَفَلَ، وَنَزَلْتُ مَعَ مَنْ نَزلَ، قُلْتُ لِغُلامي: أَجِدُ شَعْرِي طَوِيلاً، وَقَدْ اتَّسَخَ بَدَنِي قَليلاً، فَاخْتَرْ لَنَا حَمَّامَاً نَدْخُلهُ، وَحَجَّامَاً نَسْتَعْمِلهُ، وَلِيَكُنْ الحَمَّامُ وَاسِعَ الرُّقْعَةِ، نَظِيفَ البُقْعَةِ، طَيِّبَ الهَوَاءِ، مُعْتَدِلَ المَاءِ، وَلْيِكُنْ الحَجَّامُ خَفِيفَ اليَدِ، حَدِيدَ المُوسَى، نَظيفَ الثِّيابِ، قَليلَ الفُضُولِ، فَخَرَجَ مَلِيّاً وَعَادَ بَطِيّاً، وَقالَ: قَدْ اخْتَرْتُهُ كَمَا رَسَمْتَ، فَأَخَذْنَا إِلَى الحَمَّامَ السَّمْتَ، وَأَتَيْناهُ فَلَمْ نَرَ قَوّامَهُ، لَكِنِّي دَخَلْتُهُ وَدَخَلَ عَلى أَثَرِي رَجُلٌ وَعَمَدَ إِلى قِطْعَةِ طِينٍ فَلطَّخَ بِها جَبِينِي، وَوَضَعَها على رأَسِي، ثُمَّ خَرَجَ وَدَخَل آخَرُ فَجَعَلَ يَدْلِكُنِي دَلْكَاً يَكُدُّ العِظامَ، وَيَغْمِزُنِي غَمْزَاً يَهُدُّ الأَوْصالَ وَيُصَفِّرُ صَفِيراً يَرُشُ البُزَاقَ، ثُمَّ عَمَدَ إِلى رَأَسِي يَغْسِلْهُ، وَإِلَى المَاءِ يُرْسِلهُ، وَمَا لَبِثَ أَنْ دَخَلَ الأَوَّلُ فَحَيَّا أَخْدَعَ الثَّانِي بِمَضُمومَةٍ قَعْقَعَتْ أَنْيابَهُ، وَقَالَ: يَا لُكَعُ مَا لَكَ وَلِهَذا الرَّأْسِ وَهُوَ لي؟ ثُمَّ عَطَفَ الثَّاني عَلى الأَوَّلِ بِمَجْمُوعَةٍ هَتَكَتْ حِجَابَهُ، وَقالَ: بَلْ هَذَا الرَّأْسُ حَقِّي وَمِلْكِي وَفِي يَدِي، ثُمَّ تَلاكَمَا حّتَّى عَيِيَا، وَتَحَاكَمَا لِما بَقِيا، فَأَتَيا صَاحِبَ الحَمَّامِ، فَقَالَ الأَوَّلُ: أَنَا صَاحِبُ هَذا الرَّأْسِ؛ لأَنِّي لَطَّخْتُ جَبِينَهُ، وَوَضَعْتُ عَلَيْهِ طِيَنهُ، وَقَالَ الثَّاني: بَلْ أَنَا مَالِكُهُ؛ لأَني دَلَكْتُ حَامِلَهُ، وَغَمَزْتُ مَفَاصِلَهُ، فَقَالَ الحَمَّامِيُّ: ائْتُونِي بِصَاحِبِ الرَّأْسِ أَسْأَلهُ، أَلَكَ هذَا الرَّأْسُ أَمْ لَهُ، فَأَتَيَانِي وَقَالا: لَنَا عِنْدَكَ شَهَادَةٌ فَتَجَشَّمْ، فَقُمْتُ وَأَتَيْتُ، شِئْتُ أَمْ أَبَيْتُ، فَقَالَ الحَمَّامِي: يَا رَجُلُ لاَ تَقُل غَيْرَ الصِّدْقِ، وَلا تَشْهَدْ بِغَيْرِ الحَقِّ، وَقُلْ لِي: هذَا الرَّأْسُ لأيِّهِمَا، فَقُلْتُ: يَا عَافَاكَ اللهُ هذَا رأْسِي، قَدْ صَحِبَنِي فِي الطَّرِيقِ، وَطَافَ مَعِي بِالْبَيْتِ العَتِيقِ، وَمَا شَككْتُ أَنَّهُ لِي، فَقالَ لِي: اسْكُتْ يِا فُضُولِيُّ، ثُمَّ مالَ إِلى أَحَدِ الخَصْمَيَنِ فَقَالَ: يَا هَذَا إِلَى كَمْ هَذِهِ المُنافَسَةُ مَعَ النَّاسِ، بِهذَا الرَّأْسِ؟ تَسَلَّ عَنْ قَلِيلِ خَطَرِهِ، إِلى لَعْنَةِ اللهِ وَحَرِّ سَقَرِهِ، وَهَبْ أَنَّ هَذا الرَّأْسَ لَيْسَ، وَأَنَا لَمْ نَرَ هذَا التَّيْسَ. قَالَ عِيسَى بْنُ هِشَامٍ: فَقُمْتَ مِنْ ذَلِكَ المَكَانِ خَجِلاً، وَلَبِسْتُ الثِّيابَ وَجِلاً، وَانْسَلَلْتُ مِنْ الحَمَّامِ عَجِلاً، وَسَبَبْتُ الغُلاَمَ بِالعَضِّ وَالمصِّ، وَدَقَقْتُهُ دَقَّ الجِصِّ، وَقُلْتْ لآخَرَ: اذْهَبْ فَأْتِني بِحَجَّامٍ يَحُطُّ عَنِّي هَذا الثِّقَلَ، فَجَاءَني بِرَجُلِ لَطِيفِ البِنْيَةِ، مَلِيحِ الحِلْيَةِ، في صُورَةِ الدُّمْيَةِ، فارْتَحْتُ إِلَيْهِ، وَدَخَلَ فَقَالَ: السَّلاَمُ عليْكَ، وَمِنْ أَيِّ بَلَدٍ أَنْتَ؟ فَقُلْتُ: مِنْ قُمَّ، فَقَالَ: حَيَّاكَ اللهُ! مِنْ أَرْضِ النِّعْمَةِ وَالرَّفَاهَةِ وَبَلَدِ السُّنَّةِ وَالجَمَاعَةِ، وَلَقَدْ حَضَرْتُ فِي شَهْرِ رَمضانَ جَامِعَها وَقَدْ أُشْعِلَتْ فِيهِ المَصَابِيحُ، وَأُقِيَمتِ التَّرَاويحُ، فَمَا شَعَرْنا إِلاَّ بِمَدِّ النِّيلِ، وَقَدْ أَتَى عَلَى تِلْكَ القَنَادِيلِ، لكِنْ صَنَعَ اللهُ لِي بِخُفِّ قَدْ كُنْتُ لَبِسْتُهُ رطْباً فَلَمْ يَحْصُلْ طِرَازُهُ على كُمِّهِ، وَعَادَ الصَّبيُّ إِلِى أُمِّهِ، بَعْدَ أَنْ صَلَّيْتُ العَتَمَةَ واعْتَدَلَ الظِّلُّ، وَلَكِنْ كَيفَ كَانَ حَجُّكَ؟ هَلْ قَضَيْتَ منَاَسِكَهُ كَما وَجَبَ، وَصَاحُوا العَجَبَ العَجَبَ؟ فَنَظَرْتُ إِلى المَنَارَةِ، وَمَا أَهْوَنَ الحَرْبَ عَلى النَّظَّارَةِ، وَوجَدْتُ الهَرِيسَةَ عَلى حالِهَا، وَعَلِمْتُ أَنَّ الأَمْرَ بِقَضَاءٍ ِمنَ اللهِ وَقَدرٍ، وَإِلَى مَتَى هَذَا الضَّجَرُ؟ وَاليَوْمُ وَغَدُ، وَالسَّبْتُ وَالأَحَدُ، وَلا أَطِيلُ وَمَا هَذا القَالَ وَالقِيلَ؟ وَلَكِنْ أَحْبَبْتُ أَنْ تَعْلَمَ أَنَّ المُبَرِّدَ فِي النَّحْوِ حَدِيدُ المُوسَى فَلاَ تَشْتَغِلْ بِقَوْلِ العَامَّةِ؛ فَلَوْ كَانَتْ الاسْتِطاعَةُ قَبْلَ الفِعْلِ لَكُنْتُ قَدْ حَلَقْتُ رَأَسَكَ، فَهَلْ تَرَى أَنْ نَبْتَدِئَ؟. قَالَ عِيسَى بْنُ هِشَامٍ: فَبَقَيْتُ مُتَحَيِّراً مِنْ بَيَانِهِ، فِي هَذَيَانِهِ، وَخَشِيتُ أَنْ يَطُولَ مَجْلِسَهُ، فَقُلْتُ: إِلى غَدٍ إِنْ شَاءَ اللهُ، وَسَأَلْتُ عَنْهُ مَنْ حَضَرَ، فَقَالوا: هَذا رَجُلٌ مِنْ بِلادِ الإِسْكَنْدَرِيَّةِ لَمْ يُوَافْقُهُ هَذا المَاءُ، فَغَلَبَتْ عَلْيِهِ السَّوْدَاءُ، وَهُو طُولَ النَّهارِ يَهْذِي كَمَا تَرَى، وَوَرَاءَهُ فَضْلٌ كَثِيرٌ، فَقُلْتُ: قَدْ سَمِعْتُ بِهِ، وَعَزَّ عَلَيَّ جُنُونُهُ، وَأَنْشأْتُ أَقُولُ: أَنَا أُعْطِي اللهَ عَـهْـداً *** مُحكَماً في النَّذْرِ عَقْدَا لا حَلَقْتُ الرَّأْسَ مَا عِشْـ *** تُ وَلَوْ لاقَيْتُ جَـهْـدَا
|
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
راديو قصيمي نت | مطبخ قصيمي نت | قصص قصيمي نت | العاب قصيمي نت |